قبل أسابيع من استسلام اليابان ونهاية الحرب العالمية الثانية يوم 2 أيلول/سبتمبر 1945، التقى كل من القائد السوفيتي جوزيف ستالين والرئيس الأميركي هاري ترومان ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل لآخر مرة بمؤتمر بوتسدام خلال شهر تموز/يوليو 1945.
وشهد هذا المؤتمر تزايدا واضحا في حدة الخلافات بين الجانب الأميركي والسوفيتي حول مسائل عديدة منها، مستقبل بولندا وألمانيا وهو ما هدد بقرب بداية نزاع آخر مع نهاية الحرب العالمية الثانية.
ولمراقبة التحركات والنوايا الأميركية المستقبلية ضد الاتحاد السوفيتي، عمد جوزيف ستالين للاستعانة بواحدة من أغرب تقنيات التجسس التي عرفها التاريخ.
يوم 4 آب/أغسطس 1945، أهدى أطفال سوفيت منتمون لمنظمة اتحاد رواد فلاديمير لينين، الملقبون أيضا بالرواد الصغار، تراوحت أعمارهم بين 9 و15 عاما للسفير الأميركي بموسكو أفيريل هاريمان (Averell Harriman) مجسّما خشبيا دائري الشكل نحت عليه شعار الولايات المتحدة الأميركية المعروف أيضا بختم الولايات المتحدة العظيم.
في الأثناء، تلقى الدبلوماسيون الأميركيون هذه الهدية برحابة صدر واعتبروها تأكيدا على العلاقة الجيدة التي تربط بلادهم بالاتحاد السوفيتي.
وتزامنا مع ذلك، ثبّت السفير الأميركي أفيريل هاريمان هذه الهدية القيمة على الجدار الموجود خلف مكتبه بمكتبة إقامة السفراء الأميركيين بمنزل سباسو (Spaso House) بالعاصمة السوفيتية موسكو.
لم تكن هدية الأطفال السوفيت للسفارة الأميركية هدية عادية، حيث احتوى المجسم الخشبي الذي نحت عليه شعار الولايات المتحدة على جهاز تنصّت متطور.
وبشكل لافت للانتباه، افتقر جهاز التجسس لبطارية فقد تطلب تشغيله ذبذبات معينة من جهاز إرسال خارجي موجود بعربة على مقربة من مقر إقامة السفير.
وما أن يباشر المجتمعون داخل إقامة السفير تبادل أطراف الحديث حتى يبدأ غشاء جهاز التنصت بالاهتزاز بفعل الموجات الصوتية،ليرسل بذلك إشارات للفريق الموجود بعربة المراقبة، وينقل بالتالي كل نقاشات وحوارات السفير الأميركي وضيوفه.
بفضل هذه الطريقة البسيطة، ظل الجهاز السوفيتي مخفيا طيلة 7 سنوات بإقامة السفير الأميركي، فضلا عن ذلك فشل الخبراء الأميركيون في اكتشافه أثناء أبحاثهم الدورية عن أجهزة التنصت والتجسس بالمكان.
استمر السوفيت في استغلال هذا الجهاز والتنصت على السفير لحدود العام 1952.
وفي إحدى المرات، تمكّن عامل راديو بريطاني من التقاط إشارات الجهاز بمحض الصدفة أثناء فترة استخدامه من قبل مسؤولي المخابرات السوفيتية.
ودون قصد، نقل الرجل البريطاني بالخطأ الحوار داخل إقامة السفير على إحدى إذاعات الراديو المحلية.
وما أن تكررت هذه الحادثة مع أحد مختصي الراديو الأميركيين، حتى بدأ تحقيق أميركي بريطاني موسّع أسفر في النهاية عن العثور على جهاز التنصت السوفيتي.
احتفظ الأميركيون بجهاز التنصت السوفيتي، وفضّلوا إجراء أبحاث عليه والتستر عن حادثة التجسس التي استمرت 7 سنوات.
وعلى إثر حادثة طائرة التجسس الأميركية يو 2 التي أسقطت فوق الأراضي السوفيتية عام 1960 واتهامهم بالتجسس من قبل المسؤولين السوفيت، ردّ الأميركيون بكشف جهاز التنصت السوفيتي لوسائل الإعلام.