كتب طوني جبران في “المركزية”:
كان من الواضح أن الحكومة التي تحولت مستقيلة منذ الثاني والعشرين من أيار الماضي لن تستطيع ان تقوم بكامل مهامها الطبيعية لمجرد أنها بقيت على هذه الصفة لتصريف الأعمال طيلة الفترة الفاصلة عن نهاية ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى ان اصدر مرسوما قبل 48 ساعة من نهاية ولايته بقبول استقالتها من دون أن يكون متلازما بمرسومي تسمية الرئيس الجديد للحكومة والخاص بالتشكيلة الحكومية فزاد في الطين بلة على الرغم من مجموعة الاجتهادات والفتاوى الدستورية التي قالت بان المرسوم المذكور لم ولن تكون له اي فاعلية وهو اجراء غير دستوري فاقد الاهمية ولزوم ما لا يلزم كما كان يقول قصر بعبدا قبل اسابيع عدة من اصداره عدا عن المواقف الأخرى التي شاركت في هذا الرأي.
على هذه الخلفيات، تعترف مصادر سياسية ودستورية عبر “المركزية” لتقول: كان متوقعا أن تستمر الازمة الحكومية وتتفاعل بطريقة أكثر سلبية عندما توسعت رقعة الخلافات بين الخبراء الدستوريين من مستشاري البلاط، وآخرين ممن سارعوا لى ابداء الرأي الى جانب هذا الفريق او ذاك مع الاحتفاظ بالقراءات المتناقضة التي تمادت مفاعيلها السلبية على اكثر من مستوى في غياب المرجع الدستوري الصالح للبت بصوابية أي منهما. ولذلك لم يكن مستغربا ان تتوسع رقعة الخلافات حول آلية ادارة مجلس الوزراء انطلاقا من الدعوة التي وجهها رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي الى جلسة الخامس من كانون الاول الجاري ونجاحه في عقدها بالحد الادنى المطلوب من النصاب القانوني وتفاعلت جراء الآلية التي اعتمدها لاحقا في اصدار المراسيم بالطريقة التي اعتبرها البعض تجاهلا لدور الوزراء الذين يمثلون رئيس الجمهورية كما جرت العادة ابان حكومة الرئيس تمام سلام التي تولت صلاحيات الرئيس 29 شهرا.
وانطلاقا مما تقدم به طرفي الصراع من أسباب موجبة للتمسك برأيهما فان رئيس الحكومة اعتبر أنه وطالما ان صلاحيات الرئيس باتت في عهدة مجلس الوزراء مجتمعا وبالنيابة عنه، فإنه هو من يترجم قرارات المجلس بعد مناقشاته وفق الأصول التي يفرضها البند المطروح على الجلسة. ولما يصدر القرار عن المجلس الموافقة او الرفض، يعود لرئيس الحكومة تنفيذه حاصرا دور الوزراء بدور “إنشاء القرار” ليفصله عن “آلية الإعلان عنه”. ولذلك وباعتباره ناطقا باسم المجلس يوقع أي مرسوم مرتين مرة باسمه كرئيس للحكومة ومرة ثانية بالانابة عن مجلس الوزراء. بالإضافة الى الوزير المختص ووزير المال عند وجود أي إنفاق مالي ينتج عنه.
وهنا وقعت المشكلة التي تفجرت في اكثر من ملف، ولا سيما عند موافقة وزير الصحة على القرارات التي صدرت حول الوضع الصحي و الاستشفائي فوقع مراسيمها، فيما عبر وزير الدفاع العميد موريس سليم عن رفضه للقرار الخاص بالحوافز والمساعدات المقدمة الى العسكريين مترجما ذلك برفض التوقيع على المراسيم الخاصة بها، ولم يقف عن هذا الحد بل تجاوز مبدأ الرفض والتمنع عن توقيع المرسوم واعد في المقابل مرسوما آخر احتفظ فيه بتوقيع رئيس الحكومة من موقعه المنفرد، ووزير المالية واسقط توقيع ميقاتي باسم مجلس الوزراء واضعا اسماء الوزراء الـ 24 عليه بالانابة عن رئيس الجمهورية وهو ما عد خرقا دستوريا عبرت عنه الامانة العامة لمجلس الوزراء بكتاب رفعته الى الوزير سليم تدعوه الى التزام الآلية التي أقرت. وحذره آخرون من فريق ميقاتي بشكل اوضح مما يترتب على تلك الخطوة من مسؤولية.
وعلى الرغم من كل هذه التطورات في الأزمة قائمة، وهي مرشحة للتفاقم. فاي مرسوم يمكن ان يصدر ناجم عن تلك الجلسة او عن الجلسة المقبلة ان نجح ميقاتي في عقدها ثانية ستقسم الحكومة الى شطرين ينهيان ما يسمى بالحد الادنى من تضامنها عدا عن المخاطر الاخرى المترتبة على اي اجراء وتصرف مماثلين ان تكررت التجربة نفسها مرة أخرى.
وإن كان العسكريون اليوم هم من ضحايا الخلاف الحكومي باستحالة الحصول على المنحة المالية المقررة لهم، فان البلد سيتحول الى ضحية أخرى في اي وقت ان بقي الحال على ما هو عليه. وكل ذلك بات على لائحة التوقعات من دون احتساب ما يمكن ان يؤدي اليه ذلك ان بقي “النفخ المذهبي” قائما بين من ينتصر لصلاحيات رئيس الحكومة السني والذين يعتقدون أنهم يدافعون عن موقع رئيس الجمهورية الماروني المفقود وقد سادت العتمة في قصر بعبدا وقد ينبت العشب على مداخله أن توقفت صيانة حدائقه.
وانطلاقا مما تقدم يعترف العارفون بأن أي مشروع لدعوة مجلس الوزراء الى الاجتماع مرة أخرى سيدفع بقوة الى انشقاق حكومي وسياسي وحزبي أكبر مما تجلى حتى اليوم، فالمبادرات التي أطلقها حزب الله لتسوية الخلافات الحكومية جمدت الى اجل غير مسمى مع استمرار التزامهم بدعم وجهة نظر رئيس الحكومة من دون القيام بأي مبادرة للبحث عن مخرج لهذه الازمة بعد المواجهة مع التيار الوطني الحر . وان بقيت المعادلة على ما هي عليه فان اي فكرة لتنظيم الخلاف ليست واردة لدى أي طرف، وان تمادى التلهي بالمناكفات وفشل رئيس مجلس النواب نبيه بري بالوصول الى ضمان انعقاد جلسة انتخاب الرئيس، فهل يتصور أحد كيف سيكون عليه الوضع مطلع العام الجديد؟ وهل يمكن لأحد أن يستشرف النتائج المترتبة على الشلل المتنامي في المؤسسات الدستورية والادارية متزامنا مع اسوأ ازمة مالية ونقدية ان بقي الدولار متسلقا الأرقام القياسية والخيالية؟ وعندها ما يمكن أن تكون ردات الفعل الشعبية؟ فهل سيبقى الناس متمددون في منازلهم أم أن الشارع سيشهد تحركات احتجاجية من طرف واحد؟ أم أن هناك من سيعتمد نظرية شارع مقابل شارع؟