كشف عماد أحمد علي عبد الحافظ، أحد القيادات الشبابية السابقة في جماعة الإخوان المسلمين والمنشق عنها حديثاً، تفاصيل وأسباب المراجعات التي قام بها شباب الجماعة داخل السجون المصرية والتي تشارك فيها.
وشرح عبد الحافظ، في مقابلة مع "العربية.نت"، أنه كان ضمن القيادات الشبابية للإخوان في محافظة الفيوم، وتم سجنه في قضايا عنف وتظاهرات عقب فض اعتصامي رابعة والنهضة، وقد أُفرج عنه مؤخراً.
وأوضح أنه، وخلال تواجده بالسجن، حدث له ولغيره من الشباب التابع للإخوان "تغير فكري نابع من نقاشات عديدة ومراجعات متعددة كشفت لنا زيف فكرة الجماعة ومبادئها، وعدم توافق أفكارها مع أفكار الإسلام وتعاليمه. وعندما ثبت لي ولزملائي زيف الفكرة أعلنت انشقاقي وخروجي عن الجماعة".
واعتبر عبد الحافظ أن "جماعة الإخوان المسلمين وكافة الحركات الإسلامية تنطلق من وعاء فكري واحد، ومن رحم واحد هي رحم الجماعة التي أسسها حسن البنا في العام 1928".
وأكد أنه قام وزملاؤه بطرح مراجعات فكرية خلال تواجدهم في السجون للخروج من الجماعة ومراجعة أفكارها، وإقناع الشباب الملتحقين لها بـ"عدم جدواها كحركة إسلامية لها علاقة بفكرة الخلافة أو الدولة الإسلامية".
وأوضح أنه لم يقم وزملاؤه بالمراجعات "من منطلق إخواني"، بل أعلنوا هذه الأفكار بعد خروجهم فعلياً من "عباءة الجماعة". وشدد على أن "المراجعات الفكرية تختلف جذريا عن مبادرات شباب الجماعة داخل السجون، والتي يطالبون فيها بالإفراج عنهم مقابل اعتزالهم العمل السياسي وسداد مبلغ مالي للدولة كتعويض عما أحدثوه من أضرار وعمليات تخريب".
المراجعات تختلف عن مبادرات المصالحة أو الإصلاح
وذكر عبد الحافظ أن "المراجعات تتميز عن باقي المبادرات بأن ليس لها مطالب معينة. وأُعلن عنها رسميا في العام 2017 بوساطة 5 من شباب الجماعة المنشقين عنها، لكن ما زال بعضهم يقبع داخل السجن بسبب قضايا تخص الجماعة، وبالتالي فهي مراجعات قائمة على أسس فكرية تدحض أفكار الجماعة، وقام بها شباب أصبحوا غير منتمين لجماعة الإخوان بأي شكل من الأشكال".
وأكد أن "ما يميز المبادرة أنها لا تطالب بالمصالحة بين الجماعة والدولة لأنها ترى أن الجماعة بأفكارها وقناعاتها وأسسها البنيوية والتنظيمية هي جزء من المشكلة في مصر، وتعبّر عن مشروع صدامي وغير واقعي، ولا جدوى من وجودها، لا بل إن وجودها يعمق مشاكل وجراح المجتمع المصري والعربي، وهي لا تصلح لنهضة المجتمع".
وأوضح عبد الحافظ أن "المبادرة لا تطالب بإصلاح الجماعة من الداخل بل تطالب بتفنيد ودحض أفكار الجماعة وأخطائها وسلبياتها، وكشف كافة المزاعم التي تروجها لنفسها ووسط أنصارها بأنها جماعة دعوية تدعو لتطبيق الإسلام، وإقامة الدولة المسلمة والمجتمع المسلم".
وشرح أن "المراجعات لم تقتصر على المواقف السياسية للجماعة بل تطرقت إلى المواقف الفكرية والعقائدية التي تقوم عليها الجماعة"، مشيراً إلى أن "المراجعات تعبر عن موقف فكري وليس موقفا سياسيا أو رغبة في الخروج من السجن".
وكشف عبد الحافظ أن "المراجعات ركّزت على مشروع وأهداف الجماعة وخلصت إلى أنها لا تعبر عن الإسلام ولا الدولة، ولا تعترف بفكرة الوطن، وانتهت إلى أن الجماعة عبء على الوطن والمجتمع والإسلام، ووجب التخلص منها".
