منذ استقالة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في أبريل/نيسان الماضي إثر موجة احتجاجات غير مسبوقة في الجزائر، فتح القضاء في البلاد العديد من التحقيقات في وقائع فساد استهدفت خصوصا مقربين من الرئيس المستقيل.
وفي التفاصيل، تم توقيف العديد من رجال الأعمال الذين اشتبه في صلات معظمهم بالرئيس السابق أو بطانته بغرض الحصول على صفقات عمومية.
وطالت التوقيفات في الآونة الأخيرة مسؤولين كباراً سابقين، خصوصا رئيسي وزراء سابقين ووزيرا سابقا، إضافة إلى سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس المستقيل ومسؤولين كبيرين سابقين في أجهزة المخابرات.
"المساس باقتصاد الوطن"
أودع الجنرال الجزائري المتقاعد، علي الغديري، المرشح السابق للانتخابات الرئاسية، منذ أيام السجن بداعي "المساس بالاقتصاد الوطني ومعنويات الجيش"، بحسب ما أفاد به مكلف بالإعلام لدى الغديري.
وأضاف نبيل معيزي، "اتهم علي بالمشاركة في تسليم عناصر أجنبية معلومات تمس بالاقتصاد الوطني. وبالمشاركة في زمن السلم في مشروع يهدف للمساس بمعنويات الجيش بغرض الإضرار بالأمن الوطني"، دون توضيح الوقائع التي يؤاخذ بشأنها.
علي الغديري رجل حديث عهد بالسياسة وبدون تنظيم وغير معروف لدى الرأي العام الجزائري، دخل بقوة الساحة السياسية في نهاية 2018، وذلك بعد تصريحات متواترة تحدث فيها عن السعي "للقطيعة مع النظام" و"إرساء جمهورية ثانية" وتقديمه ملف ترشح للانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في 18 نيسان/أبريل 2019 في مواجهة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
وفي نهاية 2018، أثار الغديري غضب رئيس أركان الجيش الجزائري بسبب دعوته ضمنا لمنع ولاية خامسة لبوتفليقة.
سلال وبن يونس.. "مزاعم فساد"
وأيضا، أمرت المحكمة العليا الجزائرية، منذ أيام بإيداع وزير التجارة السابق عمارة بن يونس الحبس المؤقت فيما يتصل بمزاعم فساد.
وكان الوزير السابق بن يونس، من بين من يُعول عليه ليكون رافدا للرئيس بوتفليقة من خلال تنشيط تجمعات في منطقة القبائل ولدى الجالية الجزائرية بالخارج، كما كان من أكبر قادة الحملات الانتخابية لبوتفليقة باعتبار حزبه ضمن التحالف الرئاسي.
إلا أنه كان من أكثر المترددين في إعلان دعمه للعهدة الخامسة، وأرجأ ذلك إلى الأيام الأخيرة التي تأكد فيها فعليا من أن بوتفليقة يريد الترشح.
بن يونس شغل عدة مناصب وزارية بين 1999 و2015، آخرها وزارة التجارة.
لنفس التهمة، ذكر التلفزيون الحكومي أن المحكمة العليا الجزائرية أودعت رئيس الوزراء السابق، عبد المالك سلال، الحبس المؤقت بسبب مزاعم فساد.
يعد سلال واحدا من أقرب المقربين للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، الذين تحتجزهم السلطات منذ المظاهرات التي اندلعت في فبراير وتطالب بمحاكمة أشخاص يصفهم المحتجون بالفاسدين.
وشغل سلال منصب رئيس الوزراء، وكان مديراً لحملات بوتفليقة الانتخابية عدة مرات وهو رهن التحقيق في اتهامات بتبديد الأموال العامة.
و"الجنح" الأربع المتابع بها سلال وبن يونس، طبقا لقانون "الوقاية من الفساد ومحاربته"، وبحسب المحكمة العليا هي "منح امتيازات غير مبررّة للغير في مجال الصفقات العمومية" و"تبديد أموال عمومية" و"إساءة استغلال الوظيفة" و"تعارض المصالح".
أو يحيى الشخصية الأبرز.. "منح مزايا غير قانونية"
إلى ذلك، ذكر التلفزيون الرسمي الجزائري أن المحكمة العليا أمرت بإيداع رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى الحبس المؤقت بعد مثوله أمام أحد القضاة فيما يتصل بتحقيق في تهم فساد.
