كتب مروان اسكندر في “النهار”:
تعددت أصوات منتقدي كل سياسة مقترحة لأي حلّ في لبنان، وتكاثر عدد المعلّقين، ومنهم فئة احترفت التشويش المقصود، ومن هؤلاء ومن اكبر المسيئين للبنان محامية ومحامٍ لبنانيين يعملان في سويسرا يقولان بان حاكم مصرف لبنان يرأس مجموعة تعمل على تبييض الاموال، وكانا قد أكدا ان المبالغ تقدر بـ 400 مليون دولار، وانهما تقدما بشكوى أمام السلطات البريطانية (من دون تحديد صفة هذه السلطات) لأجل التحقيق في هذا الموضوع.
وبما ان المحامية والمحامي لم يوفرا أية دلائل على صدقية الارقام أو الممارسات، وحينما تسلّما من احدى المؤسسات المتهمة بالإسهام في تبييض الاموال إنذارًا بمدعاتهما بالتزوير العلني ومطالبة السلطات السويسرية بسحب الترخيص لهما بممارسة المحاماة، سارعا الى إبلاغ الهيئة المشكية بأنهما أخطأا باعتماد معلومات صحافية غير موثوق بها، وانهما يعتذران عن كل أذى تسببا به نتيجة نشرهما معلومات كاذبة، وطلبا السماح من المتضررين. والمتضرر الاكبر لبنان كبلد وحاكم المصرف المركزي.
لقد أسرفتُ في وصف حالة التشويش المقصود من محاميين يعملان في سويسرا أصلهما وفصلهما لبناني، لكن نيّتيهما تنصبّان على تحصيل الشهرة الرخيصة بنشر شائعات مضرة بالاقتصاد اللبناني والعملة اللبنانية، ولا يجوز التغاضي عن النية السيئة لدى المحاميين اللذين اطلقا هذه الشائعة الكاذبة من دون أي خجل وتردد، ولو كان وزير خارجيتنا ملمّاً بالمهمات المطلوبة منه لكان تقدَّم بطلب استفسار عن استمرار السلطات السويسرية بالسماح لأصحاب الشائعة المسمومة بمواصلة العمل والاقامة في سويسرا، والعيب الكبير انهما ينتميان الى منظمة غير حكومية NGO Accountability Now اي العدالة حالاً.
ننتقل من اسوأ مثال على نية الإضرار بسمعة لبنان واهله الى اقاويل تصبح من أسس التعليقات الصحافية الاقتصادية والسياسية.
القول باسترداد الاموال المنهوبة المحوّلة الى الخارج، يناقض القانون اللبناني، والسياسة المصرفية التي اسهمت في جعل لبنان – على صغره – مركزًا مصرفيًا، خصوصا بعد توسع وجود المصارف اللبنانية في الخارج. الاموال المحوّلة ليست بالضرورة اموالاً منهوبة، وليت اصحاب الاتهامات يدركون ان معظم الثروات تحققت للبنانيين عملوا في الخارج سنوات وفي مجتمعات اعتمدت على خبراتهم، ومن ثم التحويل الى لبنان، ومن لبنان كان مَن اسس تطور النظام المصرفي، ولن يكون من السهل او الامر المشروع استرداد اموال عمل على تجميعها لبنانيون نشطوا سنوات في مجتمعات كانت تحتاج الى التطوير على مختلف الصعد، سواء التعليم، التطبيب، التعهدات، شركات الطيران، المصارف، العلاقات الخارجية الخ…
اللبنانيون الذين حققوا ثروات بأعمال شرعية وتحتاج الى مهارات لا حق لأحد بالتطاول على ما حققوه، وبالتالي القول الشائع “كلن يعني كلن” ما هو إلا تعبير عن يأس اللبنانيين العاديين من اصطلاح الاوضاع. ولا بد من تذكير اللبنانيين بتطور يبيّن محاسن النظام الذي كان سائدًا قبل ان يصبح موبوءا بسبب تكريس الطائفية بدل الغائها.
نهاية عام 2008 شهد العالم ازمة مصرفية حادة دفعت مصارف دولية الى الافلاس، كان منها الكريدي سويس، والاونيون دي بنك سويس، وسيتي بنك، وبنك باركليز وشركة التأمين الاميركية العملاقة التي احتاجت الى دعم بلغ 180 مليار دولار.
