"كورونا" هي الخطر الذي سيزول حتما رغم تجاوز الإصابات حاجز المليون أخيرا، لكنها تواصل اليوم التلاعب بالإقتصادات وتوقعها في أسر إنكماش غير مسبوق منذ 75 عاما قد يجعلها تخسر أكثر من 4 تريليونات دولار ("بنك التنمية الآسيوي")، حيث تقود التوقعات إقتصاد أميركا إلى إنكماش بنحو 5.5% ("مورغان ستانلي") مع خسارته نحو 700 ألف وظيفة في شهر وإرتفاع البطالة إلى 4.5% وجنوحها إلى 8%، وإنكماش إقتصاد أوروبا بنحو 7.6% ("بنك أوف أميركا")، حيث ستواجه ألمانيا -أكبر إقتصاد في منطقة اليورو- أسوأ ركود منذ 2009 بإنكماش قد يصل إلى 5.4%.
أما الأسوأ فلم يأتِ بعد بالنسبة إلى سوق الديون ("غولدمان ساكس"). فقد تجاوز ديون الأسر العالمية 47 تريليون دولار، أي بما يوازي 60% من الناتج الإجمالي العالمي. وإهتزت الأسواق الناشئة على وقع تخارج إستثماري هائل بلغ 83 مليار دولار، فيما باتت "سلبية" النظرة المستقبلية لديون الشركات الأميركية ("موديز").
على هذا الوقع، قد تهبط أسعار النفط 20% (وكالة الطاقة الدولية) ويتراجع خام برنت القياسي إلى مستوى 10 دولارات رغم تكهنات إنهاء "حرب الأسعار" بين السعودية وروسيا في إجتماع "عبر الفيديو" لأعضاء "أوبك +" الخميس المقبل (CNBC)، بغية خفض المعروض من الخام حفظا لإستقرار الأسواق.
في الأسواق، إرتدادات كبّدت "صندوق الثروة السيادي النروجي"، الأكبر في العالم، خسارة قياسية بلغت 113 مليار دولار (14.6%) في الفصل الأول من 2020. والسبب قيادة "الهبوط الحاد" لأسواق الأسهم وخسارة الشركات الخاصة نحو 12 تريليون دولار.
في محور الحركة، تنشط الحكومات والبنوك المركزية لتطويق التداعيات على خطين: 1- إحتواء إنتشار فيروس "كوفيد 19" وتعزيز الخدمات الطبية وإيجاد اللقاح إنقاذا للأرواح، 2- إحتواء التداعيات الإقتصادية حفظا لفرص العمل والمداخيل، إضافة الى تعزيز الثقة لإعادة الإستقرار المالي ودعم النمو وتقليص ضغوط سلسلة الإمداد العالمية.
ليس بعيدا، تترقب الأسواق موعدين هذا الأسبوع: الأربعاء، موعد إصدار الإحتياطي الفيدرالي محضر إجتماعه الأخير، وقرّر خلاله خفض معدل الفائدة إلى ما بين صفر و0.25% وتعزيز مشتريات الأصول لدعم الأسواق المهددة. والخميس، موعد إفصاح البنك المركزي الأوروبي عن محضر آخر اجتماع للسياسة النقدية، رغم أنه لم يخفض الفائدة في موجة اجتاحت العالم لدعم الإقتصاد، لكنه عزّز مشتريات السندات.
هل لحق لبنان بالموجة العالمية إدراكا منه لخطورة المرحلة المقبلة، أم بقي أسير عُقَد أزماته المزمنة والمستجدة؟
أسئلة تبرّرها الوقائع الأخيرة التي سالت على دم "التعيينات المالية" وفجّرت الخلافات بين أهل البيت، وأطلقت العنان لسجالات "لا نكهة لها" في زمن "الكورونا".. وقد دلّت على "قلة إدراك ومعرفة" بأهمية تلك التعيينات في المرحلة المقبلة، وخصوصا في ظل قطاع مصرفي "مضروب السمعة" بفعل سقوطه أو إسقاطه في إمتحان "الثقة"، بما يجعله عاجزا عن إستقطاب الدولارات من الخارج، وهو الأحوج إليها في زمن شحّ السيولة. علما أن الأداء السياسي بشكله الحالي، لن ينجح في جذب أي دولار خارجي كما لن يدفع بالإقتصاد ليكون منتجا لا ريعيا...
هل كان مجديا "ترحيل" ملف التعيينات؟ ولمَ إقحم "حزب الله" واشنطن واتهمها بالتدخل وإنتهاك السيادة اللبنانية؟ أهي المرة الأولى التي تُنتهك فيها سيادة لبنان؟
في وقائع الحراك الأميركي ثمة مبررات. إذ تقرّ واشنطن بان التعيينات المالية والمصرفية "شأن لبناني"، وفق المتحدث باسم السفارة الأميركية كايسي بونفيلد. لكن "من الطبيعي أن تقدّم واشنطن، كصديق وشريك للبنان، نصائح في شأن تعيين خبراء كفوء موثوق بهم، لإعادة الثقة بالنظام المصرفي ولتحقيق الإستقرار الإقتصادي في لبنان".
المصدر: لبنان 24