مر تنظيم داعش بأطوار مختلفة وتقلبات كبيرة، وتعرض لظروف متباينة منذ ظهوره بنواته الأولى التي كانت جماعة ما تعرف بـ"التوحيد والجهاد" بقيادة الأردني أبو مصعب الزرقاوي، ثم قاعدة العراق، ثم ما يسمى بـ"مجلس شورى المجاهدين"، وصولا إلى الخلافة المزعومة على يد أبو بكر البغدادي.
استطاع التنظيم السيطرة على مناطق كثيرة في العراق وسوريا، أهمها مدينة الموصل العراقية التي جعلها عاصمة له، ما مكنه من التقدم خطوات أثناء مرحلة سيطرته على مدن عراقية وسورية.
عاش التنظيم أيضا مراحل جعلته ضعيفا مكسورا لا يقوى على شيء، يحاول أن يبدأ من جديد، ما جعله ينكفئ على نفسه ويختفي، ولو بصورة مؤقتة، البعض فسر هذا التصرف انكفاء وانزواء على النفس، أو اختفاء أشبه بتكتيك جديد لإعادة إنتاج عناصره، وخصوصا بعد الهزائم الكبيرة التي مُني بها في العراق وسوريا.
"مراجعة الثغرات"
في هذا الخصوص، يؤكد المحلل الاستراتيجي والخبير في شؤون الجماعات المسلحة هشام الهاشمي في حديث خاص له مع "العربية نت" أن التنظيم اليوم ليس في مرحلة تكوين جيل جديد، إنما يعيش داعش هذه الأيام مرحلة تكوين وإعادة تمهيد، بالتالي لا يحتاج التنظيم في هذه الفترة إلى أنشطة إرهابية واسعة، بل يذهب إلى تقليل الموارد البشرية، والاعتماد على موارد محدودة كي لا تستهدف من قبل الاستخبارات وأجهزة مكافحة الإرهاب، وبنفس الوقت جماعات صغيرة يمكن أن تقوم بواجبها بعيدا عن الاستهداف بعمليات عسكرية أو عمليات خاصة.
كذلك أكد الهاشمي أن هذا يعد تكتيكا مدروسا من التنظيم، لا يدل على ضعفه أو انهياره، بل يشير إلى أن التنظيم في دور الهيكلة والتمهيد، وهي إحدى أهم المراحل التي قد تشكل انعطافا مهما لمراجعة الثغرات، وأسباب الهزائم السابقة.
"المقاتل الشبح"
كذلك أضاف الهاشمي أن الانكفاء والانزواء هو جزء من الاستراتيجية التي تعني القتال بطريقة المقاتل الشبح، وتعتمد على التمهيد للانتقام، تنتقل من مرحلة المناطق المفتوحة إلى أحزمة المدن والأحزمة الريفية للمدن الحضرية، ومن ثم التوغل إلى المناطق الحضرية.
وبالتالي يريد داعش الحفاظ على الشخصيات التي تكوّن النواة الصلبة الجديدة في الهيكل التنظيمي له، وبالتالي سيكون التنظيم ملزما بالمحافظة على قياداته.
"اختفاء ولايات ثم هيكلة"
أيضا، أشار الهاشمي أن تنظيم داعش في العراق وسوريا شمل 19ولاية، كما كان يسميها، واليوم أصبح له بالعراق ولاية واحدة تسيطر على 11 قاطعا، وفي سوريا أصبحت ولاية واحدة بستة قواطع، بالتالي استبدل داعش كلمة ولاية بكلمة قاطع، ما يدل على تقليل الموارد البشرية المالية، والإدارية، ما ينذر بقراءة جديدة، وتراجعات وإصلاحات، ولملمة لجراح أصابته في العام 2017.
"القادسية الداعشية"
من جانبه، قال الخبير الأمني والباحث الاستراتيجي في شؤون الجماعات المسلحة فاضل أبو رغيف، إن أول خطوة خطاها التنظيم في العمل الجديد تمثلت بتحويل تسمية "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام"، إلى ولاية الشام وولاية العراق، أردفها التنظيم بهيكلة الولايات، بحسب تعبيره.
