كتب منير الربيع في “المدن”:
يخوض حزب الله معركة انتخابية وجودية. ويضفي على معركته صورة ترتبط بمواجهاته العسكرية مع العدو. وفي سعيه إلى الفوز بالأكثرية النيابية، لا تزال الكواليس السياسية تشهد تساؤلات كثيرة: هل يريد حزب الله الفوز بالانتخابات فعلًا، لتصبح السلطة كلها في يده؟ أم يريد تجديد فوزه وتثبيت انتصاره وشرعيته، وتكريس أنه الأقوى بين الجميع؟ وهذا يعني أنه صاحب البتّ في كل أمر ومفاوضات مع المجتمع الدولي لاحقًا؟ والفوز في الانتخابات مع حلفائه وترك حصص للآخرين كشركاء في السلطة، يلقي عليه وعليهم مسؤوليات الفساد وسواه.
باسيل حزب الله
وحتى الآن لا أحد يمتلك جوابًا واضحًا حول هذه الأسئلة. وهناك مجموعات عدة تفكر بضرورة ترك الساحة لحزب الله، وتسليمه البلد وإسقاطه في يده. فحينذاك لن يكون قادرًا على تحميل المسؤولية لخصومه، ولا على الدخول في أي مشروع إصلاحي أو إنقاذي. والأكيد أن الحزب إياه يريد الفوز بالأكثرية، بغض النظر عن كيفية ترجمتها لاحقًا، بالشراكة السياسية مع خصومه أم لا. ولتحقيق الفوز بذل كل ما يمكنه لتعزيز حصة التيار العوني. وهو يقول إنه قادر على تأمين كتلة نيابية من 17 نائبًا عونيًا.
وتؤكد معلومات قريبة من حزب الله إنه يريد لجبران باسيل أن يكون رئيس أكبر كتلة نيابية في المجلس النيابي. لذا يضحي بموقع القوميين السوريين في بعلبك الهرمل، لصالح مرشح كاثوليكي تابع لباسيل. وفي بيروت الثانية يدعم التيار العونيّ، وكذلك في البقاع الغربي. وهو يصرّ على جمع حلفائه وإقناع العونيين بالتحالف مع باسيل في البترون، وتأمين 4 مقاعد نيابية لهم كحدّ أدنى، لا يمكنهم تحصيلها إلا بتدخل مباشر منه.
العقوبات وميقاتي
وفيما يدعم حزب الله جبران باسيل حتى النهاية في الانتخابات، يبدو باسيل قادرًا على التحرك بهامش سياسي واسع. ومنذ الأيام الأولى لثورة 17 تشرين، وبعد فرض العقوبات عليه، أظهر حركة سياسية استثنائية. ونجح في التفلت من كل الحملات التي تعرض لها، وخاض معركة مضادة على أكثر من جبهة: حربه على خصومه المسيحيين، مستفيدًا من رئاسة الجمهورية في فرض ما يريده بعملية تشكيل الحكومة. أحراجه الجميع بمشاريعه، ليجدوا أنهم مرغمون على للموافقة على ما يطرح، أو يكونون في عداد معرقلي التدقيق الجنائي وخطة الكهرباء.
ونجح باسيل في فرض ما يريده على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، من خلال الأخذ والردّ ولعبة التعيينات وطريقة إدارة جلسات مجلس الوزراء والقرارات التي تصدر عنه. أما على جبهة العقوبات الأميركية، فامتلك أكثر من ورقة أبرزها ترسيم الحدود، تحضيرًا لرفع العقوبات بعد سلوكه المسار القضائي ومهما كان وقته طويلًا.
إرضاء روسيا وأميركا
وتماهي باسيل مع حزب الله، إلى حد رفعه العقوبات عنه بالتفاوض على الترسيم. ويلتقي الحزب إياه والأميركيون على ما يلبي مصلحة باسيل. وبذلك ينتقم من الجميع.
وفي الموقف من الغزو الروسي لأوكرانيا، صحيح أن الروس يعلمون أن باسيل موافق على موقف الخارجية، لكن رئيس الجمهورية أرسل مبعوثًا إلى موسكو لشرح الموقف وترتيب العلاقة. وباسيل نفسه يمتلك أوراقًا يقدر على استخدامها مع روسيا، وفق براغماتية واضحة: إرضاء الأميركيين في الترسيم جنوبًا، وإرضاء الروس في الشمال بمشاريع مشتركة.
وهذا يتجلى بترشيح أمل أبو زيد إلى جانب زياد أسود في جزين. وترشيح الياس بو صعب في المتن، دليلًا على محاولاته الموازنة بين الطرفين. ويستخدم باسيل في هذا أسلوبًا أردوغانيًا بامتياز: السعي إلى الكسب على الجهتين.
وإلى حلفه المقدس مع باسيل، يعزز حزب الله وضع حلفائه السنّة والدروز، لتشكيل كتل نيابية متحالفة معه، ولو اقتضى ذلك خلافه مع النظام السوري. ولا تخفى محاولات النظام السوري التدخل في دوائر سنية عدة، لإعادة إنتاج نواب موالين له في المجلس النيابي. ولكن أي دور للمحسوبين على النظام السوري في لبنان، لا بد من موافقة حزب الله عليه، حسب قواعده وموازين القوى السياسية.