سيجارة قتلت 146 في مصنع بنيويورك.. فغيرت مصير العمال

يوم 25 آذار/مارس 1911، عاشت مدينة نيويورك الأميركية على وقع أسوأ كارثة صناعية في تاريخها. ففي مساء ذلك اليوم، ذهل الأميركيون لسماعهم خبر نشوب حريق هائل بمصنع الثياب Triangle Shirtwaist وسقوط عدد كبير من القتلى فشل جلّهم في مغادرة المكان بسبب إجراءات السلامة السيئة بمبنى المصنع وسرعة انتشار ألسنة اللهب بالمكان.

في الأثناء، كان هذا المصنع، المملوك لكل من ماكس بلانك (Max Blanck) وإسحاق هاريس (Isaac Harris)، موجودا بالطوابق الثلاثة العليا لبناية آش (Asch)، المتكونة من 10 طوابق، بزاوية غرين ستريت بمانهاتن.

صورة لعملية وضع جثث الضحايا بصناديق الموتى

وبحسب تقارير تلك الفترة، كان مصنع Triangle Shirtwaist معروفا باستغلاله للعمال، حيث اتجه مالكوه لتشغيل مهاجرات صغيرات في السن كان من ضمنهن أطفال في الرابعة عشرة من عمرهم. وقد تجاوز عدد العمال 500 فردا أجبروا غالبا على العمل بشكل متواصل لمدة 12 ساعة يوميا مقابل أجرة أسبوعية بلغت 15 دولارا.

بالتزامن مع كل ذلك، عانى هذا المصنع من إجراءات سلامة رديئة فقد كانت 3 من مصاعده الأربعة التي تصله بالطابق السفلي معطلة بينما أغلق أحد مدرجيه الإثنين من الخارج لمنع عمليات السرقة، حيث خضعت العاملات لعمليات تفتيش يومية عند مغادرتهن لمكان العمل كما كان مخرج النجدة ضيقا جدا وتطلب إجلاء جميع العمال عن طريقه ساعات عديدة.

صورة لعدد من أهالي نيويورك وهم بصدد إلقاء النظرة الأخيرة على ضحايا الحريق

في المقابل، كانت جميع المؤسسات الصناعية على دراية بقوانين الوقاية من الحرائق. وبسبب الفساد الإداري المتفشي بنيويورك حينها، تجاهلت العديد من المصانع هذه القوانين وفضّلت عدم تطبيقها لتوفير أموال إضافية وسط غياب شبه تام لسلطات المدينة.

وبحسب تقارير عديدة، لم يتردد كل من ماكس بلانك وإسحاق هاريس في إحراق مصنعيهما مرات عديدة خلال العقد الأول من القرن العشرين، دون التسبب في خسائر بشرية، للحصول على تعويضات هائلة من صناديق التأمين. ولهذا السبب رفض الرجلان تركيب أجهزة رش المياه بمصنعيهما لمقاومة الحرائق إيمانا منهما بإمكانية إحراقه للحصول على تعويضات في حال إفلاسه.

صورة لعدد من العاملات بأحد مصانع الثياب مطلع القرن العشرين

مساء يوم السبت 25 آذار/مارس 1911، اندلع حريق هائل بالمصنع الذي كان يعج بمئات العاملات. وعلى الفور، حاول أحد المسؤولين إطفاء الحريق باستخدام خرطوم المياه وفشل في السيطرة عليه لتمتد بذلك ألسنة اللهب نحو جميع الطوابق، ملتهمة كل ما وقع في طريقها.

في الأثناء، حوصر عدد كبير من العاملات داخل المبنى حيث تعطب المصعد، الذي كان يتسع لنحو 12 شخصا فقط، بسبب النيران وبعد نزوله 4 مرات للطابق السفلي، بالتالي علق عدد كبير من النساء بالداخل، ومن خلال إجراء تعيس حاولت بعض العاملات النجاة عن طريق إلقاء أنفسهن من نوافذ الطوابق العليا ففارقن الحياة عقب ارتطامهن بالأرض.

صورة لعملية إطفاء الحريق

إضافة لذلك، كانت سلالم فرق الإنقاذ قصيرة فبلغت الطابق السابع وفشلت في بلوغ بقية الطوابق.

استمر الحريق لمدة 18 دقيقة فقط وأسفر عن مقتل 146 شخصا وإصابة 78 حيث احترق واختنق 49 عاملا وتوفي 36 آخرون بالمصعد وفارق 59 الحياة بعد أن ألقوا بأنفسهم من النوافذ ،بينما شهدت الأيام التالية وفاة عاملتين بسبب تبعات إصابتهما.

صورة لجانب من الإحتجاجات عقب الحريق
صورة لقبر إحدى ضحايا الحريق

خلال الفترة التالية، رجّج المحققون الأميركيون فرضية اندلاع الحريق بسبب سيجارة، وسرعة التهاب القطن بالمصنع، كما فشلت المحكمة في إدانة كل من ماكس بلانك وإسحاق هاريس.

ولذلك، تظاهر ما يزيد عن 300 ألف شخص بشوارع نيويورك يوم 5 نيسان/أبريل 1911 للمطالبة بتحسين ظروف سلامة العمال، واحتج اتحاد عاملات الثياب العالمي على هذه الحادثة، فكسب مكانة هامة كمدافع عن حقوق العاملات.

صورة تجمع بين كل من ماكس بلانك وإسحاق هاريس

نتيجة لهذا الحريق الهائل الذي تسبب في وفاة 146 شخصا، كانت أن مدينة نيويورك وافقت على تمرير قوانين Sullivan-Hoey للوقاية من الحرائق واتخذ نواب الحزب الديمقراطي بالمدينة جانبا آخر من الإجراءات لضمان سلامة العمال.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى