اعتبر نائب رئيس مجلس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال غسان حاصباني أن “الثورة حتى الآن تأخذ مجراها الصحيح، والشعبوية مضرة بالقيم التي يطالب بها الشعب في الساحات، لأنها تخدم من يريد العيش بغوغائية، لذلك الوعي ضروري”، داعيا الناس والمحتجين إلى “التفكير بأساس المشكلة لا بظواهرها لأن الأساس هو من راكم التكاليف والديون على الدولة”، وآسفا أن “يطلب من الشعب اللبناني الذي دفع أثمانا كثيرة، أن يدفع أيضًا كلفة الخلل الذي سببته السلطة التي تحكمت بهذه الأمور منذ سنوات والديون التي راكمتها”.
وأضاف، في حديث إلى إذاعة “الشرق”: “لقد تأخرنا كثيرا في معالجة الأوضاع المالية والاقتصادية، وخطة العمل للخروج من الواقع القائم أصبحت أكثر تعقيدا، لذا علينا البدء بخلق استقرار في الوضع المالي والنقدي وبإعادة الثقة وتشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين، قراراتها حازمة وصارمة واتخاذ إجراءات كبيرة موقتة. في الوضع الراهن نحتاج إلى حكومة استثنائية، هناك قرار دولي بعدم التدخل بقرار لبنان، إنما أيضا هناك قرار بعدم السماح بانهيار لبنان”.
وأكد أن “رئاسة الجمهورية موقع دستوري وطني حام”، قال: “ما زال اعتمادنا أن يصدر القرار السليم عن رئيس الجمهورية، مع الحذر ممن يستغل هذا الموقع لطموحات شخصية ولا أحصرها بشخص واحد”، مناشدا رئيس الجمهورية أن “تكون قراراته نابعة من إيمانه الشخصي ومن فكره، لا من المعطيات المجتزأة او المغلوطة التي تصله”.
وتعليقا على خطاب وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل في روما، قال: “باسيل راغب بأن يشبه نفسه بنظام الأسد، ولكن استمرار نكران ما يحدث على الأرض سيوصله إلى ما وصلت إليه أنظمة عدة”.
وشدد على أن “الدستور لا يستطيع أن يكون ورقة مطلوبة انتقائيا، هو وثيقة توافق عليها اللبنانيون، الابتعاد عن الدستور يعني العودة إلى الفوضى والمقاربة التي يحصل فيها التكليف، تمس بروحية الدستور وكأن الشخص المكلف يأتي مع حقيبة كاملة متكاملة، وهذا استخفاف بمطالب الناس وبالحالة الشعبية”.
وكشف أن “القوات” اتجهت إلى عدم تسمية رئيس لتشكيل الحكومة لأن كل المقاربة التي أوصلت إلى الاثنين خاطئة”، متمنيا أن “يثمر عمل الناس في الشارع لإعادة خلق لروحية لبنان واستقلاله. كنا صوتًا صارخًا ولم نكن أكثرية في الحكومة، نحن لم نتغير من اليوم الأول حتى الأخير واستطعنا لعب دور تصويبي، أعطى نقاطا، استند الرأي العام عليها اليوم في الشارع”.
وأشار إلى أن “هناك دولا مستعدة لوضع ودائع في لبنان لا بل مبالغ نقدية بالعملات الصعبة، شرط استخدامها في المكان الصحيح، والقيام بإصلاحات وتشكيل حكومة، يثقون بأن بإمكانها تصحيح الوضع”، مؤكدا أن هذه معلومة وليست تحليلات”. وقال: “يقال إن ما يفوق 3 مليار دولار موجودة في البيوت، وهذا يؤدي إلى ضرر كبير. جزء من هذه المشكلة يتمثل بخوف الناس على أموالها في المصارف. الهجمة على المصارف تسبب هلعا مما يزيد الخلل. لذا المطلوب إعادة النظر بالمنظومة النقدية – المالية – الاقتصادية”، ولافتا إلى أنه “حين لا تستطيع الدولة أن تحسن أداءها لتسدد ديونها، ومعظم هذه الديون من المصرف المركزي ومن المصارف في الدخل، وحين لا يستطيع مصرف لبنان التسديد لهذه المصارف، فهذا يعني أن هذه الأخيرة لن تستطيع أن تسدد للمودعين لديها”.
