365 يوماً من “اللاعدالة” وتخبّط السلطة القضائية

365 يوماً من “اللاعدالة” وتخبّط السلطة القضائية
365 يوماً من “اللاعدالة” وتخبّط السلطة القضائية

كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:

إذا كان القضاء ركناً أساسياً في قيام الدول، فإن امتناع سلطته عن تحقيق العدل والإستقرار في ظل دولة القانون، أي دولة الحكم العادل، يفتح الباب أمام تحكّم وتعسّف «مجموعة بائدة»، تتجاذبها الأهواء والمصالح المتناقضة، وتعمل على تكريس سلطة الأشخاص على حساب القانون الذي يفقد هيبته يوماً بعد آخر.

القضاء الذي يعكس بنزاهته واستقلاليته قدرة الدول على منع اي اعتداء أو تجاوز، أكان من الحاكم أو المحكوم، التحق بقائمة المؤسسات الآيلة إلى التحلل جرّاء إمعان المنظومة الحاكمة في ضرب مقومات الصمود، وليس آخرها السلطة القضائيّة التي تعاني من استنكاف بعض قضاتها عن إحقاق الحقّ، وتفرّد بعضهم الآخر في إصدار الأحكام والملاحقات الكيديّة – السياسيّة، من دون محاسبة أو مساءلة، وذلك بالتزامن مع تريّث مجلس النواب في إقرار قانون إستقلاليّة القضاء، وامتناع رئيس الجمهوريّة السابق ميشال عون عن توقيع التشكيلات القضائيّة الهادفة إلى ملء الشغور، كما فعل أيضاً وزير الماليّة يوسف الخليل مع التشكيلات الجزئيّة الكفيلة بإعادة إنتظام عمل تلك السلطة والبتّ في العديد من الملفات المعلّقة عمداً، كالتحقيق في تفجير مرفأ بيروت.

وإن كان من المبكر الحكم على السنة القضائيّة الراهنة، فإن الأكيد أنّ ما بعد 15 أيلول تاريخ بدئها لن يختلف عمّا قبله، لا بل أصبحت التحديات التي تواجهها تلك السلطة أكبر، مع الإنعكاس المتمادي للإنهيار الإقتصادي – المالي على الوضع المعيشي للقضاة الذين أصبحوا أسرى إعلانهم الإضراب المفتوح بوجه سلطة مستقيلة وعاجزة لا بل شريكة الإمعان في تحلل ما تبقى من مؤسسات.

الإضراب الذي سبق العطلة القضائيّة بأيام، أي في بداية شهر آب، أتى بعد إضرابٍ مفتوحٍ لموظفي القطاع العام والمساعدين القضائيين استمر لما يقارب الثلاثة أشهر وأكثر، أدى إلى توقّف قسري لقصور العدل عن العمل. وذلك أيضاً، بعد إضرابٍ مشابهٍ للمحامين، قارب الستّة اشهر، بما حمله من تبعات على المتداعين وأصحاب الحقوق الذين وجدوا أنّ طريقهم إلى تطبيق القانون وتحقيق العدالة مقفل، رغم بتّ بعض القضاة في الأمور الملحة والطارئة.

إلى ذلك، استمر التعطيل الممنهج لمسار التحقيق في ثالث أقوى إنفجار في العالم، أي تفجير مرفأ بيروت ما يزيد عن 365 يوماً. اذ رفعت يد المحقق العدلي طارق البيطار عن الملف في 23 كانون الأول من العام 2021، فيما البتّ في دعاوى الردّ المقامة بوجهه يتطلب انعقاد الهيئة العامة لمحكمة التمييز، الأمر غير المتوفر بسبب عدم توفّر النصاب. وهذا ما أدخل ملف التحقيق في نفق جديدٍ خلال العام 2022، جرّاء عرقلة التشكيلات القضائية، ومحاولة وزير العدل هنري الخوري إبتكار «بدعة» قضائيّة جديدة تتيح تعيين «قاضٍ رديف» للبتّ في طلبات إخلاء سبيل الموقوفين إلى حين استكمال البيطار أو من سيليه التحقيق في الملف. وهذا ما استدعى معارضة شديدة من قبل أهالي الشهداء والضحايا الذين نفذوا عدداً من الوقفات الإحتجاجيّة أبرزها أمام منزل الوزير، بالتزامن مع ضغطٍ شعبي وسياسي من أهالي الموقوفين أمام قصر العدل ومنزل رئيس مجلس القضاء الأعلى. وخلال تلك الفترة، ورغم تعليق المحقق العدلي عمله، تمّ تقديم 9 دعاوى خلال العام 2022 لعرقلة هذا الملف، توزعت ما بين الرد والنقل والمخاصمة، آخرها من أسرة إحدى الضحايا التي تحظى بدعم من «اللجنة التأسيسيّة لتجمّع أهالي شهداء وجرحى انفجار المرفأ» التي تدور بدورها في فلك الثنائي الشيعي «حركة أمل» – «حزب الله».

