اندلعت ثورة العبيد المعمدانيين بجامايكا، المعروفة أيضا بحرب المعمدانيين، أواخر العام 1831 كحركة احتجاجية سلمية قبل أن تتحول لحمام دم.
وطيلة الفترة التي سبقت الثورة، حدّث المبشرون المسيحيون القادمون من لندن العبيد بهذه المستعمرة البريطانية عن تقدّم المشاورات والمفاوضات بالبرلمان البريطاني لإجهاض العبودية بشكل نهائي واقتراب خلاصهم. فضلا عن ذلك، وعد المبشّر توماس بورشيل (Thomas Burchell)، خلال سفره نحو لندن، العبيد بجامايكا بلقاء الملك وليام الرابع (William IV) والعودة نحو المنطقة بقرار تحريرهم. ومع فشل جهوده، استاء العبيد وعبّروا عن سخطهم لتتزايد بذلك حدّة الغضب في صفوفهم فقرروا تنظيم إضراب سلمي.
وبقيادة المبشر والعبد صموئيل شارب (Samuel Sharpe)، انطلق الإضراب بالمنطقة يوم 25 كانون الأول/ديسمبر 1831 تزامنا مع فترة أعياد الميلاد. ومنذ البداية أقسم الجميع على عدم الاستسلام لحين تلبية جميع شروطهم المتمثلة أساسا في منحهم مزيدا من الحرية وبعض المبالغ المالية البسيطة مقابل مجهوداتهم الجبّارة بالحقول. وتدريجيا، جذبت هذه الحركة الاحتجاجية المزيد من الغاضبين، فمن ضمن 300 ألف من العبيد ذي الأصول الإفريقية بجامايكا التحق 60 ألفا بالإضراب الذي قاده صموئيل شارب.
الموت بدل العبودية
ومع انتشار أخبار عن سعي البريطانيين لفض الإضراب بالقوة وملاحقة المسؤولين عنه، تحوّلت الاحتجاجات إلى ثورة عارمة لتشهد بذلك جامايكا أسوأ تمرد في تاريخ مستعمرات جزر الهند الغربية البريطانية. وعلى مدار الأيام التالية، هاجم العبيد الثائرون الحقول وممتلكات البيض وأحرقوها فكلفوا الحكومة البريطانية خسائر مادية بلغت قيمتها أكثر من مليون جنيه وأعدموا بعضا من الأسياد السابقين.
استمرت هذه الثورة لبضعة أيام وأخمدت نهائيا يوم 4 يناير 1832 بالتزامن مع قدوم مزيد من الجنود البريطانيين. وقد قاد الجنرال البريطاني ويلوغبي كوتون (Willoughby Coton) العملية العسكرية ضد الثوار ، وتمكن من إنهاء ثورتهم بمساعدة جنوده المدججين بالسلاح والمدعومين من فرق ميليشيات محلية تكونت من الأسياد البيض البريطانيين.
إلغاء العبودية
وفي خضم المعارك، قتل 14 بريطانيا، بينما تجاوز عدد ضحايا العبيد الثائرين الـ200 قتيل. فضلا عن ذلك، اعتقل البريطانيون العديد من الثوار وأعدموا منهم 340 فردا بطرق مختلفة عقب محاكمات وجيزة وغير نزيهة، حيث حصل بعضهم على حكم بالموت وأرسلوا نحو المشنقة بسبب تهم بسيطة وغير ثابتة كسرقة بقرة أو خنزير. أيضا، عمد البريطانيون لإحراق عدد من الكنائس التي ارتادها الأفارقة واعتقلوا بعضا من المبشرين بعد أن اتهموهم بتأجيج ثورة العبيد.
في غضون ذلك، تواجد قائد الثورة صموئيل شارب ضمن صفوف الذين قتلوا في خضم هذه الأحداث، حيث اعتقل البريطانيون الأخير وأعدموه شنقا بعد أشهر قضاها بالسجن. وعن هذه الثورة، تحدّث صموئيل شارب أثناء سجنه لعدد من الرهبان فعبّر لهم عن فخره بما أقدم عليه، مؤكدا أنه يفضل الموت شنقا على العودة لحياة العبودية والعمل بالحقول لصالح الأسياد البيض.
وفي بريطانيا، أثارت أخبار قمع ثورة العبيد السود بطريقة وحشية استياء نسبة كبيرة من السياسيين، فعجّلت بذلك المفاوضات داخل البرلمان ليصدر سنة 1833، أي بعد عام واحد عن أحداث جامايكا، قانون إلغاء العبودية والذي أجهض هذه الممارسة رسميا بمعظم أصقاع الإمبراطورية البريطانية.