وأردف: “المشهد لا يطمئن بالنسبة لما قد يحصل لودائع الناس، وهذا سببه ليس فقط المصرف، بل منظومة متكاملة بأعمال متراكمة لسنوات عدة، بدءا بإدارة أقل ما يقال فيها سيئة لنظام سياسي، أوصلتنا لديون مرتفعة للدولة من المصرف المركزي من دون حدود أو سقوف، وهي مصرة على البقاء، وأساس المشكلة ليس فقط نقديا وشحا في السيولة بل في هذا الشح هو عجز الدولة المتراكم، حيث تعمد كل سنة إلى السحب من المصارف لتسديد ديونها، من دون أي حلول، وتكرر ذلك من موازنة إلى أخرى وحين اعتبر بعضهم أن إنجازة الموازنة، هو الإنجاز، قلنا له هذا غير صحيح فليست الأرقام المذكورة على الورق من سيحل المشكلة، بل الأفعال وإقرارات وتطبيق القوانين”، معتبرا أن “من لديه قدرة على التغيير ولا يغير، يعني أن لديه مطامع وأولويات أكبر من أولويات الوطن، ويستعمل الشعب كجسر عبور لتحقيق مطامعه”.
وتابع: “عندما تصبح أولوية الناس تأمين لقمة العيش والطبابة والتعليم واستمرار العائلة والهجرة، يحبطون لدرجة التغاضي عن الاهتمام بكيفية بناء الوطن. تفقير وتجويع الناس يهدف إلى جعلهم يستمدون وجودهم من تبعيتهم لشخص. إن المعالم تؤكد أننا بدأنا ندخل في نطاق الدولة الفاشلة، إذ أصبحنا نستجدي الدول لمساعدتنا في المواد الأساسية وكأننا نازحون في بلدنا، بدل خلق مناخ ثقة لجلب استثمارات كبرى أو نوع من الهبات، نطالب المواطن بتحمل نتائج القرارات الفاشلة”، مذكرًا أن “القوات اللبنانية شاركت ضمن إطار الحكومات التوافقية، وفق حجم تمثيلها الشعبي الوازن، وسعت إلى فرض الإصلاحات”.
وردا على سؤال، حول أن “التيار الوطني الحر” كما حزب “القوات اللبنانية”، يعتبرون أن “الثورة تطالب بما كانوا يطالبون به منذ زمن”، أجاب: “نحن لا نتحدى الثورة ولا نكابر ولا نزايد عليها. لكن أنا شخصيا أطلب من الناس الرجوع إلى الأرشيف لأن “القوات اللبنانية” عندما طالبت بالإصلاح والشفافية رفضت وخونت. الدكتور سمير جعجع أول من أطلق فكرة حكومة مستقلة من اختصاصيين، خلال اجتماع بعبدا في 2 أيلول الماضي لأن طريقة إدارة الحكومات السابقة، لم تعد كافية نسبة إلى ما وصلنا إليه. ولكن متى طالب العونيون بحكومة من هذا النوع كما تطالب الثورة اليوم؟. أنا أعلنت من السراي الحكومي قبل أسبوع من 17 تشرين الأول أننا لن نستمر في الحكومة إن لم تسر بالإصلاحات. وأول ليلة للنزول إلى ساحة رياض الصلح، كان هناك اجتماع في السراي الحكومي، رفضنا المشاركة فيه وأعلنا رفضنا تخطي الإصلاحات المطلوبة والتلهي بفرض الضرائب”.
وأكد أن “الثورة بحاجة إلى تضحيات كبرى، ولا تحصل على مواقع التوصل الاجتماعي، إنما تحصل بالتواصل الوجداني من شخص إلى آخر والتضامن الإنساني، وتتطلب وعيا كبيرا. الناس يصبون غضبهم أولا على الأشخاص، الذين على تماس مباشر معهم، كموظف البنك وكموظفي محطة البنزين وعلى المستشفيات والأفران، من دون التنبه إلى المنظومة السياسية والمالية إلى أوصلتنا إلى ما هو عليه. هنا السؤال، هل على المواطن أن يغضب على المواطن الآخر الذي يحاول خدمته؟”، مشددا على أنه على “الثورة أن تكون مبنية على وعي تام، وليس كل من نصب خيمة في الساحة يقول الكلام الصحيح، لذلك الوعي بالاتجاه الصحيح أساسي، لأن ثمة من يحاول عزل الثورة، فيتهم في المرحلة الأولى جهات خارجية بالتحكم بها والأحزاب بمحاولة ركوبها، حتى لو كانت أفكار هذه الأحزاب تتماشى مع الثورة، فيعزلها عن دعم الأحزاب، التي تتلاقى مفعها فكريا، المرحلة الثانية تكون بالسعي إلى التطويع والهجوم على الثورة، لمنعها من حرية التصرف ويتبعها قمع غير رسمي، وإذا اضطر الأمر نصل إلى قمع رسمي تحت عنوان الحفاظ على الانتظام العام. المرحلة التي تلي، هي مرحلة النظريات الاقتصادية والدعوة إلى التأميم في ظل الأوضاع الاجتماعية السيئة وشيطنة الخصخصة لإظهار الدولة، وكأنها المنقذة”.
