أكد رئيس حزب “القوّات اللبنانيّة” سمير جعجع أن “ما يجري هو قمّة انعدام الإحساس مع الناس واللا مسؤولية، هو قمّة خداع الناس والاستمرار تمامًا بنفس النهج الذي كان سائدًا، ولو بوجوه جديدة شكلًا، قديمة ممارسةً وأسلوبًا”. وقال: “الويلٌ لأمةٍ سائسها ثعلب وفيلسوفها مشعوذ وفنّها فن الترقيع والتقليد. ويلٌ لأمةٍ حكومتها حكومة التقليد والترقيع وإعادة استنساخ القديم من جديد”.
ولفت، في كلمة عقب انتهاء اجتماع تكتل “الجمهوريّة القويّة” الدوري في معراب، إلى أنهم “يتحدثون عن حكومة تكنوسياسية وعن ممثلين للحراك في محاولةٍ لتقزيم المبادئ العامة للثورة ومطالبها الاقتصادية والمعيشية المُحقّة، وكأن مشكلة الثورة والحراك هي مشكلة حصص أو مشكلة تمثيل وزاري داخل السلطة أو مشكلة شراكة بين الثورة وبين من تثور عليهم؟ ومن يمكنه أن يدّعي تمثيل الثورة والنطق باسمها أصلًا؟”.
وشدد على أن “الوضع الاقتصادي المعيشي في مكان وقوى السلطة تتصرف وكأنها تعيش على المريّخ، لبنان ينهار بالكامل وقوى السلطة ذاتها ما تزال مُصرّة على محاولة صرف أكثريتها النيابية الدفترية في السلطة التنفيذية فيما الأكثرية الشعبية باتت في الموقع المقابل تمامًا. ويسألونك بعد لماذا الشعب يثور، ثم يخبرونك بعد عن مؤامراتٍ خارجية وسفارات تقف خلف الثورة؟ إن سلوك السلطة الحاكمة كفيلٌ لوحده بإشعال أضخم الثورات من دون منّةٍ من أي سفارة أو أي جهة أخرى”.
وأضاف: “وقع المحظور وأصبح لبنان في وسط عاصفة الانهيار المالي والاقتصادي، وذلك بعدما كانت بوادر ومؤشرات هذا الانهيار واضحة منذ فترةٍ طويلة، ولكن من دون أن تُبادر الأكثرية الوزارية إلى اتخاذ أي خطوةٍ إصلاحية جديّة في الاتجاه الصحيح، لا بل امعنت في سلوكها السابق مسرّعةً من عجلة الانهيار. حلّت الكارثة الاقتصادية الاجتماعية التي لطالما حاولنا تنبيه القيّمين على مقدرات البلاد منها، من دون أن نحصد بالمقابل سوى التجاهل والاتهامات والتهميش والتخوين والاستبعاد”، متابعًا: “كان بالإمكان تداركه بالقليل من الخطوات الإصلاحية والمبادرات السياسية والنوايا الحسنة، بات يلزمه عملية إنعاشٍ فورية، وخطة إنقاذية ثورية جبّارة تُحاكي أجواء الثورة وروحيتها وتستجيب لصرختها ومطاليبها، بعيدًا عن نهج المكابرة ومنطق المحاصصة العقيم، الذي كان السبب في إيصال الأوضاع الى ما وصلت اليه اليوم”.
ولفت إلى أن “اللبنانيين صبروا دهرًا على سلوك أولياء الأمر أملًا في تصحيح الأداء باتجاه اعادة النهوض بلبنان ووقف مسار الشلل والفساد والاهتراء. وكان كلما ازداد اللبنانيون صبرًا كلما ازدادت هذه السلطة تعنتًا وإنكارًا واستعلاءً وكفرًا، حتى ملّ الصبر من صبرهم وتوسّلوا الثورة سبيلًا وحيدًا لوقف هذا الكفر والعبث. فالثورة هي النتيجة الطبيعية لإفلاس هذه السلطة، بعدما أدّت وتؤدي دورها غير مشكورةٍ في إفقار شعبها وإفلاسه”.
وأردف: “لم يتكبّد الشعب مشقّة النزول إلى الطرقات وافتراش الأرصفة والساحات إلا لأن الحصول على لقمة عيشه البديهيّة بات أكثر مشقّة، ولم تتجنّد الأمهات والآباء، الشابات والشبان، للثورة ترفًا أو حبًا بالتظاهر والفوضى أو النزول إلى الطرقات أو اقفالها، وإنما لأن كل طرق التغيير الطبيعية نحو واقعٍ افضل باتت مُقفلة، ولأن وجعها وحرمانها وقلقها على المستقبل والوجود والمصير واجهته السلطة طيلة سنواتٍ وسنوات بعقلٍ مُنغلق وقلبٍ مُقفل وأفقٍ مسدود”.
وقال: “كلمة حق تقال، إن دخان الإطارات المشتعلة على الطرقات والشحتار الأسود الذي خلفّته الأيادي البيض للثوار والعمال والفقراء والمساكين ما هو إلا انعكاس لقلوب الطبقة الحاكمة السوداء ونفوسها الظلماء وآذانها الصمّاء. لم تؤمن الناس بالثورة إلا لأنها كفرت بالواقع القائم في ظل طبقةٍ حاكمة انتهازية مكابرة تتحكّم بمفاصل النظام السياسي، وبمقدرات البلاد واعناق العباد من دون أي وازعٍ أخلاقي أو وطني، وفي ظل منظومة محاصصةٍ تأتي بالأكثر استزلامًا لا بالأكثر نزاهةً أو كفاءة أو استقامةً”.
