يصنف الألماني لودفيغ فان بيتهوفن، المولود في كانون الأول/ديسمبر 1770 بمدينة بون، كواحد من أعظم الملحنين والموسيقيين على مر التاريخ.
فخلال مسيرته الفنية الزاخرة، ألف هذا الرجل العديد من القطع الموسيقية الخالدة كسوناتا ضوء القمر ومن أجل إليزة والسيمفونية الخامسة والسيمفونية التاسعة. وعلى الرغم من سجله الفني الحافل بالإنجازات وقدرته على إدخال البهجة في نفوس المستمعين لموسيقاه، عرف بيتهوفن حياة تعيسة، حيث عاش طفولة قاسية ومر بالفشل العاطفي مرات عديدة وعانى من الوحدة والعزلة والاكتئابK كما فكر بالانتحار لأكثر من مرة وأصيب خلال السنوات الأخيرة من حياته بالصمم.
وفي حدود السادسة والعشرين من عمره، اشتكى بيتهوفن من طنين وألم في أذنيه. وعانى مع بداية القرن التاسع عشر من مشاكل في فهم بعض الكلمات التي كانت تقال أثناء الحديث، حيث كافح الملحن الألماني حينها لقراءة وفهم حركة شفاه الطرف الآخر أثناء الحوار.
ومن خلال رسالة حزينة لصديقه فرانز فيغلر عام 1801، كشف بيتهوفن عن معاناته مع مشاكل في السمع. وبهذه الكلمات وصف عبقري الموسيقى حالته لصديقه: "علي أن أعترف أنني أعيش حياة بائسة. فمنذ حوالي عامين ابتعدت عن الحياة الاجتماعية ومهامها، حيث يستحيل علي أن أقول للناس إنني أصم. فلو كانت لدي أية وظيفة أخرى لتأقلمت مع إعاقتي لكن بالنسبة لوظيفتي الحالية فالصمم إعاقة فظيعة".
وبناءً على طلب من طبيبه، انتقل بيتهوفن في نيسان/إبريل 1802 للعيش بمنطقة هايلغنستات قرب العاصمة النمساوية فيينا. وهنالك مكث الملحن الألماني سبعة أشهر كتب خلالها رسالته الشهيرة المعروفة بوصية هايلغنستات، حيث فكر بيتهوفن حينها بوضع حد لحياته بسبب معاناته مع الصمم وتدهور حالته النفسية.
ومن خلال هذه الوصية، عبّر بيتهوفن عن سخطه من نظرة المجتمع إليه بسبب ميوله الانعزالية، كما أكد أن الشيء الوحيد الذي يمنعه من الانتحار هو الفن، حيث آمن بقدرته على التعبير عما بداخله عن طريق الموسيقى.
وعلى الرغم من تدهور سمعه بشكل تدريجي، ألف بيتهوفن ما بين عامي 1803 و1812 عشرات القطع الموسيقية. وفي عام 1811، فشل في عزف قطعته الموسيقية كونشرتو البيانو رقم 5 والمعروفة أيضاً بكونشرتو الإمبراطور. وبسبب ذلك غاب عن المسارح وقاعات الأوبرا لنحو 13 عاماً قبل أن يعود مجدداً للظهور بفيينا.
وبحسب ما نقله تلميذه كارل تشيرني، ظل بيتهوفن قادراً على سماع الموسيقى إلى حدود عام 1812، حيث شهدت تلك السنة تدهوراً واضحاً لحاسة السمع لديه. وعام 1814، فقد بيتهوفن حاسة السمع بشكل تام. ففي الرابعة والأربعين من عمره، أصبح الملحن الألماني أصم لتبدأ بذلك فترة عزلته الطويلة، حيث فضل الابتعاد عن الجماهير والانعزال بمفرده سامحاً لعدد قليل من أصدقائه المقربين بزيارته. وللتواصل معهم، اعتمد بيتهوفن على دفتر دون عليه الحوار.
في الأثناء، لم يمنع الصمم بيتهوفن من مواصلة التلحين. فمطلع عشرينيات القرن التاسع عشر، ألف السيمفونية التاسعة، التي تصنف كواحدة من أهم أعماله الفنية. وعام 1824، عزف هذه القطعة الموسيقية أمام الجماهير بفيينا. وأثناء الحفل لم يكن قادراً على سماع صوت الأوركسترا والتصفيق بالقاعة. ولهذا السبب اضطر للالتفات خلفه عند انتهائه من العزف لمشاهدة ردة فعل الجماهير.
ولا يزال سبب إصابة بيتهوفن بالصمم حتى يومنا هذا لغزاً محيراً، حيث قدم المؤرخون والأطباء تفسيرات عديدة، فمنهم من تحدث عن أمراض المناعة الذاتية، ومنهم من رجح ذلك لإصابته بالتيفوس في وقت سابق من حياته. وتحدث البعض الآخر عن إصابته بالزهري، بينما روج شق آخر لفرضية إصابته بمرض باجيت.