وحول مضمون المراجعات، قال عبد الحافظ إنها "تتركز في عدة نقاط رئيسية هي هدف الجماعة الأساسي في إقامة الدولة الإسلامية الكبرى، ومشروع الخلافة وأستاذية العالم وهو مشروع الجماعة الرئيسي، وبعض المفاهيم عند الجماعة لتحقيق هذا الهدف، وفكرة الدولة وفكرة الجهاد، ثم فكرة التمكين ومنهجية التغيير".
وذكر أن "المراجعات أكدت وعبر وقائع كثيرة ومتعددة أن الجماعة ليس لديها منهجية التغيير تدريجياً وبوسائل سلمية، بل تلجأ للعنف لتحقيق التغيير المطلوب، وهي لست إصلاحية".
الإخوان تستند لـ"حديث ضعيف"
وكشف أن "شكل التنظيم عند الجماعة هو تنظيم شمولي. عند تأسيسها في العام 1928 كان هدفها هو إقامة الخلافة الإسلامية بعد أن سقطت في العام 1924 في تركيا، حيث ترى أن الخلاقة بالنسبة لها ضرورة واقعية. من وجهة نظرها، المسلمون لن يكونوا أقوياء ويحققون نهضة كبرى إلا إذا كانت هناك حكومة مركزية تحكم الأقطار الإسلامية. الجماعة ترى أن هذا واجب شرعي وقائم على حديث نبوي".
وبحسب عبد الحافظ، فإن الرسول عيله الصلاة والسلام شرح في حديث "تفاصيل قيام الدولة الإسلامية وقسمها لـ5 مراحل، منذ عهد النبوة وحتى قيام الساعة، وهي مرحلة النبوة، ثم الخلافة الراشدة ثم الملك العضوض ثم الملك الجبري وأخيرا خلافة على منهاج النبوة. والجماعة تستند على هذا الحديث لتحقيق الهدف".
وتابع: "الجماعة ترى أن سقوط الخلافة في العام 1924 هي التي أدت لضعف العالم الإسلامي، وأن إعادة الخلافة هو الحل الأمثل لإعادة هيبة وقوة العالم الإسلامي"، مؤكداً أن "الجماعة تزعم أن مشكلة العالم الإسلامي سياسية وتكمن في أنظمة الحكم القائمة، والحل من وجهة نظرها هو إسقاط هذه الحكومات، وإقامة حكومة مركزية".
واعتبر عبد الحافظ أن "الحديث الذي قامت عليه فكرة الجماعة وكل جماعات الإسلام السياسي ضعيف ومكذوب ولا سند له"، مشيراً إلى أن هذا الاكتشاف سبب صدمة فكرية له ولزملائه ونسفت لديه فكرة الجماعة.
76 فرعا للإخوان حول العالم
في سياق متصل، أوضح عبد الحافظ أن "النقطة الثانية في المراجعات تركزت على الخلاف حول شكل الحكم ومضمون الحكم، وما المقصود به عند الإخوان"، معتبراً أنه في نهاية المطاف "هدف غير واقعي وسبب للجماعة صدامات مع العالم والأنظمة العالمية".
وتساءل: "الجماعة كونت التنظيم الدولي للإخوان ولها فروع في 76 دولة، ولم تستطع رغم كل هذه الفروع أن تحكم قبضتها على أي دولة. وكل فرع يحكم نفسه بعيداً عن التنظيم الدولي. ولم تستطع الجماعة أن تفرض سيطرتها على كل تلك الفروع سياسياً وتنظيمياً ومالياً، فكيف تستطيع أن تقيم حكومة مركزية تحكم من خلالها الدول الإسلامية الخاضعة لها؟".
وكشف عبد الحافظ أن "مجموعات الإخوان في السجون ومن المحافظات المصرية المختلفة لم تكن لها قيادة موحدة تقود الإخوان داخل السجون، بل كان هناك عدة قيادات متنافرة وغير متوافقة، وكل جماعة تابعة لمحافظة تحكم نفسها بنفسها ولا تقبل بقيادة من محافظة أخرى، فكيف يمكن للجماعة أن تطبق فكرة الحكومة المركزية على العالم وهي لم تستطع تطبيق ذلك على أفرادها؟".
وأوضح أن "الجماعة خلقت لنفسها هدفاً غير واقعي وغير مشروع وصدامي بطبيعته مع الدولة والعالم والأقليات، فهي تقدم نفسها على أنها البديل للنظام الحكام لأنها تمثل الإسلام، وبالتالي لا تقبل بأي حزب معارض لها لأنها تراه حزباً معارضاً للإسلام، معتقدةً أنها الأصلح للحكم وأنه لا يوجد بديلاً لها. لذلك لن تقبل الجماعة بفكرة تداول السلطة لأنها ترى أن خروجها من السلطة هو محاربة لها لمنعها من إقامة الدولة الإسلامية".