وأوضح جعجع أنه “في استعراضٍ سريع لواقع الحال في لبنان نجد من جهةٍ؛ مؤسسات تجارية وصناعية وسياحية وفندقية تُقفل أبوابها وتصرف المئات من موظفيها كل يوم، وفي أفضل الأحوال تقتطع لهم نصف راتبهم أو أكثر لكي تحاول تأجيل إقفالها أطول فترة ممكنة، فرص عمل معدومة، أزمات معيشية تتهدد المواطن في كل لحظة، من أزمة المحروقات إلى أزمة الرغيف إلى أزمة الدواء والاستشفاء إلى أزمة المعلمين والمؤسسات التربوية إلى أزمة الدولار وأزمة السيولة، وأزمة ثقة غير مسبوقة داخليًا ودوليًا بالسلطة الحاكمة وسياساتها كافةً، استثمارات متوقفة ورؤوس أموال هاربة، أسواق ومحلات تجارية خلت من زبائنها المعتادين في مثل هذه الفترة من كل سنة، تصدّع النظام المصرفي الذي تميّز به لبنان طيلة عقود، مواطنون عاجزون عن سحب مدخراتهم وجنى أعمارهم من المصارف، تفشي السوق السوداء للدولار في ظل إصرار السلطة على إنكار واقع التضخم المالي الكبير، غلاء فاحش في الأسعار وفقدان اللبنانيين لأبسط مقومات عيشهم وامنهم الاجتماعي الاقتصادي وتراجع قدرتهم الشرائية لحوالي النصف حتى الآن وصولًا إلى الفقر المدقع الذي دفع بناجي الفليطي وداني أبي حيدر وآخرين إلى وضع حدّ مأساوي لحياتهم”.
وتابع معددًا: “بيئة فاسدة ملوثّة بالصفقات المشبوهة مع ما تستجلبه من أمراضٍ مستعصية، عشرات آلاف اللبنانيين لا بل مئات الآلاف منهم متروكين في الشوارع منذ خمسين يومًا من دون أن يرّف للسلطة السياسية جفن، جيش وقوى أمنية مُستنفرة ومنتشرة في الشوارع بعيدًا عن عائلاتها وأولادها لدرجة الإنهاك والاستنزاف من دون أن ترأف السلطة المستبدّة بحال هؤلاء العسكريين المهددين كل يوم بانقطاع رواتبهم والذين بالمناسبة نُحييّهم تحيّة كبيرة على جهودهم في حفظ الأمن والاستقرار ومنع التعديّات على المواطنين والأملاك”.
وسأل: “المقابل كل هذا ماذا نرى؟ نرى الوجوه ذاتها بالعقليات نفسها والسلوكيات إياها تطمر رؤوسها في الرمال وتتصرف، وكأن شيئًا لم يكن: منذ اللحظة الأولى وجماعة السلطة تحاول الالتفاف والتذاكي على الناس. آخر هذه المحاولات يجري هذه الأيام، تجري فصولها إذ بعد خمسين يومًا على الانتفاضة الشعبية السلمية والمطالبة بحكومة إنقاذ، حكومة جديدة قولًا وفعلًا من خلال اختصّاصيين مستقلّين، تحضّر جماعة السلطة لتركيب حكومة، أوّلا قسم منها فقط أخصائيون والباقي سياسيون، وثانيًا حتّى الأختصّاصيون فيها لن يكونوا مستقلّين بل مجرّد مستشارين تقنيين للمجموعة الحاكمة نفسها، بمعنى أنّ قرارهم الفعلي سيكون عند نفس المجموعة التي كانت هي في أصل خراب البلاد”.
وشدد على أن “كل الآراء أجمعت على أن لبنان بحاجةٍ إلى حكومة جديدة غير تقليدية يفتتح لبنان معها عهدًا جديدًا بعيدًا عن الحكومات السابقة التي أدّت إلى نشوء هذا الواقع، سواء دُعيت في السابق حكومات وحدة وطنية، أو حكومات توافقية أو حكوماتٍ ميثاقية أو حكومات أكثرية وأقلية. الحكومة التكنو-سياسية التي تطرحها قوى السلطة ما هي إلا حكومة لون واحد، لأن الأختصاصيين فيها هم مجرد “ديكور” للقوى السياسية ذاتها التي تعمل وفق خلفياتٍ سياسية ومصلحية وفئوية والتي أفقدت لبنان ثقة الناس به داخليًا وخارجيًا، فيما المطلوب حكومة تعمل وفق خلفيات علمية واقتصادية ووفق اسلوب جديد يتميّز بالنزاهة والكفاءة والموضوعية والتجرد ويُعيد الى لبنان الثقة المفقودة”، متابعًا: “المطلوب حكومة متخصصة مستقلة بالكامل عن أطراف السلطة، يأتي الوزراء إليها لا ليعملوا بخلفياتٍ سياسية أو عقائدية أو مناطقية وإنما بخلفياتٍ علمية موضوعية، ويأتون إليها لا لتعصف بها رياح التعطيل والمناكفات السياسية والحرتقات الانتخابية السابقة، وإنما لتعصف بها رياح التغيير من خلال أفكارٍ نيّرة وخطواتٍ فعاّلة وسلوكٍ شفاف وخطط علمية مدروسة قابلة للتنفيذ سريعًا”.
وختم جعجع: “صحيحٌ أن ليل الوطن حالك لكن فجر لبنان الجديد الذي يحلم به الثوار سيبزغ من جديد، صحيحٌ أن الماضي والحاضر صنعته طبقةٌ غير مسؤولة بغالبيتها، أوصلت الوضع إلى ما هو عليه الآن لكن لبنان المستقبل ستصنعه سواعد الثوار والصالحين، وبطولات اجيال المناضلين والمقاومين، وستزهر تضحياتهم غدٍ أفضل بإذن الله”.