قالت "الاخبار" ان بلدة عرسال ترزح تحت نير أزمة صحية ضاغطة تهدّد سلامة القاطنين فيها، من لبنانيين وسوريين. أزمة مياه الصرف الصحي في المخيّمات أرخت بثقلها على المشهد في أحياء البلدة، وتحديداً الأحياء التي توجد فيها مخيمات للنازحين السوريين، لتهدّد سلامة أكثر من 100 ألف نسمة من عراسلة ونازحين، حيث بدأت تظهر ملامح مخاطر صحية وإصابات بالحساسية لدى الأطفال نتيجة لسع الحشرات، عدا راوئح كريهة لا يمكن تحمّلها.
أزمة صحية
فعلياً، بدأت مستوصفات في عرسال ترصد حالات تسمّم وإصابات بالأمعاء وسط تململ واستياء عارمين من معظم المجتمع العرسالي، الذي بدأ بالتعبير عن سخطه من الوضع الذي آلت اليه الأمور. يشكو البعض من تسرّب مياه الصرف الصحي إلى غرف منازلهم المنخفضة أو محيطها، فيما يعاني البعض الآخر من الروائح الكريهة جداً، ومن وجود حشرات وزواحف بالإضافة إلى إصابات صحية لدى الأطفال. الوضع المزري دفع بما يقارب 300 شاب وشابة من شبان عرسال إلى قطع الطريق عند مدخل البلدة أمام سائر الجمعيات المعنية بالأمر، في خطوة للتعبير عن سخطهم ورفضهم لقرار منظمة اليونيسف القاضي بتخفيف كمية شفط المياه الآسنة.
خالد، أحد أبناء البلدة، أكّد أن الوضع "لم يعد يطاق... شيء مقرف... ما فيك تطلع لبرا بيتك أو تعبر شارعاً في عرسال بسبب الروائح. وحتى هناك أحياء في عرسال، شوارعها غارقة بالمياه المبتذلة". فيما عبّر أحمد عن تخوّفه من أن يكون "هدف الجمعيات إيصال الأمور إلى مرحلة الصدام بين السوريين وبين العراسلة، ما فيني شوف ابني عم يعاني وما عم نقدر نتنفس من الروائح ونبقى قاعدين ناطرين مصيرنا".
في بلدة عرسال وأحيائها ينتشر 164 مخيماً، أكبرها مخيم العماني في وادي الحصن، الذي شبّ حريق هائل فيه صباح أمس التهم أكثر من 95 خيمة من أصل 200 خيمة. يتكتم الجميع على أسباب الحريق: هل هو مفتعل أم لا، وما إن كان حصل على خلفية الأزمة الحالية؟
لا يجيب النائب ملحم الحجيري على السؤال، بل يوجّه المشكلة نحو أصلها، محمّلاً الأمم المتحدة والمنظمات المانحة "المسؤولية كاملة تجاه النازحين السوريين، إذ لا يمكن تحميل عرسال أي مسؤولية عن أيّ ردة فعل قد يقوم بها أبناؤها، فالأمم المتحدة المانحة والداعمة والمحرّضة على القتال والتهجير بإغراءات معيّنة هي من أوصلتنا إلى هنا، علماً أن العطاءات للنازحين لا شيء بالمقارنة مع ما يعانيه هذا الشعب".
ويؤكد الحجيري من جهة ثانية أن "المشكلة اليوم تُختصر بتقليص التمويل للشركات المقدّمة للخدمات من قبل اليونيسف، فخزانات الصرف الصحي صغيرة جداً بالمقارنة مع استعمالات النازحين، والشفط لليترين فقط من الصرف الصحي هو أمر مستهجن، إذ هل يمكن أن يكون الصرف الصحي لعائلة ليترين فقط في اليوم، وعليه فقرارات مثل هذه تسمح بتسرّب المياه الآسنة وتتسبّب بأزمات صحية، وبروز حالات حساسية مفرطة من لسعات بعض الحشرات لم تعرف ماهيتها بعد، لذلك نحن لا نناشد وإنما نطالب وزارات الدولة والأمم المتحدة بتحمّل المسؤولية كاملة تجاه عرسال وأهلها، وإذا كانت الجمعيات المانحة تقف إلى جانب النازحين، فمن الذي يقف إلى جانب العراسلة إذا ما انتشرت الأوبئة والأمراض ذات المخاطر الوبائية والصحية في ظلّ وضع معيشي واقتصادي ومالي مزرٍ؟"
لا لاستقبال المنظّمات
أما النازحون السوريون، فقد أكّدوا أنّ المنظمات الدولية "تضع اللاجئ بين سندان القرارات الجائرة وسندان الخجل من أبناء بلدة عرسال الذين احتضنونا منذ أكثر من عشر سنوات، ونحن اليوم في موقف صعب ومحرج جداً، ولا نُحسد عليه، إذ كيف لنا أن نرى الأذى يطاول العراسلة وفي المقابل نحن لا نستطيع أن نجد حلولاً لهذه المشكلة، الأمر الذي يدفعنا للتساؤل هل هذه القرارات للتلاعب بنا؟ ودفعنا للتصادم مع إخوتنا العراسلة؟ ولذلك نحن نطالب بالإسراع في العودة عن القرار ومعالجة الأمر بإيلائه الأولوية اللازمة". وأعلن النازحون السوريون في بيان لهم "عدم استقبال المنظمات "الإنسانية" حتى العودة عن قرارها "المهين للإنسانية"، مع تحميل تبعات القرار وتأثيراته السلبية لصاحب القرار الجائر". "الاخبار"