واستغرب الكلام عن أنه “عندما يثور الناس على دولة هدمت أحلامهم والاقتصاد، يأتي من يقول إن على الدولة أن تمسك بزمام الأمور، مع العلم أنها أثبتت فشلها في ذلك. كما يحصل اليوم قطاع المحروقات، ودعا بعضهم إلى استيراد الدولة في قطاع المحروقات. أزمة المحروقات هي أزمة دولار”، معتبرا “ادعاء الاستيراد من دول على دولة كلام فضفاض، وفيه رومنسية لأصحاب الفكر التأميمي، والأمر غير صحيح، لأن الدولة اللبنانية تشتري من شركات لا من دول حصة 10% من السوق، وهناك أسئلة عدة تطرح في هذا المجال”.
وردا على سؤال، أجاب: “البنزين لم ينقطع، والموضوع يتعالج بتأمين السيول بالعملة المناسبة، وهذا الأمر ينظم من قبل وزارة الطاقة، التي هي الجهة الناظمة الأساسية لتنظيم هذا القطاع. هناك محاولات للاستفادة من الرأي العام الثائر لتحقيق مقاربات تحت عناوين إصلاحية للناس، لم تكن لتمر في أوقات أخرى. كسر الكارتيل يكون بالقوانين وبتنظيم القطاع، وليس من صلاحيات الدولة المنافسة وإدارة القطاعات، إنما المراقبة والمحاسبة”.
وتطرق إلى ملف الدواء، فقال: “نسمع كلاما شعبويا عن الاستيراد المباشر للدواء، فبأي قدرة الدولة ستستورد الدواء وتنظم القطاع وتعزز المنافسة؟ كنت اتخذت قرارا تنظيما في 26/11/2018 بخفض أسعار الأدوية بشكل كبير، ولكن اليوم حصل تأجيل لدفعة من الدفعات، التي كان يفترض تسديدها في شهر آب إلى أجل آخر، يبدو كأنه نوع من المسايرة لشركات الأدوية. وإذا عانينا مثلا مشكلة في الخبز هل على الدولة أن تنشئ الأفران؟”.
وردا على سؤال، أجاب: “نعم لبنان مخطوف، ونحن نسأل: هل أصحاب القرار قرارهم بيدهم؟ هل المعطيات التي تعطى لهم سليمة؟ هل لديهم القدرة على تحمل الواقع الذي أوصلوا البلد إليه؟ نسمع اليوم تلميحات وكلاما مجتزأ يتضمن وعودا وإيجابيات، ويتم إخفاء سلبياته والتغاضي عنها وكأنها غير موجودة، وهنا الخطر، لأن ذلك يولد عدم معالجة السلبيات. لا أعتقد أن من لديه قدرة على كلام من هذا النوع، لديه قدرة على الخجل والحياء. يطلقون الكلام الفضفاض اليوم وكأن شيئا لم يكن”.
وقال: “رئاسة الجمهورية موقع دستوري وطني حام للدستور، وما زال اعتمادنا أن يصدر القرار السليم عن رئيس الجمهورية، علينا أن نكون واقعيين ونسأل: من يأخذ القرار؟ علينا الاعتماد على القرار الذي سيصدر من رئاسة الجمهورية، مع الحذر ممن يستغل هذا الموقع لطموحات شخصية ولا أحصرها بشخص واحد، على الجميع التنبه ممن يهز موقع الرئاسة والرئيس بالتلطي خلفه. رئيس الجمهورية لا تصله المعلومات كما يفترض، فهو ناضل للوصول إلى الرئاسة لتحقيق التغيير الذي يريده، هذا ما لمسته شخصيا. هذا التصرف أساء إلى رؤساء كثر في العالم، وإلى ملوك كثر، لأن الحاشية لديها مطامع. هناك من يحاولون التسلق والاحتماء بالموقع الرئاسي الأول وبرئيس الجمهورية نفسه، لتعويم أنفسهم، لأنهم يدركون أن الدستور والشعب يحترمان موقع الرئاسة”، مناشد رئيس الجمهورية أن “تكون قراراته نابعة من إيمانه الشخصي ومن فكره، لا من المعطيات المجتزأة أو المغلوطة التي تصله، مثلا نسمع الكثير عن نية لدعم لبنان من الدول الصديقة، ولكن لا نزال نسمع الجزء الأول من هذا الكلام، الذي يعطي اللبنانيين أملا فارغا ولا نسمع الجزء الثاني من كلام هذه الدول، حيث تؤكد أنها لا تريد المس بالسيادة، ولكن مساعدتها مشروطة بالقيام بإصلاحات جدية، لأن لا ثقة لديها بهذه المنظومة، وتطالب بمنظومة عمل متكاملة شفافة، تمنع هدر هذا الدعم. للاسف ما زال البعض في لبنان يريد الحصول على هذا الدعم وصرفه على هواه”.
