لم يتحفظ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الكشف عما دار في لقاءاته مع السياسيين في لبنان والتلويح بفرض عقوبات على الساسة الفاسدين، لكنه آثر الحفاظ على أسرار لقائه بفيروز، قائلا إنه يحترم "السر" الذي تحيط به (جارة القمر) نفسها.
وفي مؤتمر صحافي بقصر الصنوبر في بيروت، الثلاثاء، في ختام زيارة استمرت يومين انهمرت أسئلة الصحافيين على ماكرون للحديث عما دار في اللقاء ليل الاثنين، فحرص الرئيس الفرنسي على الإجابة فقط عما يتعلق به شخصيا.
وقال: "فيما يتعلق بفيروز اسمحوا لي أن أحافظ على خصوصية هذا اللقاء. أستطيع أن أقول ما شعرت به وما قلته لها شخصيا. أنا قلت إنني أشعر بالرهبة أن أكون أمام ديفا مثل فيروز.. هذه الفنانة الوطنية وأن أرى جمالها وهذا السحر الذي تتمتع به، وهذا الوضوح السياسي والوعي السياسي".
واعتبر ماكرون أن صوت فيروز ليس "قطعة اكسسوار في مثل هذه الأزمة".
وقال "أعتقد أنها تحمل بشكل ربما واقعي أو غير واقعي جزءا من لبنان الحلم، وصوتها مهم للغاية بالنسبة لكل الأجيال التي رافقتها". وتابع قائلا إن صوت فيروز لا يزال مهما.
وأضاف "لن أتحدث عنها بالتأكيد لأنني أعتقد أن هذا جزء من الحلم والسر الذي تحيط نفسها به.. هذا السر هو جزء من فيروز".
وفي عبارة تعكس عمق اللقاء والحرص على الحفاظ على أسراره ختم ماكرون تصريحاته للصحافيين قائلا "لقد تحدثنا.. وأيضا صمتنا".
ظل اللقاء محاطا بهالة من السرية إلى أن نشرت الصفحة الرسمية الخاصة بفيروز على منصة فيسبوك صورا عن اللقاء الذي استمر ساعة وربع الساعة.
ظهرت فيروز في الصور بإطلالة بسيطة تعكس طبيعتها وابتسامة خجولة وبجوارها ماكرون في منزلها الواقع في منطقة الرابية في إنطلياس جبل لبنان.
والتزاما بقواعد وإجراءات الوقاية من فيروس كورونا، وضعت الفنانة اللبنانية قناعا شفافا لم يستطع أن يحجب ابتسامتها المحببة لقلوب عشاقها.
ارتدت فيروز عباءة سوداء مطرزة وغطت مقدمة رأسها بمنديل أسود تراثي، وبدت سعيدة بعد أن قلدها ماكرون وسام جوقة الشرف وهو أرفع وسام في فرنسا.
وأظهرت ثلاث صور فوتوغرافية منزل فيروز الذي يزدان بصور عائلتها وزوجها الراحل عاصي الرحباني وأيقونات أثرية ودينية لقديسين على الجدران ولوحات إحداها يصور وجوها متعددة لفيروز بريشة الفنانة الكرواتية جوستينا سيسي توماسيو سرسق تعود لعام 1980.
وعقب اللقاء قال ماكرون لقناة الجديد التلفزيونية، إن فيروز "جميلة وقوية للغاية، تحدثت معها عن كل ما تمثله بالنسبة لي.. عن لبنان نحبه وينتظره الكثير منا.. عن الحنين الذي ينتابنا".
وعندما سئل عن أغنيته المفضلة لفيروز أجاب بأنها (لبيروت)، وهي الأغنية التي كانت تبثها أغلب القنوات اللبنانية المحلية أثناء عرض صور الانفجار الهائل في مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس آب والذي أودى بحياة 190 شخصا على الأقل، ودمر أحياء بأكملها وتسبب في تشريد 250 ألف شخص، وهدم مؤسسات تجارية وأطاح بإمدادات الحبوب الأساسية.
وعلى مدى تاريخها الحافل، نالت فيروز إعجاب رؤساء فرنسيين آخرين. فقد منحها الرئيس فرانسوا ميتران وسام قائد الفنون والآداب عام 1988، ومنحها الرئيس جاك شيراك وسام فارس جوقة الشرف في عام 1998.
وأظهرت مشاهد بثتها شاشات التلفزيون المحلية مرافقين لماكرون يحملون لوحة مغطاة بقماش أزرق قدمتها فيروز هدية لضيفها الفرنسي.
وتربط فيروز بالدولة الفرنسية علاقات صداقة متينة توطدت في عام 1975 عندما ظهرت للمرة الأولى على شاشة التلفزيون الفرنسي ضمن برنامج (سبيسيال ماتيو) الذي كانت تقدمه صديقتها الفنانة الفرنسية ميراي ماتيو وقدمت هناك أغنية (حبيتك بالصيف).
وطُرحت هذه الأغنية قبل دخول لبنان في أتون حرب أهلية استمرت بين عامي 1975 و1990، وهي فترة كان لا يزال فيها مشهورا بلقب (سويسرا الشرق الأوسط)، حيث كان يجتذب مشاهير هوليوود إلى مطاعمه وشواطئه البديعة.
واتخذت العلاقة بين فرنسا وفيروز شكلا أعمق خلال الحرب اللبنانية عندما أقامت فيروز حفلا ضخما في الأولمبيا بباريس عام 1979 وغنت (باريس يا زهرة الحرية).
ونادرا ما تتحدث فيروز لوسائل الإعلام رغم إذاعة أغنياتها عبر موجات الأثير من الرباط وحتى بغداد.