"لقاء" لمحاسبة المسؤولين عن أزمات لبنان.. وإطلاق خمسة شروط للإصلاح

"لقاء" لمحاسبة المسؤولين عن أزمات لبنان.. وإطلاق خمسة شروط للإصلاح
"لقاء" لمحاسبة المسؤولين عن أزمات لبنان.. وإطلاق خمسة شروط للإصلاح

انطلاقا من المسؤولية الوطنية في مواجهة المحاولات المستمرة لتهرب المسؤولين اللبنانيين من المحاسبة عن الانهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي الذي يعصف بلبنان منذ أكثر من ثلاث سنوات، أطلقت "كلنا إرادة" والمفكرة القانونية ومرصد الوظيفة العامة والحكم الرشيد- جامعة القديس يوسف، ومرصد حقوق المودعين وALDIC، خمسة شروط لأي إصلاح في إطار المحاسبة عن الأزمة المالية، وذلك خلال لقاء عقد في قاعة جولبنكيان في جامعة القديس يوسف.

في بداية اللقاء، الذي حضره عدد من النواب التغييريين ونقابيين، تم عرض تقرير عن أسباب تطور الأزمة المالية، ليتحدث بعدها مدير مرصد الوظيفة العامة والحكم الرشيد في جامعة القديس يوسف البروفيسور باسكال مونان، الذي اكد أن "الإصلاح لن يعطي النتائج المرجوة من دون محاسبة" مشدداً على أنه " آن الأوان أن نصبح دولة فيها قضاء مستقل ناشط ومؤسسات تحاسب وتعمل لضمان الحقوق وإنزال العقاب بالمرتكبين".

 عانى اللبنانيون في السنوات الثلاث الأخيرة كثيراً كما قال مونان "وعاشوا أزمات غير مسبوقة في القطاعات المصرفية والحياتية والصحية والتربوية وغيرها من القطاعات وترك لمصيرهم يواجهون الكوارث والصعوبات من دون أية حلول أو خطط عاجلة توقف تداعيات الأزمة الاقتصادية والقطاع التربوي الجامعي واحد من القطاعات التي دفعت فاتورة غالية نتيجة ذلك، وهي مناسبة لأدق ناقوس الخطر والتحذير من المخاطر التي تهدد هذا القطاع الذي كان صورة عن لبنان الضوء والنجاح والتألق".

وأضاف "ضاعت الأموال والحقوق نتيجة سياسات مالية ونقدية وضعتها الحكومات المتعاقبة منذ عام 1990 وهذا الواقع يوجب على الدولة مسؤولية تحمل نتيجة الأخطاء وبالتالي توفير التعويض على المتضررين... لقاءنا اليوم هو تحت عنوان المحاسبة والمسؤولية بعد ثلاث سنوات على أكبر أكثر أزمة اقتصادية واجتماعية يشهدها المجتمع اللبناني في تاريخه الحديث والذي لم يحاسب عليها أحد حتى الآن نجتمع اليوم للإعلان عن خمسة اصلاحات نعتبرها من المداخل الأساسية لمساءلة المسؤولين عن هذا الانهيار ومحاسبتهم".


البروفيسور باسكال مونان

كما تحدث نقيب المحامين ناضر كسبار الذي قال ان "القطاع المصرفي شهد انهيارا غير مسبوق أدى إلى إفلاس البلد والمواطنين وزعزعة القطاع العام والقطاع الخاص وحجب الثقة عن لبنان من قبل المجتمع الدولي" مضيفاً "لم يبق المجتمع اللبناني مكتوف الأيدي تجاه هذه الكارثة المالية بل تحرك في عدة اتجاهات أهمها حركة اتحاد نقابات المهن الحرة وجمعيات وروابط المودعين وجمعيات المجتمع الأهلي التي تحارب الفساد وجمعيات الحقوقيين والقطاع الأكاديمي، لقد تحركنا على عدة مستويات فأصدرنا البيانات وراسلنا الجهات المالية والحكومية المختصة و نظمنا وقفات وشاركنا باجتماعات على مستوى صندوق النقد الدولي وجهات دولية أخرى وشاركنا في اللجان النيابية لدراسة القوانين المالية وتعديلها وغيرها من التحركات التي ساهمت دون شك بوضع بعض الضوابط للسلطة المالية وتجميد بعض القوانين الهادفة لتحميل المودعين خسائر القطاع المصرفي إلا أننا ولغاية تاريخه لم نتمكن من خرق المنظومة المالية التي بددت أموال المودعين وهددت النظام المصرفي بالزوال".

