لعل صدى الحظر الأخير الذي فرضته الحكومة الأمريكية على هواوي جعلها تتصدر المشهد وإن لم يكن بشكل إيجابي إلا أنه أحدث جلبة كبيرة في صفوف متابعي التقنية والمهتمين بالهواتف؛ بالإضافة لمستخدمي هواتف هواوي نفسها وخصوصاً بعد سحب رخصة الأندرويد وايقاف تحديثاتها من قبل شركة قوقل، حيث تلى هذا القرار تعليق مؤقت له من قبل الحكومة الأمريكية لمدة 90 يوماً.
ولكن ما السر وراء الحظر الأخير وكيف تسارعت الأحداث على مدار الشهور والأيام الماضية؟ هذا ما سنراه من خلال استعراض سلسلة من تغطيتنا لأخبار الشركة الصينية والحكومة الامريكية.
بدايةً لا يخفى عن الجميع الحرب الإقتصادية الدائرة بين قطبي الاقتصاد العالمي الولايات المتحدة الأمريكية والصين منذ سنوات، والفرض المتبادل للضرائب على السلع المستوردة من كلا البلدين حيث زادت وتيرة المنكافات مع وصول إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليكن أخرها رفع الولايات المتحدة الرسوم الجمركية إلى 25% على أكثر من 3800 منتج مستورد من الصين.
وعلى سبيل الإجمال لا الحصر فإن يمكن القول أن هواوي قد منعت من دخول السوق الأمريكي بشكل فعلي يناير2018؛ حيث كانت أقرب ما يمكن من إبرام صفقات لبيع هواتفها بالشراكة مع مشغلي شبكات الاتصالات هناك؛ عقب قرار وتوصيات من مجلس الشيوخ لمنع هذه الشراكة خوفاً من مغبة وقوع الدولة فريسة لتجسس الحكومة الصينية من خلال هواوي بناءً على تقارير أمنية امريكية تعود لبدايات عام 2012.
حيث كانت ومازالت هواوي تنفي هذه الإدعاءات وجميع تلك التهم، لتتسارع وتيرة المنع منذ ذلك الحين وتشمل عددا أخر من المنتجات والشراكات كان على رأسها منع التعاون مع هواوي في إنشاء البنى التحتية لشبكات الجيل الخامس وهو الجانب التي تبرع فيه الشركة بل إن منتجاتها تعد من الأعلى كفاءة عالمياً والأقل سعراً من منافساتها في هذا المجال، وهو ما يشكل خطراً على الأمريكان بكل تأكيد نظراً للسطوة التقنية التي ستملكها هواوي في حال تطوير شبكات الجيل الخامس في الولايات المتحدة وغيرها من الدول؛ في الوقت الذي لا تترقي فيه الشركات الأمريكية لنفس المستوى التقني لهواوي في بناء شبكات السرعة الفائقة (5G).
أما بالنسبة للضربات الأخيرة التي تلقتها هواوي فقد جاءت بعد انهيار المحادثات الصينية الأمريكية بشأن التبادل التجاري وعدم توصلهم لتفاهم لحل الأزمة، ليصادق الرئيس الأمريكي على قرار يسمح بوضع جميع شركات الاتصالات الأجنبية التي تشكل خطراً على الولايات المتحدة على قائمة الحظر، لتكن هواوي هي المقصودة بشكل أساسي والعلامة التجارية التي تقع تحتها أونور.
وتبعاً للقرار قامت قوقل بحظر وصول تحديثات نظام تشغيل الأندرويد لهواتف هواوي المتواجدة في السوق حالياً مع عدم دعم نظامها بنسخته الكاملة للهواتف التي ستطرحها هواوي في السوق مستقبلاً، وبالتالي لن يكون متجر التطبيقات قوقل بلاي متاحاً على هواتف الشركة ولا تطبيقاتها الأخرى كيوتيوب وخرائط قوقل وخدمات البريد الالكتروني التي تشكل بعداً مهمنا في مزامنة هاتف المستخدم مع أجهزته الأخرى.
لكن عادت قوقل بعدها بساعات وسمحت لهواتف هواوي بالاستفادة من نسخة الأندرويد بشكل كامل مؤقتاً ولمدة ثلاثة أشهر فقط بناءً على قرار حكومي، في نفس الوقت الذي دخلت فيه العديد من الشركات الأمريكية لحلف مقاطعة هواوي حيث كانت كوالكوم وإنتل على رأس القائمة مع العلم أن هواوي تملك البدائل لرقاقات الهواتف لكن تبقى إنتل مزود أساسي للرقاقات حواسيبها المحمولة وشركة لا غنى عنه في الوقت الحالي، فيما يبدو أن مايكروسوفت ستحذو حذو مواطناتها بعدما سحب لابتوبات الشركة عن متجرها الرقمي مع إحتمالية وقفها دعم هواوي بالخدمات السحابية من منصتها Azure وكذلك نظام تشغيل ويندوز.
وما يمكن استنتاجه من هذه الضربات المتتالية التي تتلقاها هواوي أنها رسالة للحكومة الصينية من نظيرتها الأمريكية، إلا أن الصين لا تزال في مرحلة ضبط النفس ولم يصدر عنها ردة فعل عنيفة على هذه الممارسات للحظة.
أما هواوي فقد صرحت عن أن هواتفها الحالية ستبقى على نفس المستوى من تلقي الدعم والتحديثات بشكل طبيعي، كما أنها هواتفها المستقبلة التي لم تطأ السوق بعد ستملك نصيبها من التحديثات.
والجدير بالذكر أن هواوي تعمل منذ سنوات على نظام بديل للأندرويد وكذلك لنظام الويندوز لتكون مستقلة بذاتها ولا تخضع للابتزاز كما يحصل الآن؛ لكن هل ستجنح الشركة في ذلك وتتخطى هذه الأزمة وتكمل مسيرتها المشبعة بالانتصارات والنمو المتسارع الذي حققته على مر السنوات الماضية حتى ربعها المالي الأخير أم العكس؟ فيما لا تزال احتمالة التوصل لتسوية بين البلدين بهذا الشان قائمة لأن القضية هنا ليست تنافسية تجارية بحتة بل السياسة محور الدرس التقني كما نرى.