كتب كريس بلاك هيرست، رئيس تحرير الإندبندنت السابق، مقالاً انتقد خطوة وزير الثقافة البريطاني الذي طلب إحالة الاستثمار السعودي في صحيفة الإندبندنت إلى هيئة المنافسة والأسواق، ومعرفة إن كان السعوديون يتدخلون أو يؤثرون من خلال استثمارهم في استقلالية التحرير.
وكان مستثمرون سعوديون قد اشتروا نحو ثلث أسهم صحيفة "الإندبندنت"، مما حدا بمنافسي الصحيفة، وخصوم السعودية، إلى إثارة الموضوع وانتقاد الخطوة. كما أن الإندبندنت، في شراكة مع المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق، التي تصدر صحيفة "الشرق الأوسط"، أطلقت أربعة مواقع إلكترونية باللغات العربية والفارسي والأوردو والتركي، والتي اعتبرت خطوة تعاون مهمة.
وهذا نص رأي بلاك هيرست الذي نشرته الصحيفة:
إن الإدارة التي تدافع عن المشاريع الحرة وتعلن أن بريطانيا "مفتوحة للأعمال" تُعرِّض مصادر أموال المؤسسات الإخبارية للخطر. وإنه بالكاد يمر أسبوع في بريطانيا دون إغلاق إحدى الصحف، وصارت هنالك مناطق سكانية كبيرة ليس لديها أي شكلٍ من أشكال الصحف المحلية على الإطلاق.
وتمر الصحافة بانخفاضٍ حاد، وحتى في لندن – العاصمة ومركز اقتصاد البلاد والحياة السياسية والثقافية – ليست محصنةً. فقد كانت صحيفة ذا إيفيننج ستاندرد The Evening Standard على مشارف الإغلاق في عهد مُلاكها السابقين، إلا أن إفجيني ليبيديف أنقذ الصحيفة. وبعد ذلك، عندما كانت المبيعات في انخفاض بعد انتشار الإعلام الرقمي، تنازلت الصحيفة المسائية الوحيدة في لندن عن سلوكها التقليدي المتمثل في بيع الصحيفة وأصبحت توزع مجانا، وما زالت الصحيفة تُعاني.
وبناءً على ما سبق، فقد كانت موافقة شخص بالاستثمار في صحيفة ذا إيفيننج ستاندرد خبرًا مفرحًا، وذلك الشخص هو الذي قام بضخ الأموال في المؤسسة الأخرى التي يملكها ليبيديف – وهي الإندبندنت – مقابل حصة 30%، إذ اشترى سلطان بن محمد أبو الجدايل 30% من صحيفة لندن بمبلغ 25 مليون جنيه إسترليني، الأمر الذي رسم مستقبلًا جيدًا للصحيفة.
والآن يبحث وزير الثقافة، جيريمي رايت، إحالة الحصة السعودية إلى هيئة المنافسة والأسواق، لتحديد ما إذا كانت تشوّه التغطية التحريرية أم لا. ويُشار إلى أن صحيفة الإندبندنت لم تَعُد تُطبع ورقياً، كما كانت سابقًا، بل هي متوفرة على الإنترنت. وما زالت صحيفة ذا إيفيننج ستاندرد (المسائية) تواجه عدم اليقين بعدم الصدور، مرة أخرى، بعد كل تلك النكبات التي مرّت بها.
الخطر هذه المرة يجيء من مصدرٍ غير متوقع، ومصدر هذا التهديد ليس من تلك الشركات الرقمية العالمية العملاقة التي تصطف لمهاجمة "ذا إيفيننج ستاندرد"، وليس من صُنع المنافسين بل الخطر من الحكومة التي يفترض أن تدافع عن المشاريع الحرة، وواجبها دعم الخدمات العامة التي توفرها الصحف المحلية، وهي الآن تعرِّض مصدر تمويل صحيفة ذا إيفيننج ستاندرد للخطر.
وما يبدو أنه (يقلق النقاد أو الحكومة) أن أبو الجدايل يحظى بعلاقاتٍ وثيقة بالمسؤولين السعوديين، وأنهم سوف يستخدمون صحيفة ذا إيفيننج ستاندرد، وصحيفة الإندبندنت، للترويج لسياساتهم وأجنداتهم ومصالحهم السعودية.
لكن يتجاهل الوزير رايت حقيقةً هامة، وهي أن أبو الجدايل مُساهمٌ يشكل أقلية، إذ يملك 30% فقط وليس لديه سيطرة على أي شيء، ولا يحظى بأغلبية في مجالس إدارة الشركات التي تملك ذا إيفيننج ستاندرد والإندبندنت، ولا يستطيع لا هو ولا شركاؤه، توجيه المحتوى التحريري أو التأثير عليه.
ويتجاهل منتقدو العلاقة بين ليبيديف والمستثمر السعودي الجديد هذه التفاصيل. إنهم يؤمنون بأنه لا بد أن أبو الجدايل ومعارفه السعوديين يحظون بسلطة التحرير، على الرغم من أن استقلال الصحيفتين عن المستثمرين منصوصٌ عليه في اتفاقيات المساهمين.
وباعتباري شخصًا سبق وعمل كمحرر في صحيفة " الإندبندنت" في عهد ليبيديف، وعمل معه كمحرر كبير في صحفه، بما في ذلك "ذا إيفيننج ستاندرد"، لعدة سنوات، أجد هذه الحجة صعبة التصديق.
أستطيع أن أؤكد أنه عندما كنت في منصبي، لم يأمرني (المالك الرئيسي) ليبيديف إطلاقًا باتخاذ موقفٍ معين، ولم يسع لتوجيه عملنا الصحافي. نعم، لقد قمنا في بعض الأحيان بنشر صور ليبيديف، لكن ذلك كان عادةً لدعوة الناس للتبرع لأغراض خيرية أو دعمه لقضية تستحق ذلك.
وكان منهجه مختلفًا بشكلٍ إيجابي عن بعض مالكي وسائل الإعلام الآخرين في أماكن أخرى خلال السنوات الماضية. وكانت هذه صحفًا تستنزف المال، لكن ليبيديف وعائلته استثمروا بأكثر من 100 مليون جنيه إسترليني لإبقائها على قيد الحياة، ولم يسعوا إلى استخدامها لأغراضهم التجارية أو السياسية.
وبطبيعة الحال، وحتى الآن، وفي سوقٍ صعبة تعاني من انخفاض الإيرادات، يحظى مالكو الصحف بمكانة اجتماعية مرموقة بسبب امتلاكهم لها. وامتلاك الصحف يجلب الشهرة والمكانة. وفي محادثاتي مع ليبيديف، كان من الواضح أنه وعائلته يُقدِّرُون مبدأ الصحافة المستقلَّة تقديرًا عاليًا، وأنهم يؤمنون بحرية الصحافة إيمانًا شديدًا كونهم من الاتحاد السوفييتي السابق، حيث كانت وسائل الإعلام تخضع لقيودٍ شديدة من قبل الدولة.
وكان لديهم شيء من البراغماتية، حيث أدركوا تمامًا أن امتلاك صحيفة اسمها "الإندبندنت"، وأخرى اسمها "إيفيننج ستاندرد"، وهما صحيفتا لندن، وهي مدينة عالمية تشتهر بالحرية والتسامح، قد جلبَ مسؤولياتٍ إضافية، وإن تحديها كان من شأنه أن يفسد العلامات التجارية وكذلك السمعة الشخصية للمُلَّاك.
ولم يظهر شيء في الفترة منذ أن ضخ أبو الجدايل أمواله يشير إلى أنه – هو وأولئك الذين يقال إنهم وراءه – قد تمتعوا بأي نفوذ أو خدماتٍ تحريرية. وواصلت صحيفتا الإندبندنت وذا إيفيننج ستاندرد التدقيق، وانتقاد السعودية عندما ترى الصحيفتين أن ذلك مناسب، ويبدو أنهما قامتا بذلك بالفعل.
وهناك تناقضات في خطوة الوزير رايت، فإدارته تنادي بأن بريطانيا "مفتوحة للأعمال"، وهم يرغبون في المزيد من الاستثمارات الأجنبية، إلا أن أجنبيًا يستثمر في منتجين بريطانيين مشهورين عالميًا – لضمان بقائهما – يتم التعامل معه على هذا النحو.
وليبيديف أجنبي. ومع ذلك، عندما سيطر على حصة الأغلبية وهو روسي، لم يخضع لمعاملة الاستجواب نفسها. وبدوره فإن أبو الجدايل سعودي، ويجب أن نرتاب في أن المشاعر المعادية للسعودية هي وراء أولئك الذين يضغطون على الوزير رايت ليقوم بشيء. ومرة أخرى، لا يمكن أن يكون ذلك مبررا، فبريطانيا تظل شريكًا تجاريًا وثيقًا مع السعودية، والصفقات مع المملكة لا تخضع لعقوبات.
إن (وزير الثقافة) رايت يرسلُ إشارة خاطئة. وهو يلقي بالشك في صحفٍ عندما لا ينبغي أن يوجد لذلك مبرر – وبالأخص صحيفة إيفيننج ستاندرد والتي تعتمد على الإعلانات كمصدر دخلها الوحيد. وهو يلوح بلافتة تقول "غير مرحب بكم" للشركات الأجنبية. ويُظهِر الوزير كذلك أنه يفتقر إلى فهم كيفية عمل الشركات، فهو يلاحق مالكي حصة الأقلية كما لو كانوا هم [من يملكون حصة] الأغلبية. ويجب عليه أن يتوقف الآن.