 منذ ثلاث سنوات ولغاية اليوم لا أحد منا يعلم كما قال كسبار "كيف ولماذا وصلنا إلى مرحلة الإفلاس في القطاع المصرفي الخاص وفي مصرف لبنان وعلى مستوى الدولة ككل، أين اختفت أموال المصارف بين ليلة وضحاها من المسؤول عن اختفاء هذه الودائع من المسؤول عن توقف المصارف عن الدفع؟ من سيحاسب المسؤولين عن ضياع الودائع؟ من سيعوض على المودعين أموالهم وجنى أعمارهم"؟

وشدد "اليوم كنقابات وجامعات ومجتمع مدني نطالب جمعية المصارف ومصرف لبنان إعلام الشعب اللبناني عن أسباب الانهيار المالي التي أدت إلى ضياع أموالهم وتحديد الأشخاص والجهات المسؤولة عن ذلك والقيام بمحاسبتهم ومحاكمتهم وصولا إلى إعادة ترميم الوضع المالي وإعادة الحقوق إلى أصحابها... من حقنا أن نطالب بإعادة رسملة المصارف على حساب من بدد الأموال وليس على حساب الشعب اللبناني المخدوع، ومن حق المودع أن يعلم كيف اختلطت الأموال المشروعة بالأموال غير المشروعة وكيف اختفت الكتلة النقدية".

تابع كسبار "لن نقبل أن تمر هذه الجريمة دون محاسبة" داعياً القضاء للتحرك السريع والفصل في كل الدعاوى المقامة سواء بالنسبة للودائع المصرفية أو الفساد والإثراء غير المشروع لأن القضاء هو السبيل الوحيد لإرساء العدالة ومحاسبة المرتكب واعطاء كل ذي حق حقه، لا نريد قضاء مغيبا بل نريد فاعلا قويا متماسكا لأنه الملاذ الأخير لإعادة الثقة و لقيام الوطن".

نقيب المحامين ناضر كسبار
نقيب المحامين ناضر كسبار

 أما المديرة التنفيذية لمنظمة "كلنا إرادة" التي تعنى بالإصلاح السياسي في لبنان، ديانا منعم فقالت " ثلاث سنوات على واحدة من أسوأ الأزمات المالية في التاريخ المعاصر من دون أن تتم محاسبة أي شخص، سواء سياسي أو في القطاع العام أو في مصرف المركزي أو في مجالس إدارة المصارف.. من الواضح أن السلطة المالية والسياسية ليس لديها أي نية للإصلاح ولا تريد برنامجا مع صندوق النقد الدولي".

 منذ ثلاث سنوات وهدف السلطة كما قالت منعم كسب الوقت والتهرب من المسؤولية وبدلا من إعادة هيكلة القطاع المصرفي وتوزيع الخسائر بعدالة وحماية صغار ومتوسطي المودعين والصناديق والمجتمع زادت السلطة جريمة أخرى على جرائمها عبر ليلرة الودائع وحرق ما يزيد عن الـ٢٥ مليار دولار على سياسات عشوائية تفيد المهربين وبعض التجار والصرافين والمحظيين".

أكثر السياسات اجحافا كما شددت منعم جرت "بإشراف مصرف لبنان مع تواطؤ السلطة مجتمعة التي تعمل منذ فترة على طمأنة المجتمع الدولي وصندوق النقد بانها تعمل على إيجاد حلول وبعض النواب قدموا اقتراح قانون لمعالجة الخسائر المتراكمة بالقطاع، المعروف باقتراح قانون إطار لإعادة التوازن للانتظام المالي، والذي وضعته الحكومة، من دون ايجاد من يدافع، هذا القانون يتم طرحه ودراسته بغض النظر عن قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي ما يدل على عدم جدية السلطة فيما يتعلق بالمسار الإصلاحي" مشددة على أن "أي اللجوء إلى أصول الدولة لإطفاء خسائر المصارف مرفوض، وأن أي تزرع بشعار قدسية الودائع يراد به باطل والهدف منه تعطيل المسار القانوني لإعادة الهيكلة ولحماية قلة من الناس"، وشددت على ضرورة استكمال التدقيق في حسابات مصرف لبنان والمصارف ومعرفة إلى أين وصل".

