أواخر القرن التاسع عشر، تزايدت حدّة التوتر بين مختلف القوى الأوروبية بشكل واضح، حيث لعبت الأزمة الاستعمارية وسباق التسلح دوراً هاماً في تصاعد وتيرة الخلافات بالقارة العجوز. فمنذ اعتلاء فيلهلم الثاني (Wilhelm II) عرش ألمانيا سنة 1888، وعزل المستشار الجديد أوتو فون بسمارك سنة 1890، عرفت السياسة الخارجية الألمانية تقلّبا واضحا، حيث انتهج الإمبراطور الجديد سياسة توسعية كادت أن توقعه لأكثر من مرة في حروب مع فرنسا وبريطانيا وروسيا، كما طالب بإعادة تقسيم العالم وتوزيع عادل للمستعمرات وأقحم بلاده في سباق تسلّح بحري مع البريطانيين للهيمنة على البحار.
وانطلاقا من ذلك، كتم العالم أنفاسه مرات عديدة حيث خيّم شبح الحرب على أوروبا، خاصة مع وجود سياسة التحالفات العسكرية القائمة بالمنطقة والتي هدّدت بتوسع النزاع في حال نشوبه. في الأثناء، اتجهت بعض الأطراف الأوروبية للحد من شدة التوتر بشتى السبل، وقد تزعّمت روسيا على لسان إمبراطورها نيقولا الثاني (Nicholas II) التيار المطالب بفض النزاعات بطرق سلمية، وقد كلّف الأخير وزير خارجيته ميخائيل نيكولايفيتش مورافيوف (Mikhail Nikolayevich Muravyov) بالعمل على عقد مؤتمر سلام عالمي يضم جملة من الاتفاقيات الكفيلة بإعادة الاستقرار لأوروبا.
اقترح القيصر الروسي نيقولا الثاني يوم 24 أغسطس 1898 على المجتمع الدولي فكرة عقد مؤتمر للسلام العالمي، ويوم 11 يناير 1899 وضع وزير الخارجية الروسي مورافيوف جملة من النقاط الأساسية للحد من التصعيد الذي تشهده القارة الأوروبية.
وقد تضمنت نقاط ميخائيل نيكولايفيتش مورافيوف جملة من الأساسيات، كتحديد حجم القوات المسلحة لكل دولة، وتقليص استخدام الأسلحة الجديدة والمتطورة بالنزاعات، واحترام ما جاء في اتفاقية جنيف لعام 1864، ومراجعة إعلان بروكسل للعام 1874 حول قوانين وأعراف الحرب البرية. في الأثناء، لبت العديد من الدول هذه الدعوة. فما بين يومي 18 مايو و29 يوليو 1899 اجتمع ممثلو 26 دولة، كان من ضمنهم الولايات المتحدة الأميركية والمكسيك، بمدينة لاهاي (The Hague) البلجيكية لمناقشة جملة من الاتفاقيات الكفيلة بالحفاظ على السلام العالمي.
ومع اختتام أعمال المؤتمر، فشل المجتمعون في تحقيق الهدف الأساسي المتعلق بالحد من التسلح ليتواصل بذلك سباق التسلح الذي عاشت على وقعه القارة الأوروبية. وفي المقابل، تم الاتفاق على جملة من البنود التي حرّمت استخدام الأسلحة الكيمياوية والرصاص المتفجر ومنعت الاعتماد على المناطيد لإلقاء الأجسام المتفجرة، كما وافق المجتمعون على إنشاء ما عرف بمحكمة التحكيم الدائمة والتي كلّفت بالنظر في النزاعات وفضّها بشكل سلمي.
وخلال العام 1907، شهد العالم مؤتمر سلام ثان استضافته لاهاي، حيث اقترح الرئيس الأميركي ثيودور روزفلت عقد هذا المؤتمر، وقد ساند القيصر الروسي نيقولا الثاني هذه الفكرة، ودعا العديد من قادة العالم لحضوره. وما بين 15 يونيو و18 أكتوبر 1907، انعقد مؤتمر السلام العالمي الثاني بلاهاي والذي حضرته هذه المرة 44 دولة.
خلال هذا المؤتمر الثاني، فشل المجتمعون مرة أخرى في الحد من التسلّح وأقروا جملة من الإجراءات لحماية حقوق الدول المحايدة أثناء فترات الحرب وتنظيم الملاحة وحركة السفن التجارية وعملية زرع الألغام البحرية زمن الحروب، كما أمروا بإنشاء محكمة دولية أخرى للنظر في قضايا غنائم الحرب. أيضا، أكد المؤتمر على تحريم استخدام المناطيد لإلقاء الأجسام المتفجرة وتجاهل في المقابل البنود السابقة التي منعت استخدام السلاح الكيمياوي والرصاص المتفجر.
وخلال هذا المؤتمر الثاني، اتفق ممثلو الدول المجتمعة على عقد مؤتمر سلام عالمي كل 8 سنوات لمناقشة القضايا الدولية وفضّ النزاعات، حيث اعتبر ذلك أفضل خيار لتقريب الشعوب من بعضها وتجنّب أهوال الحرب. في الأثناء، كان مؤتمر 1907 آخر مؤتمر سلام بلاهاي، حيث ألغي مؤتمر عام 1915 بسبب فشل المجتمعين في الحفاظ على السلام العالمي واندلاع الحرب العالمية الأولى التي تسببت في مقتل ما يزيد عن 15 مليون شخص.