اهتمام السلطات بإنقاذ الهيكلية الاقتصادية استوجب تخصيص 6 تريليونات دولار لإنقاذ المؤسسات الاميركية، و6 تريليونات يورو لإنقاذ المصارف والمؤسسات الاوروبية، ونحو تريليونَي جنيه لإنقاذ اوضاع السوق المالية في بريطانيا، وقطر وحدها اسهمت في انقاذ باركليز بنك بتأمين 7.5 مليارات جنيه لزيادة رأس مال البنك لإنقاذه.
اللبنانيون، ومنهم نسبة ممن حوّلوا مبالغ من لبنان الى الخارج ما بين 2018 و2020 تجنبًا للازمة العالمية، حوّلوا الى لبنان عام 2009 ما يزيد على 24 مليار دولار، واسهموا في تحقيق افضل معدل نمو بلغ 9% عامذاك، وهذه التحويلات مكّنت لبنان من تجاوز ازمات عجز ميزان المدفوعات حتى عام 2013-2014، والسبب الاساسي لعجز ميزان المدفوعات كان تهريب المشتقات النفطية المدعومة الى سوريا من دون الحصول على قيمتها سوى لمضارب سوري من اهل النظام حينذاك.
ازمتنا مستحكمة بقرارات الحكومة، حتى عندما كانت حكومة مسؤولة وتحوّلت الى حكومة تصريف اعمال، واعلن رئيسها آنذاك وبعد 3 اشهر على توليه رئاسة الوزراء انه توصل مع فريقه الى حل 97% من الازمة، في حين ان جهله بأمور الاقتصاد، وجهل وزيرة العدل التي اعتبرت عدم تسديد فوائد اليوروبوندز انجازًا، اسهما من دون شك في اغراق الاقتصاد اللبناني في ازمته المستحكمة، والامثال كثيرة، وسنكتفي بالإشارة الى الممارسات المصرفية التي تتآكل ودائع الزبائن التي انخفضت من 142 مليار دولار في نهاية 2019 الى 102 ملياري دولار حاليًا. والمصارف بقيادة رئيس عُيّن سياسيًا، استولدت ممارسات تآكلت الثقة بالمصارف، والقضاء توقف عن اصدار أحكام لمصلحة المودعين، فانحسر النشاط الاقتصادي وحجم عمليات المقاصة للشيكات الى 20% مما كان عليه.
اخيرًا سمعنا بقرارات من قاضية محترمة بالحجز على املاك رؤساء مجالس ادارة مصارف معيّنة اعتبرت انهم ساهموا في تسهيل التحويلات.
من غرائب الامور ان قرارات الحجز طاولت السيدة ريا الحسن رئيسة مجلس ادارة “بنك البحر المتوسط”، وهي وإنْ كانت عضوا في مجلس الادارة، إلا أنها لم تتولَّ الرئاسة قبل القرار بفترة تسمح بارتكاب اخطاء، علمًا انها كانت تصب جهودها على معالجة اخطاء مَن سبقها، اي وزير الاقتصاد حاليًا الذي اصبح موظفًا في بنك لبناني في قبرص، واكبر مرتكب للأخطاء بالنسبة الى شؤون الدعم والتحقيق في مجريات جريمة تفجير المرفأ.
والقاضية المحترمة حقًا اصدرت قرارًا بالحجز على اسهم وموجودات ريمون عوده، الرئيس الفخري لبنك عوده، علمًا ان الرئيس الفعلي للبنك هو السيد سمير حنا، وهو المسؤول عن اوضاع البنك، كما ان الحجز على اموال طارق خليفة واملاكه اعطاه صفة ليست له، اي رئيس لبنك Credit Libanais الذي لا يشكو من اي مرض، ورئيسه كان ولا يزال من خيرة المصرفيين، والخطأ كان في التباس بالاسم فحسب. فطارق خليفة رئيس بنك Credit Bank هو اساسًا مهندس وغير مهيأ للعمل المصرفي الفعلي.
المصدر: لبنان 24