تقف الحكومة امام امتحان كبير، ستُكرم على اثره أو تهان، ومعها بطبيعة الحال، لبنان ومستقبله كدولة. فموقفها النهائي من سندات “اليوروبوند” التي تستحق الاثنين، سيكون “مفصليا”، في تحديد مصير البلاد، أكان على الصعيد الاقتصادي – المالي، او على النطاق السياسي – الاستراتيجي، وهما في الواقع، مرتبطان ببعض. السلطة لم تحسم بعد خيارها، وعجلة الاتصالات بين المعنيين بالسندات، تدور بقوة، تمهيدا لبلورة الخيار الانسب، دفعا او تخلّفا او ما بينهما، قبل 9 آذار. حتى الساعة، الامور ذاهبة نحو عدم الدفع مع إعادة هيكلة الدين، وفق ما تقول مصادر سياسية مطّلعة لـ”المركزية”. لكن هذا التوجّه المبرَّر نظرا الى وضع مالية الدولة المهترئ، لا يمكن ان يكون “معزولا” او غير مقرون بسلسلة خطوات ضرورية لصون صورة لبنان وسمعته دوليا. والمطلوب هنا، قرارات جريئة تقاس في ميزان “الجوهرجي”، لا قرارات “شعبوية”… نورد هذا، تضيف المصادر، لان ثمة ميلا لدى الثنائي الشيعي عموما وحزب الله خصوصا، الى الاكتفاء بعدم الدفع، من دون “الاكتراث” لما يجب ان يُرافق هذه العملية من تدابير. ففيما يشن حملة شرسة ضد التعاون مع صندوق النقد الدولي خوفا من شروطه التي ستفجر ثورة شعبية، وفق عضو الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله، ورفضا ايضا لامكانية ان يكون أداة في يد الاميركيين للضغط على بيروت، تُبدي الضاحية ايضا تشددا ازاء اقتراح دفع جزء من السندات للمدينين الاجانب، علما ان اجراء من هذا القبيل، ضروري لحفظ ماء وجه الدولة اللبنانية امام هؤلاء من جهة، وفي عيون المجتمع الدولي والدول المانحة، من جهة ثانية.
جمعية المصارف تطرح في السياق، شراء سندات اليوروبوند المحمولة من الأجانب لتصبح حصّتها منها توازي 75%، بشرط تأجيل دفع أصل السندات المستحقة في 2020 والاستمرار في دفع الفوائد البالغة قيمتها 1.5 مليار دولار، بعد ان كان رئيسها سليم صفير قال “قد يكون حاملو السندات الأجنبية على استعداد للموافقة على التبادل swap إذا كان بإمكان الدولة إقناعهم بحسن نيتها من اجل القيام بالاصلاحات وتنفيذ خطة موثوقة”، مضيفا “الحل الافضل لتسديد المستحقات استبدال سندات اليوروبوند والمباشرة بإصلاحات “… اما وزير المال غازي وزني فاقترح على المصارف امس، بحسب المعلومات، أن توافق على استبدال كل السندات التي تحملها بسندات جديدة تصدرها وزارة المال بفائدة متدنّية، مقابل مواصلة الخزينة سداد الديون، لكن ستواصل الخزينة دفع الاستحقاقات للخارج”. غير ان اقتراحه هذا اصطدم برفض القوى السياسية وعلى رأسها، للمفارفة، الثنائي الشيعي… وبرز في السياق، ما نُقل عن رئيس مجلس النواب نبيه بري، حيث قال امس انه مستاء جداً من بعض المواقف المؤيِّدة لتسديد إستحقاق “اليوروبوند”، وخصوصاً من “جمعية المصارف” التي يبدو أنها تقترح أن يتم دفع نسبة 50% من السند المستحق، وبناء على ذلك أبلغ بري المعنيين أنه لن يوافق على دفع دولار واحد من هذا الإستحقاق”.
هذا التصلّب، وفق المصادر، قد يدفع لبنان ثمنه غاليا. فعدمُ إظهار الدولة “حسن نية” تجاه المدينين، ولو بالحد الادنى، ستكون له آثار شديدة السلبية على صورة لبنان في الخارج، خاصة أن اي اجراءات اصلاحية واضحة لم تُتخذ من قبل الحكومة حتى اللحظة، اكان على صعيد الكهرباء او ضبط التهريب والحدود او التعيينات والتشكيلات(…) فهل سترضخ الحكومة في نهاية المطاف، لما يريده حزب الله، بغضّ النظر عن تداعيات التخلّف التام عن الدفع؟ ام ستظهر انها غير خاضعة لاملاءاته؟ ايام قليلة وتتظهّر الاجابة التي ينتظرها بفارغ الصبر، الخارج العربي والخليجي والاوروبي والاميركي، لتحديد كيفية تعاطيه مع لبنان الذي لن يتجاوز أزمته القاتلة، اذا تم عزله عن الاسرة الدولية.