مقارنة بفرنسا وبريطانيا، حلت الإمبراطورية الألمانية متأخرة بالسباق الاستعماري، حيث كانت مقسمة لمجموعة من الدويلات قبل أن تعرف وحدتها عام 1871 على يد المستشار الحديدي، أوتو فون بسمارك.
ومارست ألمانيا، عقب نشأتها، سياسة خارجية عرفت بالواقعية السياسية (Realpolitik) سعت من خلالها للحفاظ على موازين القوى بأوروبا وخدمة مصالحها الاقتصادية والصناعية وانتهجت سياسة توسعية محدودة ولعبت دور الوسيط لفض النزاعات بأوروبا.
لكن مع صعود القيصر، فيلهلم الثاني، عام 1888 وإقالة بسمارك من منصب المستشار، غيرت ألمانيا من سياستها لتعتمد على برنامج السياسة العالمية (Weltpolitik)، الذي سعى من خلاله فيلهلم الثاني إلى جعل بلاده قوة عالمية. ودفع القيصر الجديد بألمانيا نحو سباق تسلح، وما فتئ يطالب بإعادة اقتسام العالم لتمكين ألمانيا من حصة عادلة من المستعمرات.
وخلال هذه الظروف العالمية التي مهدت لاندلاع الحرب العالمية الأولى، وضع الألمان خطة لضمان مصالحهم بالقارة الأميركية، حيث أصر فيلهلم الثاني على ضرورة القيام بعمل عسكري ضد الولايات المتحدة لوقف صعودها كقوة عالمية وكبح جموح نموها الاقتصادي.
وتخوف الألمان على مصالحهم بالمحيط الهادئ، بالتزامن مع استعداد أميركا لضم هاواي لممتلكاتها وحفر قناة بنما لربط المحيطين الهادئ والأطلسي.
وأوكل القيصر الألماني مهمة إعداد خطة الهجوم على الولايات المتحدة للاستراتيجي في صفوف البحرية، إيبرهارد فون مانتي، البالغ من العمر 28 عاماً حينها. وفي العام 1897، قدم فون مانتي خطته، التي تضمنت هجوماً بحرياً على أحواض صناعة السفن الأميركية بنورفولك وهامبتون راودز ونيوبور نيوز.
إلا أنه قبل بداية التحرك الألماني، اندلعت الحرب الأميركية الإسبانية عام 1898 وأدت عقب نهايتها لزيادة حجم الأسطول الأميركي بكل من المحيط الهادئ والأطلسي ووقوع كوبا في قبضة الأميركيين لتتبخر بذلك أحلام القيصر فيلهلم الثاني في تحويل هذه الجزيرة الواقعة بالكاريبي لقاعدة عسكرية ألمانية.
ولمجابهة هذا التطور، وضع فون مانتي خطة ثانية قرر من خلالها القيام بإنزال بحري عند شواطئ منطقة كيب كود والزحف على كل من بوسطن ونيويورك. واتجه الألمان لشن قصف بحري على مدينة نيويورك.
وعقب تلقيه تقارير أكدت التفوق البحري الألماني، استحسن القيصر الخطة الثانية لفون مانتي ووافق على تجهيز نحو 65 قطعة حربية بحرية و60 ناقلة جند، إضافة لما يقارب 100 ألف جندي لإنجاح التدخل العسكري ضد الولايات المتحدة وإجبار رئيسها، ثيودور روزفلت، على الجلوس إلى طاولة المفاوضات لإبرام صفقة تخدم مصالح الألمان بالمنطقة.
غير أن هذه الخطة اصطدمت بمعارضة المارشال ألفرد فون شليفن، قائد هيئة الأركان بالجيش الألماني، حيث راسل القيصر ليؤكد له إمكانية إخضاع بوسطن بنحو 100 ألف جندي واستحالة السيطرة على نيويورك التي يبلغ عدد سكانها 3 ملايين نسمة.
وتزامناً مع تواصل سباق التسلح البحري بين ألمانيا وبريطانيا، تلقى فيلهلم الثاني مزيداً من الخطط لمهاجمة الولايات المتحدة. كما زوّد أحد الدبلوماسيين الألمان بواشنطن بلاده بمعلومات هامة عن المواقع المثالية لعمليات الإنزال البحري.
وعام 1906، تخلت ألمانيا رسمياً عن فكرة التدخل العسكري بالولايات المتحدة، حيث أدرك القيصر خطورة مهاجمة "بلاد العم سام"، عقب تلقيه تقارير أكدت له امتلاك الأميركيين قوة بحرية متقدمة لا يستهان بها.