وقال: “الدين الذي راكمناه إلى الآن، والذي نتخوف من عدم القدرة على تسديده، والذي أوصلنا إلى الانهيارات اليوم، سببه بجزء كبير ملف الكهرباء، الذي لم نحقق أي تقدم فيه، يبدو وكأن بعضهم يطرح معادلة: أعطونا الكهرباء بالصيغة التي نريدها، وإلا الحكومة لن تنجح. هذا ما خلق الضغط في الحكومة السابقة. في السنوات التسع الماضية، راكم ملف الكهرباء وحده على الدولة ديونا تقارب 30 مليار دولار، بين سلف ودعم وفوائدهم. التعاطي في ملف الكهرباء، لم يعطل فقط هذا القطاع، إنما عطل الشعب وعطل المؤسسات وعطل الدولة، الكهرباء أساسية في المجتمع ومحرك الاقتصاد، ولا مجتمع حضاريا من دون كهرباء، وبهذه الطريقة حصل تدمير لدولة كاملة”.
وردا على سؤال، أجاب: “لم نعترض فقط على ملف الكهرباء، كما يتهمنا بعضهم، نحن اعترضنا على الكثير من الملفات، التي كانت تشوبها أخطاء، ولم تظهر على الإعلام، الكهرباء اتخذت حيزا كبيرا لأنها أساسية”.
وأوضح أن “الخطة الإصلاحية التي أعلنت من بعبدا تضمنت بند إنشاء هيئة ناظمة للكهرباء بعد تعديل قانون الكهرباء، فإذا نظرنا إلى التعديلات في القانون، فهي في المضمون تلغي دور الهيئة الناظمة، وتضع كامل المسؤولية بيد الوزير، إنما في الشكل تضع المسؤولية على الهيئة كاملة”.
وقال: “حتى بعد الثورة، وزيرة الطاقة تتحجج أن الأحزاب لا تقدم لها سير ذاتية لتعين مجلس إدارة كهرباء لبنان، فهل هذا إطار دستوري وسليم لتعيين مجلس إدارة؟ لقد رفضنا هذا الموقف منذ أشهر وتمسكنا كقوات بآلية واضحة وشفافة للتعيينات، طالبا من الجميع “العودة إلى الأرشيف لمراجعة تعاطي القوات الشفاف بملفات الكهرباء والموازنة، فمقاربتهم المطلوبة هي المقرونة بمصالح شخصية، من هنا كان كلامنا إصلاحيا، وكنا نحاول التنبيه والتركيز على الإيجابيات لا التهويل”.
وتعليقا على المواقف التي أطلقها باسيل من روما، قال: “الوزير باسيل إما يشبه الوضع اللبناني بالوضع السوري، وما كانت سوريا عليه، وإما يشبه وضعه بالنظام السوري، وأنا شخصيا، أظن أن باسيل راغب في أن يشبه نفسه بنظام الأسد، ولكن استمرار نكران ما يحدث على الأرض، سيوصله إلى ما وصلت إليه أنظمة عدة”.
وأضاف: “باسيل في مواقف كثيرة أطلقها لا يمثل إلا نفسه، وهو ما زال يكرر أن الثوار مدعومون من الخارج، وأن هناك مؤامرة كونية على لبنان. لكن إن نظرنا إلى ما فعله هو في السنوات العشر الأخيرة، من تعطيل للدستور والدولة، وما تسبب به من عجز في الدولة وفرض خسائر بالمليارات، فنتأكد أن أكبر خطر على لبنان، هو سوء إدارة من كان في موقع القرار”.
وردا على سؤال، أجاب: “لطالما كان لمتروبوليت بيروت موقعا خاصا في لبنان، ولطالما كانت الصوت الصارخ، الوجدان الأرثوذكسي يمثل إيمانه وفكر الانفتاح والاستقامة والشفافية وحرية اإنسان والروح والفكر”.
وختم: “يحاول كثيرون القول إن الثورة محركة من قبل قوى سياسية، تحول الضغط على قوى سياسية أخرى، ويسألون عن القائد ويطالبون بتوضيح المطالب، وكل ذلك يصب في محاولات ضرب الثورة وأحقية الحراك الشعبي”.