مساء الأحد، اتجهت الأنظار نحو معبد باخوس في قلعة بعلبك اللبنانية، حيث علت موسيقى "صوت الصمود" في مشهد يحمل رسالة أمل بغد أفضل. فـ"مدينة الشمس" بعلبك شعت غناءً وفرحاً خلال حفل موسيقي ضخم من دون جمهور، هو الوحيد لهذا العام في إطار المهرجان اللبناني العريق، في حدث يرتدي رمزية كبيرة في ظل أزمة غير مسبوقة تشهدها البلاد.
وتفاعل اللبنانيون عبر وسائل التواصل الاجتماعي مع الحفل الذي وصفه منظموه بأنه "صرخة أمل" للتأكيد على أن "الثقافة في لبنان لن تموت". وأشاد كثر بينهم سياسيون وإعلاميون، بهذا الحدث الذي يقدم مشهداً إيجابياً عن لبنان يتعارض مع الجو السائد بسبب الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة التي تتخبط بها البلاد. كما شبه البعض الحفل بالحفل الذي شهدته سفينة تايتانك قبل غرقها في أولى رحلاتها عبر المحيط الأطلسي عام 1912، إلا أنه رغم كل المصاعب، يبقى الأمل. واعتبر آخرون أن لبنان سيبقى دائماً شامخاً، وقال البعض إن الجميع يريد الموسيقى والحياة.
فعلى مدى ساعة من الوقت، تابع اللبنانيون عبر المحطات التلفزيونية المحلية ووسائل التواصل الاجتماعي هذه الحفلة التي حملت عنوان "صوت الصمود" وأحيتها الأوركسترا الفيلهارمونية الوطنية اللبنانية بقيادة المايسترو هاروت فازليان.
أكثر من 150 مشاركاً
كما توزع أكثر من 150 مشاركاً بين عازفين ومغني كورس على أرجاء باحة معبد باخوس في القلعة الرومانية المدرجة على قائمة اليونسكو للتراث، محافظين بدرجة كبيرة على مقتضيات التباعد الجسدي الذي فرضه تفشي فيروس كورونا المستجد.
وفي سينوغرافيا لافتة من توقيع جان لوي مانغي ومشهدية مسرحية متقنة راعت خصوصية الموقع التاريخي ورمزيته، تحلّق المشاركون داخل المعبد الروماني ضمن حلقة دائرية مع هالة نور بما يشبه شمساً ساطعة بخيوط ذهبية في قلب "مدينة الشمس".
إلى ذلك تنقل المشاهدون مع الكاميرا بين زوايا معبد باخوس الذي أضيئت أعمدته بألوان مختلفة طغى عليها الأحمر، مع إخراج تلفزيوني استُخدمت فيه أحدث التقنيات البصرية بما يشمل خصوصاً لقطات جوية أظهرت القلعة التاريخية التي وقف على أدراجها كبار الفنانين في لبنان والعالم منذ انطلاق مهرجانات بعلبك قبل أكثر من ستة عقود.
فيروز وأم كلثوم
وتضمن البرنامج الموسيقي مجموعة منوعة من الأعمال الفنية تمازجت فيها المقطوعات الكلاسيكية كـ"أو فورتونا" من نصوص كارمينا بورانا و"نشيد الفرح" لبيتهوفن، بالأغنيات اللبنانية من أعمال الأخوين الرحباني إضافة إلى الروك.
كما عرضت خلال الحفل على أعمدة المعبد مشاهد تذكر بأبرز الأسماء التي استضافتها المهرجانات منذ مسرحيات فيروز وحفلات أم كلثوم في الستينات والسبعينات، مروراً بكبار المغنين والمسرحيين وراقصي الباليه في العالم من أمثال إيلا فيتزجيرالد وموريس بيجار ومايلز ديفيس.
وقدم خلال السهرة أيضاً الممثل اللبناني رفيق علي أحمد مشهداً مسرحياً مقتبساً من قصة "دمعة وابتسامة" للأديب والفيلسوف اللبناني جبران خليل جبران.
ويشهد لبنان عادة خلال الصيف الكثير من الحفلات والمهرجانات الموسيقية في سائر أنحاء البلاد. وقد استقطبت هذه الأحداث في العقدين الماضيين بعضاً من أشهر الفنانين العالميين، بينهم شاكيرا وستينغ وأندريا بوتشيلي وبلاسيدو دومينغو.
أسوأ انهيار اقتصادي منذ عقود
غير أن البلاد تمر حالياً بأسوأ انهيار اقتصادي منذ عقود، مع أزمة سيولة وتوقف المصارف عن تزويد المودعين أموالهم بالدولار فضلاً عن ارتفاع معدل التضخم ما جعل نحو نصف السكان تحت خط الفقر. يضاف إلى ذلك تبعات جائحة كوفيد-19 والإغلاق الذي رافقها.
ولم يعلن أي من المهرجانات اللبنانية الأخرى عن برامج فنية لهذا العام، غير أن معلومات صحافية تحدثت أخيراً عن التوجه لإقامة حفلات قليلة لفنانين لبنانيين خلال آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر يحضرها جمهور صغير التزاماً بتدابير مكافحة الوباء.
وشكلت الأوضاع الاقتصادية المتردية شرارة الانطلاق لموجة احتجاجات غير مسبوقة عمت المناطق اللبنانية في خريف 2019 رفضاً لأداء الطبقة السياسية المتهمة بالفساد والفشل في إدارة الأزمات المزمنة في البلاد.