وأضاف أبو رغيف أن التنظيم عاد مرة أخرى وشكل فرقة خاصة في ديالى أسماها فرقة القادسية، وهي فرقة كان يرأسها المدعو قصي مخيلف الدجيلي مكونة من 2000 مقاتل، وهو من منطقة يثرب جنوب صلاح الدين، حيث ألقي القبض عليه، وتم تفكيك الفرقة التي كانت تعمل بأسلوب الفيالق والأفواج والألوية لكن بطريقة خيطية، أي بمعنى أنه لا يمكن الاستدلال أو الاهتداء إلى بعضها دون بعضها الآخر.
كذلك أكد أبو رغيف في حديثه أن عمل التنظيم ارتكز على أمور عدة منها، الاتصال غير المباشر، وعدم الالتقاء ضمن اجتماعات، وجعل اللقاءات تتابعية غير تسلسلية، فضلا عن اضمحلال الكفالات داخل التنظيم، والتي تعني الرواتب، وبدء التواصل مع أعضاء التنظيم بصورة غير متسلسلة.
من جهة أخرى، أشار أبو رغيف إلى أن التنظيم سبق له وأن حرم عمل النساء في هيكليته وعمله، إلا أنه عاد مرة أخرى وحض النساء لحمل الأسلحة الكاتمة، فضلا عن الأحزمة الناسفة في صلاح الدين.
"الاختفاء والمد الأميبي"
انتقل التنظيم من مرحلة التمكين إلى مرحلة الاختفاء، ومن مرحلة الاختفاء إلى مرحلة المد الأميبي، ويعني أن يقوم التنظيم بعمليات فردية لا ترتبط بالهيكليات العليا والإدارات الفقهية والشرعية. حيث يغيب عنها المفتي، إلا أنهم يعملون بأسلوب التواصل عن بعد، بمعنى أن هناك تحكما عن بُعد بهذه الأمور، يتم اهتداؤها بشخص واحد يقوم بإلقاء إيعازات وأوامر في أماكن محددة لا يلتقي بهم ولا يلتقون به، إلا أنهم يتواصلون عبر أنظمة معقدة جدا.
مرحلة جديدة
إلى ذلك نوّه أبو رغيف إلى أن التنظيم لم يضعف، ولم ينكفئ، وهو اليوم على أعتاب مرحلة جديدة سيتم خلالها تنفيذ عمليات نوعية رغم تفكيك اختراقه وتفكيك أفراده.
وأكد أبو رغيف أن التنظيم ولأول مرة يقوم بإصدارات وهمية غير حقيقية ولا أساس لها من الصحة، وهو دليل على عجزه عن أن يقوم بإصدار فيديو حقيقي له، ما يعني أن التنظيم في مرحلة جديدة من الالتزام والانضباط الشرعي على اعتبار أنه كان في السابق ينضبط شرعيا، أما الآن لم يعد يملك القدرة على الانضباط الشرعي، كما أن موارده قلّت إن لم تكن نضبت، وأصبح عاجزا عن تسويق نفسه بطريقة جيدة.
وسيتحرك التنظيم للعمل الاقتصادي، فهو يستحدث الولاية الاقتصادية، التي ستكون بديلة عن ولاية الزكاة وإمارة الحسبة، وسيتفرغ لجمع الأموال بطريقة جديدة عبر التواصل مع شركات التسويق النفطي، كذلك يحاول إيجاد معارف جديدة وأبراج اتصالات لأن التنظيم يسعى للتواصل مع أبراج الاتصالات كي يفرض عليها إتاوات، بعد أن أخفقت محاولتهم في فرض إتاوات على أصحاب المزارع والمحاصيل الزراعية، وعندما رفض أصحاب المحاصيل والمزارعين مطاوعته، حرق التنظيم المحاصيل الزراعية.