مشروع الإخوان "صدامي"
وأضاف عبد الحافظ أن "المشروع الإخواني صدامي مع العالم لأنه يقدم نفسه كتنظيم دولي يريد أن يحكم العالم، ولذلك سيخوض مواجهة مع النظام العالمي. وحسن البنا مؤسس الإخوان يريد، وفق أدبياته، أن يستعيد المستعمرات القديمة التي كانت خاضعة للدولة الإسلامية، وهو ما لن يستقيم حالياً ولن يقبله النظام العالمي".
وتابع: "الإخوان يريدون إقامة الدولة الإسلامية ولذلك لا مفهوم لديهم لفكرة المواطنة، ولا يتعاملون مع الأقباط أو أصحاب الديانات الأخرى كشركاء في الوطن. الدولة وفق مفهوم الإخوان تقوم على أساس عقائدي ديني، والنتيجة النهائية أن الجماعة تقدم نفسها منذ تأسيسها كمشروع صدامي مع الدولة والعالم والأقباط والقوى والأحزاب السياسية وكافة التيارات، فكيف يقبلهم كل هؤلاء كحكام أو شركاء في المواطنة؟".
واعتبر أنه "لا يمكن استمرار الجماعة بهذا الشكل لأن وجودها يعمق مشاكل العالم الإسلامي ويزيد من التطرف والغلو والعنف"، مشيراً إلى أن "مفهوم الجهاد عند جماعة الإخوان وحسن البنا قائم منذ العام 1928 ولم يتم تجديده، ويعتمد على نشر الإسلام بالجهاد والعنف حتى يتحقق له الهدف الأسمى وهو إقامة الدولة الإسلامية، وهو ما خلّف آلاف القتلى والضحايا في مواجهات مع الأنظمة الحاكمة طيلة 90 عاماً".
وأوضح أن "الجماعة تعتمد جهاد الطلب وليس جهاد الدفع، وتعتبر أن الحاكم يجب أن يكون له دور ديني وليس سياسيا فقط، وأن الدولة يجب أن تقوم بالجهاد وتحارب الدول الأخرى وتنشر الإسلام فيها، وكل هذا يدفعها للصدام مع الآخرين، ومع العالم والأنظمة، وستظل هكذا لأن أفكارها لن تتغير".
واعتبر أن "الجماعة لديها فهم ضيق للتمكين والجهاد ولديها قصور في فهم كيفية الوصول للحكم وبناء الدولة الحديثة، ويختلط لديها الدعوي بالديني بالسياسي، فهي تزعم أن التمكين ضروري للوصول للحكم، وبعد الوصول للحكم يمكن بناء الدولة المسلمة، لكن الصحيح أن التمكين يكون بصناعة الحضارة ونشر العلم والثقافة وبناء المجتمع الرائد والقوي".
استخدام العنف
النقطة الأخيرة في المراجعات، كما يقول عماد عبد الحافظ، كانت حول "الالتباس في منهجية التغيير" لدى الإخوان، متسائلاً "هل هي جماعة إصلاحية أم جهادية أم سلفية؟".
وتابع عبد الحافظ: "لو نظرنا لأفكار حسن البنا لوجدنا أنه انتهج العنف كخيار أساسي في فرض أفكاره ومعتقداته ونص عليه بشكل صريح وواضح، وقال إنه في حالة عدم صلاحية الوسائل السلمية للوصول للسلطة وفي حالة عدم استجابة الحكام لمطالب الإصلاح سيتم استخدام القوة المادية إذا لزم الأمر. وهذا الأمر تجسد في التنظيم الخاص والأجنحة المسلحة السرية، وظهر ذلك فيما بعد فض اعتصام رابعة وما نفذه الإخوان من تفجيرات وأعمال عنف وتخريب واغتيالات".
وختم عبد الحافظ حديثه مؤكداً أن "الإخوان كجماعة لديها تنظيم شمولي، ويستمدون ذلك من فكرة أن الدين شامل وشمولي. وهم يمارسون السياسة والدعوة والعمل الخيري والاجتماعي والفني والإغاثي. عندما تمارس كل تلك النشاطات لا يمكن تصنيفها كحزب سياسي أو جماعة دينية ودعوية أو جمعية خيرية أو إغاثية أو ثقافية، وبالتالي فهي فرضت على نفسها منذ تأسيسها، أنها جماعة غير قانونية لا تتفق مع أي قانون ولا يمكن استيعابها ضمن أي قانون في مصر أو العالم".