وتوقفت منعم "عند التطور اللافت المتعلق بوصول الوفد القضائي الأوروبي لمتابعة التحقيقات بالملف المالي لحاكم مصرف لبنان المشتبه فيه بتبييض الأموال وتهريبها والذي سيستجوب خلاله عدد من المسؤولين، حيث رحبت بذلك لاسيما وانه يضع على الطاولة من جديد مسألة ملاحقة المتورطين بالأزمة المالية، معتبرة أن أي تلطي خلف شعار السيادة القضائية هو من باب العرقلة.

المديرة التنفيذية لمنظمة "كلنا إرادة" ديانا منعم
المديرة التنفيذية لمنظمة "كلنا إرادة" ديانا منعم

كما كانت كلمة للمدير التنفيذي لمنظمة المفكرة القانونية المحامي نزار صاغية الذي تحدث عن الإفلات المعمم من العقاب على كل المستويات والقضايا، وتأثيره على انهيار القيم والعدالة والقانون ما يؤدي إلى سيطرة شريعة القوة والغاب وشبكات المصالح التي غالبها غير مشروع.

وتحدث عن اقتراح القانون لاعادة التوازن للانتظام المالي في لبنان، وأن وضعه على جلسة اعمال مجلس النواب ليس بريئاً، وبأنه يلغي حقوق المودعين من دون إعطائهم مقابل ذلك أي حق مكتسب، فهو يريح المصارف عن كل التزاماتها.

وشدد على أنه لا يمكن الحديث عن المحاسبة من دون استقلالية القضاء الذي تم تعطيله عبر الدعوى التي تم اختراعها تحت مسمى مخاصمة الدولة، كذلك عن اعتكاف القضاة ودفعهم للتوجه عند حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لحل قضيتهم.

وتطرق صاغية إلى زيارة الوفد الأوروبي وكيفية التعاطي مع هذه الزيارة من قبل السياسيين والتشويش عليها، مشددا على ان حاكم مصرف لبنان لا يجب أن يبقى في مركزه.

والنقاط الخمس التي توصل اليها المجتمعون كمداخل رئيسية لمحاسبة المسؤولين عن الأزمة المالية، هي:

-التدقيق في الحسابات المصرفية المدخل الوحيد لتحديد الودائع المؤهلة، مع التشديد على ضرورة التمييز بين الودائع ذات المصادر النظيفة والشرعية/القانونية والودائع غير الشرعية/غير القانونية التي تغطّي مالاً قذراً أو مُكتسبة بصورة غير مشروعة أو مخالفة للقوانين المرعية ولا سيما الضريبية والمالية والتجارية، هو شرط أساسي لتحديد الودائع المؤهلة للاسترداد، وكذلك قانون رفع السرية المصرفية الذي يعتبر أساسي في خطّة إعادة هيكلة القطاع المصرفي، للتمكّن من التدقيق في كافة الحسابات المصرفية.

-التدقيق الجنائي لتحديد المسؤوليّات وكشف الجرائم المالية وغير المالية، أولاً لتحديد مصادر الأموال وتطابقها مع التشريعات المحلّية، والمعاهدات التي وقّعت عليها الدولة اللبنانية، والمعايير العالمية (معايير التقرير المشتركة CRS وسياسات مكافحة تبييض الأموال ومكافحة الفساد)، كما يجب التحقيق في العمليات المصرفية المشبوهة الناتجة عن أو المرتبطة بعمليات إفلاس احتيالي أو إساءة أمانة أو اختلاس أو غش واحتيال أو استغلال للمعلومات المميزة و/أو إفشائها أو تبييض أموال أو عمليات تهرّب ضريبي.

كذلك التحقيق بالتحويلات المصرفية التي تمّت بعد 17 تشرين الأول 2019، بالإضافة إلى تسديد ديون القطاع الخاص والاستفادة من تعدّد أسعار الصرف، والتدقيق بحسابات الموظّفين العموميين الذين يخالفون موجب تقديم كشوفات الذمّة المالية المنصوص عنها بقانون الإثراء غير المشروع والتصريح عن الذمّة المالية رقم 189/2020. وتحديد الحسابات التي استفادت من الفوائد والأرباح والمكافآت المُضخّمة منذ وقوع الحساب التجاري بعجز وذلك قبل أي عملية استرداد للودائع.

-هيئة مصرفية مستقلّة لقيادة خطّة إعادة هيكلة المصارف وحوكمة جديدة للقطاع المالي: حيث يجب تعيين قيادة جديدة على مستوى حاكمية مصرف لبنان وهيئة التحقيق الخاصة وفقاً للمادة 19 من قانون النقد والتسليف (إقالة الحاكم من وظيفته لإخلاله بواجبات وظيفته أو لخطأ فادح في تسيير الأعمال)، وإخضاع لجنة الرقابة على المصارف للمحاسبة عن التقصير في دورها الرقابي والتنظيمي والعقابي تجاه استغلال بعض المصارف لعملائها وزبائنها وعدم تجاوبها مع الشكاوى المقدمة.

