منذ الاثنين قبل الماضي وعقب إعلان مصر تعثر مفاوضات سد النهضة الإثيوبي، يعيش المصريون حالة من القلق على مستقبل حصتهم المائية من مياه النيل، خاصة بعد أن خرجت التصريحات الرسمية لتؤكد أن بناء السد سيؤثر بالفعل على حصة مصر.
وأكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في تصريحات له من نيويورك، مساء الأربعاء، أنه لن يتم تشغيل سد النهضة بفرض الأمر الواقع، لأن مصر ليس لها مصدر آخر للمياه سوى نهر النيل، مشيرا إلى أن 95% من مساحة مصر صحراء، وأي إضرار بالمياه سيكون لها تأثير مدمر على المصريين، متابعا بالقول "نحن مسؤولون عن أمن مواطنينا".
السؤال الآن: هل سيعطش المصريون إذا اكتمل بناء سد النهضة؟ وكيف ستتأثر مصر فعليا، وما خياراتها للمواجهة؟ ثم ما هي البدائل المتاحة في حالة اكتمال بنائه؟
ويكشف الدكتور محمود أبو زيد، وزير الموارد المائية الأسبق في مصر ورئيس المجلس العربي للمياه في حديث لـ "العربية.نت"، أن تأثير سد النهضة على حصة مصر في مياه نهر النيل أمر مؤكد، وسيخفض من حصة مصر البالغة حاليا 55 مليار متر مكعب سنويا من المياه، مضيفا أن مقدار النقص سيتراوح ما بين 5 إلى 15 مليار متر مكعب، حسب كمية التبخر والتسرب والفيضان والتدفق السنوي من مياه الأمطار التي تتدفق على النيل الأزرق.
وقال إن كميات المياه التي تتدفق على النيل الأزرق هي التي ستتحكم في الأمر، وستكون حاسمة في معرفة مصير المياه الواردة لمصر، وتحديد تأثير السد من عدمه في ذلك، فإذا كانت الكمية كبيرة فستحصل إثيوبيا على حاجتها من المياه اللازمة لها وللسد، وستحصل مصر أيضا على حصتها دون نقصان وكذلك السودان، مؤكدا أن المشكلة الأساسية التي تعتبر نقطة الخلاف الرئيسية تنصب في حالة ما إذا كانت المياه المتدفقة على النيل الأزرق قليلة وغير كافية في أي عام من الأعوام.
وكشف أبو زيد أنه لذلك تقدمت مصر بعرض أن يكون الملء للسد في حدود 7 سنوات، حتى تستطيع مصر تفادي الخسائر المتوقعة، بينما تصر إثيوبيا على أن يكون الملء خلال 3 سنوات، هادفة من ذلك لسرعة توليد الكهرباء، وهو ما سيؤدي بلا شك لخفض منسوب المياه، ونقص حصة مصر المائية.
وأكد أن التخوفات التي يخشاها الجانب المصري منطقية وعلمية وفنية، فالتنبؤ بكمية المياه المتدفقة على النيل الأزرق سيكون صعبا، والدراسات تؤكد أن نسبة أخرى من المياه يتم فقدها في التبخر والتسرب ومن ثم كل هذا سيؤدي لتأثر مصر وتقليل حصتها، خاصة أنها ليس لها مصدر آخر للمياه سوى مياه النيل.
وأضاف أن كل هذه المفاوضات مازالت تجري حول قواعد الملء للسد، وستنتهي بمجرد امتلائه، لكن ستكون هناك مفاوضات أخرى حول قواعد التشغيل التي ستكون مدى الحياه، وهذه ستحتاج لجولات تفاوضية أخرى، واجتماعات مطولة، لأن بنودها طويلة الأجل وستلتزم بها الحكومات القادمة والمتعاقبة، لذلك يجب أن يكون هناك اتفاق وتوافق حولها.
وعن الخيارات المُتاحة أمام مصر للتعامل مع سد النهضة، قال الوزير المصري الأسبق إنه لابد من استمرار المفاوضات عن طريق اللجنة الثلاثية والوزراء من كلتا الجهتين، ثم اللجوء للوساطات المتعددة لحل الخلافات، يعقبها اللجوء لهيئات ومنظمات دولية محايدة مثل البنك الدولي، والمؤسسات الدولية، والاستعانة ببعض الخبراء الدوليين في هذا المضمار، وإذا استمر الخلاف يتم اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، ومجلس الأمن والأمم المتحدة، مؤكدا أن الاتفاق الإطاري الموقع في مارس/آذار من العام 2015 بين الدول الثلاث ملزم قانونا لها.
وأضاف الدكتور محمود أبو زيد أن هناك الكثير من الحلول التي يجب أن تتبعها مصر لمواجهة نقص المياه بسبب السد، أهمها تنفيذ عملية ترشيد استهلاك المياه، واستخدام أدوات الترشيد في المنازل والمساجد والمدارس، فضلا عن استخدام طرق الري الحديثة ومشاركة مستخدمي المياه، مشيرا إلى ضرورة التوسع في استخدام المياه الجوفية، والاعتماد على تحلية المياه عالية الملوحة ومعالجة مياه الصرف الصحي والزراعي والتوسع في استخدام المياه غير التقليدية.
وشدد الوزير الأسبق على ضرورة دعم شبكات الرصد والقياس والأخذ بمبدأ استعادة التكاليف والحرص على استخدام نباتات قليلة الاستهلاك للمياه تنمو على مياه ذات نوعية أقل، فضلا عن تشجيع البحث العلمي ونشر البحوث ونقل التكنولوجيا وتعزيز الاستفادة من مياه الأمطار.