كشف جيرارد فيسبيي، الباحث المشارك في مؤسسة دراسات الشرق الأوسط (FEMO)، ورئيس المجالس الاستراتيجية، في صحيفة لاتريبون الفرنسية عن أسباب ردة فعل إيران والتي تمثلت مؤخرًا بعملياتها التخريبية في المياه الإقليمية في المنطقة مُرجعًا السبب في ذلك إلى القرار الأميركي بخفض صادراتها النفطية إلى الصفر. إذ تود إيران من خلال هجماتها تلك أن توصل رسالة إلى أعدائها وتستعرض قوتها لتتصدى للحرب الاقتصادية تجاهها.
فمنذ صدور القرار الأمريكي بخفض صادرات إيران النفطية إلى الصفر في نوفمبر، دخل الشرق الأوسط في لعبة عالية المخاطر. وما إن انتهت في بداية شهر مايو، فترة الستة أشهر التي مُنحت لمُشتري النفط الخام الإيراني حتى تمخضت ردة فعل طهران الأسبوع الماضي.
ولكي تعترض إيران الحرب الاقتصادية التي دُبرت لها، فهي مُستعدة لتجاوز الخط الأحمر، حتى لو كلفها نشوب انفجار إقليمي. مرة أخرى يظهر فيها الشرق الأوسط بمثابة فتيل جاهز للاشتعال. لنستقرئ التحديات:
التحدي الاقتصادي: إيرادات سنوية تُقدر بـ 25 مليار
من خلال التوقيع على اتفاقية 14 يوليو 2015، المتعلقة بالطاقة النووية الإيرانية (JCPOA، خطة العمل الشاملة المشتركة)، ارتفع معدل إنتاج النفط الإيراني من 3.4 مليون برميل إلى 4.4 مليون برميل يوميًا. ما أسهم بزيادة الصادرات من 1.5 إلى 2.5 مليون برميل في اليوم. ومع اقتراب سعر البرميل إلى 65 دولارًا، شهد نظام الملالي ارتفاعًا في إيراداته بمقدار ملياري دولار شهريًا.
بيد أن دفعة العقوبات الأمريكية الأولى جاءت لوضع حد لهذا الازدهار الاقتصادي لتعود بذلك الصادرات الإيرانية إلى سابق عهدها في عام 2015. وسيؤدي انتهاء صلاحية الاستثناء مؤخرًا، وهو بند إعفاء يسمح لـثمانية دول مواصلة شراء النفط الإيراني لمدة ستة أشهر، إلى وقف الصادرات الإيرانية تمامًا. سعيًا إلى حرمان النظام من المكاسب الهائلة، والحيوية كذلك، المُتمثلة في: 25 مليار دولار في السنة.
الرد الإيراني
قررت طهران إرسال رسالة واضحة ظرفية وغير مباشرة - لمواجهة أي تحدي من هذا النوع قد يُهدد الاقتصاد الإيراني، ومن ثم بقاء النظام المُستبد - إلى منتقديها الإقليميين والدوليين من خلال أحد وسطاءها ووكلائها: جماعة الحوثي المتمردة في اليمن.
التي استهدفت اثنين من جيرانها: دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية أكبر مصدري النفط، اللتان كانتا على استعداد للإحلال محل ما تمت خسارته من قبل الصادرات الإيرانية.
إذ تعرضت يوم الأحد أربعة ناقلات نفطية لعمليات تخريبية قبالة ميناء الفجيرة على مياه الإمارات العربية المتحدة الإقليمية. واحدة من السفن كانت نرويجية، وأوجز اتحاد شركات التأمين ضد مخاطر الحرب النرويجية (DNK) تحليلًا عنها خلُص إلى أن الهجوم شنته سفينة سطحية على الأرجح تعمل مع طائرات بدون طيار تحت الماء تقل على متنها 30 إلى 50 كجم من المتفجرات. ويتوقع (DNK) تورط الحرس الثوري الإيراني المحتمل في هذه الهجمات مقارنة بعمليات مُشابهة أخرى.
أما في يوم الأربعاء، هاجمت طائرات بدون طيار منشآت نفطية سعودية. لم يكن الوكلاء المُعينين ميليشيات شيعية عراقية بل المتمردين الحوثيين الذين تبنوا هجوم الطائرة بدون طيار على خطوط أنابيب النفط. هؤلاء المتمردون هم الذين أطاحوا بالحكومة الشرعية في اليمن واستولوا على العاصمة صنعاء في عام 2014 بدعم من طهران. وهم ذات المتمردون الذين شاركوا في افشلل اتفاقيات السلام اليمنية.
تحليل الرسالة
بالنسبة للنظام الإيراني كان لهذه الهجمات ثلاثة أهداف: أولاً، إفهام العدو ضرورة منحها الحرية الكاملة في بيع نفطها. كما تود طهران إثبات أن الشحنات القادمة من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ليست مضمونة، ويمكن إيقافها.
أما الهدف الثاني فيظهر في الرسالة الضمنية التي لا تقل أهمية عن هدفها السابق موجهةٌ إلى عملاء إيران الحاليين لا سيما الصين والهند: "لا تتجهان نحو المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، فضمان إمداداتكم معنا". لقد كانت مهمة وزير الخارجية الإيراني ظريف في هذين البلدين خلال الأسبوع نفسه واضحة.
ثالثًا، رسالة إلى الولايات المتحدة مفادها أنظروا ما حدث من ارتفاع مُتذبذب في أسعار النفط الخام بعد هذه الأعمال التخريبية من الدرجة الأولى، فكيف ستكون العواقب عليها بعد ضربات أكثر قوة من الدرجة الثانية: عواقب وخيمة أكثر بكثير على أسعار النفط مما يضر باقتصاد الولايات المتحدة وبالاقتصاد العالمي.
قوة رسالة ضعيفة
على الرغم من أن هذه الهجمات لم تسفر عن خسائر مباشرة وما زالت آثارها على اقتصاد الخليج طفيفة لكن ردة الفعل الإيرانية كانت في واقع الأمر قوية جدًا لأنها أحدثت حالة من عدم اليقين وتُنبئ بمخاطر كبيرة جدًا.
في حين كان مُتوقعًا من النظام الإيراني أن يُهاجم القوات الأمريكية في العراق، تحرك مرة أخرى هنا بصورة غير متوقعة. وفيما خشت الولايات المتحدة على الأرجح من عمليات عسكرية - سياسية تجاه مراكزها ومصالحها في المنطقة، إلا أن العمليات استهدفت الجانب النفطي - العسكري. إن عنصر المُفاجأة هو القاعدة الأولى في استراتيجية الحرس الثوري.
وبغض النظر عن الضرر المحدود تبقى المشكلة كبيرة بحد ذاتها، طالما أنها تمس بشكل أو بآخر استقرار إمدادت النفط وأمنه في جزء كبير من العالم: فـ 20٪ من نفط العالم يمر عبر مضيق هرمز.
يبدو أننا نعيش منذ أيام معدودات تصعيدًا جاداً للغاية في ميزان القوى بين الحكومة الأمريكية ونظام طهران. ورغم صعوبة التنبؤ بما يُخبئه هذا التصعيد، من المؤكد أن تصرفات طهران ليست سوى خبرًا سيئًا في منطقة تعاني أساسًا من توترات شديدة.