وفي غضون التخبط الذي تمر به السلطة القضائية، جرّاء إعتكاف القضاة والحالة المترديّة لقصور العدل، كما الشغور المتمادي في بعض المواقع القضائيّة الأساسيّة… وبعد صولات وجولات في اللجان النيابيّة لمناقشة قانون إستقلاليّة السلطة القضائية، طلب وزير العدل هنري الخوري إسترداده بعد عرضه على الهيئة العامة لمجلس النواب للتصويت عليه، وذلك بهدف إبداء ملاحظاته على المشروع. وإستغرق هذا الأمر 7 أشهر قبل إعادة إحالته على المجلس مجدداً والذي أصبح هيئة ناخبة حصراً مع شغور سدّة الرئاسة الأولى. وهذا ما من شأنه أن يدخل القانون مجدداً في نفق جديد بعد إبداء الملاحظات التي أدخلها الوزير والتي تمحورت وفق عارفيه حول مسألتين، آلية تشكيل مجلس القضاء الأعلى لتحصينه من تدخلات السياسيين، والتشكيلات القضائية من باب حمايتها أيضاً من التدخلات، في حين وجد فيها البعض الأخر نسفاً للإستقلاليّة وخطوةً إلى الوراء وإمعاناً في تحكم القوى السياسيّة وتفريغ إستقلاليّة السلطة القضائية من مضمونها وفق رئيس نادي القضاة في لبنان فيصل مكي.

وإذ يشدد مكي لـ»نداء الوطن» على وجوب إعطاء إستقلاليّة فعليّة للقضاء، وصف العام 2022 بأنّه عام ضرب القضاء بامتياز، والحدّ من فعاليته وتهميشه وتقييد عمله، بدءاً بإغفال العمل على تحسين الوضع المادي وصولاً إلى تهشيم الوضع المعنوي للقضاة، وذلك من خلال دفع الرأي العام إلى تحميل السلطة القضائية مسؤولية إنهيار البلد وغض النظر عن المسائل الأخرى المرتبطة بالمسؤولين والمصارف وتعطيل المؤسسات الدستورية وعدم إقرار قانون الكابيتال كونترول، وغيرها من الأمور والتركيز على إضعاف القضاء عبر حصر الأزمة بالظاهر المادي فقط، من أجل النيل من عزيمة القضاة ودفع المواطنين إلى التشكيك بسلطتهم وإستقلاليتهم بما يتلاءم والمخطط الفعلي لعرقلة السلطة القضائية عن القيام بدورها الفعلي والحقيقي!.

أمّا مدعي عام التمييز السابق الدكتور حاتم ماضي، الذي وضع الأزمة المعيشيّة التي تمر على القضاة في الخانة نفسها مع التحديات التي يواجهها كافة المواطنين، فتوقف عند التدخل السياسي الفجّ والإنقضاض الرهيب على القضاء، واصفاً العام 2022 بكل أسف، بأنه أسوأ ما مرّ على القضاء. ومع تشديد ماضي على دور القضاء في الحكم وقيام الدولة، وضع التدمير المتمادي للقضاء من أجل الإطاحة بسلطة الرقابة والمحاسبة أكان على السياسيين أو جميع المخالفين للقانون… ليؤكد في الختام أن القضاء هو مؤسسة لا يمكن لأي دولة في العالم مهما كان طابعها أن تعمد إلى الإستغناء عنه.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى