تسبب فيديو لمحمود الزهار، القيادي في حركة حماس، أساء فيه لدولته فلسطين، في إحداث ضجة كبيرة على مواقع التواصل.
وظهر الزهار في الفيديو، وهو يتحدث مع عدد من أنصار الحركة في جلسة خاصة، عن رؤية حماس لفلسطين، موضحاً أنها ليست الهدف الأساسي للحركة ولمشروعها، بل مجرد خطوة أو مرحلة من مراحل المشروع الأكبر.
وتساءل الزهار متهكماً: "دولة فلسطينية على حدود 1967 من الثوابت؟ طبعا عندما أسمع هذا الكلام أشعر بالتقيؤ، لأنه لا يوجد مشروع".
وتابع قائلاً: "فلسطين بالنسبة لنا مثل الذي يحضر السواك وينظف أسنانه فقط، لأن مشروعنا أكبر من فلسطين"، مضيفا أن "فلسطين غير ظاهرة على الخريطة".
ما ذكره القيادي في حركة حماس ليس مستغربا على قادة الإخوان وعناصرهم، فالوطن بالنسبة لهم وفي أدبياتهم التي تربوا عليها، ليس سوى حفنة من تراب، بل إنهم لا يعترفون بالأوطان، ويرونها مجرد أراضٍ يقيمون عليها لحين تحقيق حلمهم المزعوم في دولة الخلافة وأستاذية العالم.
سواك في أسنانه
وصف الزهار لفلسطين بأنها سواك في أسنانه مستمد من فهم الإخوان للوطن، وفلسفتهم نحو فكرة الوطن في حد ذاته، والتجارب على ذلك عديدة، ففي لقاء له مع صحيفة "روزاليوسف" المصرية في العام 2006 قال مهدي عاكف، المرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين حينما سأله الصحافي سعيد شعيب: هل ترضى لمصر بحاكم مسلم غير مصري أم مسيحي مصري؟ فقال: إنه يقبل بحاكم مسلم لمصر ولو كان ماليزيا، ثم أردف قائلا "طظ في مصر واللي في مصر واللي جابوا مصر".
وقبل وصول الإخوان للحكم، قال مهدي عاكف: إن أنصار الإخوان سيضربون بالجزمة من يهاجمهم إذا وصلوا للحكم، وفي حوار له مع قناة" الجزيرة" القطرية، وصف يوسف ندا، القيادي بالجماعة، مصر بالزريبة.
وفي تصريحات له أثناء الحملة الانتخابية لترشيح محمد مرسي رئيسا لمصر في العام 2012، قال صفوت حجازي، القيادي بجماعة الإخوان، إن الإخوان يريدون ما يعرف بالولايات المتحدة العربية ودولة الخلافة التي ستكون عاصمتها القدس وليس القاهرة، مضيفا أن مصر ستكون جزء من هذه الولايات.
لماذا ينظر الإخوان للوطن هكذا ولماذا يكرهون الأوطان؟
يقول سامح عيد القيادي السابق بالجماعة، والباحث حاليا في الإسلام السياسي لـ"العربية.نت"، إن أدبيات الإخوان منذ تأسيس الجماعة على يد حسن البنا وحتى اليوم لا تعترف بفكرة الوطن وتراه من أفكار الاستعمار، وتؤمن أن الإسلام هو الوطن، وما عدا ذلك فهو تراب وحدود وحواجز لا لزوم لها.
ويضيف أن كتاب الرسائل لحسن البنا حدد فيه مؤسس الجماعة فكرته للوطن، ويقول فيه: أما وجه الخلاف بيننا وبينهم فهو أننا نعتبر حدود الوطنية بالعقيدة وهم يعتبرونها بالتخوم الأرضية والحدود الجغرافية، فكل بقعة فيها مسلم يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله هو وطن لنا، عندنا له حرمته وقداسته وحبه والإخلاص له والجهاد في سبيل خيره، وكل المسلمين في هذه الأقطار الجغرافية أهلنا وإخواننا نهتم لهم ونشعر بشعورهم.
ويتابع عيد أن سيد قطب روج لتلك الفكرة أيضا في كتابه "في ظلال القرآن"، فيقول فيه إن الوطن ليس أكثر من تراب، وفي كتابه الآخر "معالم في الطريق يقول سيد قطب إن الوطن ليس أرض مصر، وإنما الوطن هو الإسلام، وأن الأرض المصرية ليست سوى الطين والسكن".
الفكرة الأممية الجامعة
ويتابع الباحث المصري أن الوطن عند الإخوان وكما تربوا في عقيدتهم يبدأ من الفرد المسلم إلى الأسرة المسلمة إلى المجتمع المسلم إلى الأمة المسلمة ثم إلى الفكرة الأممية الجامعة وأستاذية العالم، وهي دعوة وعقيدة الهدف منها ليس تمكين الإسلام ونشره بقدر ما هي دعوة لاحتلال البلاد والدول باسم الإسلام.
وقال إن أدبيات الإخوان تقوم على فكرة أن كل الدول الإسلامية هي وطن لهم، وأي منتمٍ لدين آخر غير الإسلام ويقيم في الوطن ليس من أبنائه، مضيفا أن تلك الأفكار تخالف تعاليم الإسلام ذاته، بل تخالف وصايا الرسول الذي أوصى بالأوطان والدفاع عنها.
ويؤكد أن عقيدة الإخوان بالنسبة للوطن تقوم أيضا على فكرة الولاء والبراء والصفاء، بمعنى أن الولاء يكون للإسلام وللجماعة قبل أي شيء آخر، والبراء يكون للتحلل والتبرئة مما هو دون الإسلام والجماعة، والصفاء يكون للإخوة في الجماعة فقط، مشيرا إلى أن تلك العقيدة عنصرية بحتة وبغيضة، فهي تدعم الكراهية للآخر، وتغرس فكرة العداء للوطن طالما أنه ليس للجماعة مكان فيه، وتعزز من فكرة الطائفية والمذهبية وفي أبشع صورها.
مفهوم الوطن
من جانبه، يؤكد منير أديب، الباحث في تاريخ جماعات الإسلام السياسي، أن مفهوم الوطن عند الإخوان هو حفنة من تراب عفن، ومجموعة من الحواجز وضعها الاستعمار تحت مسمى الحدود لتفريق المسلمين، ولذلك ليس عجيبا أو غريبا عندما قال الزهار إنه يشعر بالتقيؤ عندما يسمع كلمة دولة فلسطين، لأن الدولة التي فهمها من خلال تربيته الإخوانية هي الجماعة، والوطن الذي تربى فيه هو أي بقعة تحكمها الجماعة، وتمارس سلطتها فيها.
ويقول لـ"العربية.نت" إن الرسول عليه الصلاة والسلام أول من رسخ فكرة الوطن وحب الأوطان عندما قال عن مكة "والله إنك لأحب البلاد لدي ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت"، مؤكدا أن فكرة الإخوان تجاه الأوطان تخالف تعاليم الإسلام ووصايا الرسول.