ويدخل ضمن هذه النقطة إخضاع الهيئة المصرفية العليا، التي أنشئت وفقاً لأحكام القانون 28/67، للتغيير على مستوى الحوكمة على أنّ تضمّ ممثلين عن المجتمع المدني والهيئات الأكثر تمثيلاً فيه واختصاصيين مشهود لهم بخبرتهم، فضلاً عن منحها الاستقلالية اللازمة وتسليحها بالصلاحيّات المناسبة والضرورية لإدارة خطّة إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وإلّا تشكيل هيئة خاصة لقيادة خطّة إعادة هيكلة المصارف مؤلّفة من أعضاء كفوئين وموثوقين.

كذلك تعديل قانون النقد والتسليف لحلّ تضارب المصالح بين واضعي السياسات المالية وواضعي القواعد الاحترازية لتدارك المخاطر المالية. حالياً هناك قيادة واحدة - يسيطر حاكم المصرف المركزي عليها - لأربعة كيانات مالية: مصرف لبنان، ولجنة الرقابة على المصارف، وهيئة الأسواق المالية، وهيئة التحقيق الخاصّة.

-تجميد إدارات المصارف الحالية والحجز على أصولها بانتظار إقرار خطّة إعادة الهيكلة، فالمصارف هي في حالة تخلّف عن السداد وفقاً لأحكام القانون 2/1967. كذلك يجب استبدال الإدارة المصرفية بما تضمّه من مجالس إدارة ومدراء تنفيذيين ومفوّضي مراقبة، بلجان إدارية تضمّ ممثّلين عن الدائنين والمودعين والمساهمين، تكون مسؤوليتها حماية أصحاب الحقوق. والحجز على الأصول والأموال الخاصة لأعضاء مجالس إدارة المصارف ومدرائها التنفيذيين ومدقّقيها في لبنان والخارج إلى حين إنجاز التدقيق الجنائي.

-محاسبة صنّاع القرار في القطاع المالي من خلال الإسراع بإقرار اقتراحي قانون استقلالية القضاء العدلي والقضاء الإداري على نحو يضمن استقلالية فعلية للهيئات القضائية وفق المعايير الدولية، حيث لا محاسبة ولا مكافحة للفساد من دون قضاء مستقل.

ويدخل ضمن هذه النقطة تطبيق خطّة مكافحة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة التي أقرّتها الحكومة اللبنانية عام 2020 (تطبيقاً لقانون مكافحة الفساد في القطاع العام وإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد رقم 175/2020، وقانون التصريح عن الذمّة المالية والمصالح ومعاقبة الإثراء غير المشروع رقم 189/2020 بالإضافة إلى قانون استعادة الأموال المتأتية من جرائم الفساد رقم 214/2021) لتحديد المسؤوليّات الناتجة أولاً عن الفساد وهدر المال العام، وثانياً عن سوء الإدارة والإهمال في إدارة الموارد العامّة والودائع المصرفية واسترداد ما يمكن استرداده من أموال مهدورة ومكتسبة بصورة غير مشروعة على حساب المصلحة العامة.

كذلك تشمل تحريك التدقيق الضريبي والتدقيق الجنائي على كافة عقود الصفقات العامة التي تمّت بين الإدارات والأشخاص الطبيعيين والمعنويين (المناقصات، استدراج العروض، الاتفاقات بالتراضي) لكشف أي هدر أو احتيال. بالإضافة إلى تطبيق قرار مجلس الوزراء رقم 17 تاريخ 12/5/2020 وخطة العمل التي اعتمدها من دون تأخير، وتفعيل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد المنشأة بفعل القانون رقم 175/2020 وحثها على البدء بمهامها. وأول الغيث دراسة وتدقيق تصاريح الموظفين العموميين عن ذمّتهم المالية ومصالحهم.

إضافة إلى تفعيل الرقابة الداخلية عبر تمكين الأجهزة الرقابية مثل ديوان المحاسبة والتفتيش المركزي بالقيام بمهامها والإعلان عن النتائج بصورة شفّافة وطبقاً لقانون الحق في الوصول إلى المعلومات رقم 28/2017.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى