رتب القيمون على NASA كل المهم تقريباً، لتكون زيارة أول إنسان للقمر على قدر المهمة التاريخية التي يحتفل العالم السبت المقبل بمرور 50 سنة على نجاحها، ودفعت بهم دقة الترتيب إلى درجة أنهم أعدوا خطابين ليلقي أحدهما للأميركيين والعالم من كان في 20 يوليو 1969 رئيساً للولايات المتحدة، وهو الراحل فيما بعد ريتشارد نيكسون: واحد للتهنئة والتعبير عن الفرح والفخر يلقيه في اليوم التالي لإتمام Apollo11 مهمتها، والآخر نعي من صفحتين وأسى وحزن عميق على الرواد، فيما لو أخبروه بفشل المهمة ومقتل الرائدين على سطح الجرم الأقرب للأرض.
الخطابان أعدهما الصحافي William Safir المكلف بكتابة خطابات الرئيس ذلك الوقت، والراحل في 2009 ضحية بعمر 79 سنة لسرطان البنكرياس، وفقاً لما ألمت "العربية.نت" من سيرته، في معرض مطالعتها على الخطابين اللذين أرسلهما سافير في 18 يوليو إلى Harry Haldeman مدير الموظفين بالبيت الأبيض وكبيرهم، ليضعهما بعد يومين على طاولة نيكسون في الصالون البيضاوي: خطاب الفخر والفرح فوق، وتحته الناعي الحزين.
ونجد في آخر الخطاب الثاني، أن سافير أشار إلى ضرورة أن يقوم الرئيس "بالاتصال هاتفياً بأرملة كل رائد" قبل إلقاء كلمته الناعية. كما أن تعلن "ناسا" فقدانها الاتصال بالرواد بعد إلقاء الرئيس خطابه. أما الدفن، فيتم بالطريقة المعتمدة في "دفن" القتلى بالبحار، لترقد أرواحهم بسلام "في أعمق أعماق" وفق التعبير المستخدم في الصلوات الدينية على وداع من يكون البحر مثواه الأخير، إلا أن ما حدث كان العكس تماماً، فبدل أن ينعى نيسكون الرائدين، نسمعه في الفيديو المرفق يتحدث إليهما من هاتف البيت، فيبادلانه الحديث من القمر.
واعتبر الخطاب أن من قد ينتهي قتيلاً لسبب ما، هما الرائدان اللذان هبطا على سطح القمر Neil Armstrong الراحل قبل 6 أعوام، وزميله Edwin Aldrin الحي بعمر 89 سنة حالياً. أما الرائد الثالث Michael Collins البالغ الآن 88 عاماً، فاستثناه خطاب النعي من الموت، لأنه بقي في كبسولة دائرة حول القمر، وكان بإمكانه العودة بها وحيداً إلى الأرض والنجاة، لذلك احتاجت ترجمة الخطاب التي تنشرها "العربية.نت" أدناه، إلى قليل من التصرف الضروري لجعل الحديث عن "رائدين" بدل "رواد" بالجمع في بعض العبارات، والخطاب شاعري الطراز إلى حد كبير، وهو يقول:
"شاء القدر للرجال الذين مضوا إلى القمر لاستكشافه بسلام، أن يبقوا هناك وترقد أجسادهم فيه إلى الأبد. هؤلاء الرجال الشجعان، نيل أرمسترونغ وإيدوين إلدرين، يدركان أنه لا أمل باستعادتهما (من هناك) لكنهما يعلمان أيضاً أن تضحياتهما تعطي الأمل للبشرية، لأن حياة هذين الرجلين ذهبت في سبيل أكثر الأهداف الإنسانية نبلاً: البحث عن الحقيقة والمعرفة. ستبكيهم عائلاتهم وأصدقاؤهم، وسيبكيهم وطنهم، وكل شعوب العالم. ستبكيهم الأرض الأم، التي جرأت على إرسال اثنين من أبنائها إلى المجهول. في استكشافهم، أثاروا أبناء الأرض ليشعروا بأنهم واحد، وفي تضحيتهم، وثقوا رباط الأخوة الجامع الإنسان بأخيه الإنسان".
"نظر البشر في الأزمنة الغابرة إلى النجوم ورأوا أبطالهم في كوكباتها، والشيء نفسه نفعله اليوم، إلا أن أبطالنا هم رجال أساطير من لحم ودم، وآخرون سيلحقون بهم، وحتماً سيجدون طريق العودة إلى الوطن، وبحث الإنسان لن يتوقف، وهؤلاء الرجال كانوا الأوائل، وسيبقون الأوائل بقلوبنا.. كل إنسان ينظر إلى القمر في الليالي المقبلة، سيعلم أن هناك في ركن ما من عالم آخر، ما هو للأبد إنسان".
لحسن الحظ، لم يلق نيكسون ولا أي رئيس غيره هذا الكلام في أي مناسبة، لأن "أبولو 11" تكللت بنجاح لا يزال باهراً للألباب، لذلك أهملوا الخطاب الناعي وطواه النسيان في "الأرشيف الوطني" الأميركي، إلى أن عثر عليه موظف فضولي فيه، وفقاً لما قرأت "العربية.نت" بوسائل إعلام أميركية عدة، وفيها أنه ظهر لأول مرة في 1999 حين كانت المناسبة مرور 30 سنة على الهبوط البشري الأول على القمر، وتذكروه ثانية الآن مع مرور 50 عاماً، وسيتذكرونه دائماً.