وقال التلفزيون الجزائري إنه سيتم التحقيق مع أويحيى، الذي رحل عن الحكومة في تعديل وزاري في مارس/آذار الماضي، في قضايا فساد منها "منح مزايا غير قانونية"، دون مزيد من التفاصيل.
وبهذا يصبح أويحيى أبرز شخصية تحتجز منذ اندلاع احتجاجات حاشدة هذا العام للمطالبة برحيل النخبة الحاكمة ومقاضاة الفاسدين.
ويتزعم أويحيى "حزب التجمع الوطني الديمقراطي"، ثاني أكبر الأحزاب الجزائرية. ويدعم "حزب التجمع الوطني الديمقراطي" الحكومة الجزائرية المؤقتة لكنه ليس جزءا منها.
"رقابة قضائية"
وأيضا، وضع وزير النقل والأشغال العمومية السابق عبد الغني زعلان تحت رقابة قضائية بناء على قرار قاضي التحقيق الذي مثل أمامه، بعدما كان أعلن في وقت سابق أنه تم إيداعه الحبس المؤقت.
وكان عبدالغني زعلان قد عيين في مارس/آذار الماضي مديرا لحملة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الانتخابية.
كان حينها وزير الأشغال في حكومة أحمد أويحيى ووالي وهران السابق، وأحد الإطارات الشابة في السلطة الجزائرية.
"رجل الظل".. حكم بالمؤبد
الشخصية الأهم، سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي فقد جاه السلطة، وأصبح ينتظر "في القفص" حكم القانون، في قضيّة لها علاقة بـ"التآمر على الجيش والحراك الشعبي"، قد تصل عقوبتها إلى السجن المؤبد.
سعيد الذي كان لسنوات كـ"رجل الظل" خلف شقيقه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وفرض سيطرته على مفاصل الدولة في الخفاء حتى أصبح هو من يقود البلاد، يخضع للتحقيق منذ مايو/أيار الماضي، بعد أن اعتقل برفقة كبيري مساعديه، الرئيسين السابقين لجهاز المخابرات توفيق مدين وبشير طرطاق، في قضية لها علاقة بنشاطاتهم خلال الفترة الأخيرة، المعادية للمؤسسة العسكرية وللحراك الشعبي.
خبر استقبله الشارع الجزائري بالترحيب والتهليل، احتفالا بتحقيق مطلب من مطالب الحراك الشعبي، وهو محاكمة رؤوس السلطة وبالأخصّ سعيد بوتفليقة، الذي يصفونه بـ "زعيم العصابة وأحد أهم رؤوس الفساد في البلاد".
دخل سعيد بوتفليقة إلى قصر الرئاسة قبل 20 سنة، بعدما ألحقه شقيقه الأكبر عبد العزيز بوتفليقة الذي فاز بالانتخابات الرئاسية عام 1999، مستشارا خاصا به، فأصبح يظهر بجانبه بانتظام في أغلب تحركاته الرسمية وزياراته الخارجية، لكنه كان بعيدا عن التناول الإعلامي والشعبي، رغم أنه أدار الحملة الانتخابية لشقيقه في عامي 2009 و2014، حين فاز بوتفليقة بفترتي رئاسة جديدتين.
ومنذ الوعكة الصحيّة التي ألمّت بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة منذ عام 2013، عندما تعرض إلى جلطة دماغية أقعدته على كرسي متحرك، صعدت أسهم سعيد بوتفليقة وتحوّل من مجرد صورة تظهر بجانب شقيقه الرئيس، إلى حديث الناس والإعلام والوسط السياسي المعارض، وأصبح ينظر إليه باعتباره الحاكم الحقيقي للبلاد، صاحب النفوذ الأكبر، الذي يتدخل في قرارات تعيين الوزراء والدبلوماسيين والولاة ومديري المؤسسات العمومية، وتنصيب موالين له في مواقع حسّاسة.
ومع بداية الحراك الشعبي وبعد استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بدأت تتكشف العديد من الحقائق، إذ لم يخف سياسيون وعسكريون أنهم كانوا يأتمرون بأوامر سعيد بوتفليقة (61 سنة)، باعتباره الحاكم الحقيقي للبلاد منذ العام 2013، وهو الذي يحوز على ختم الرئاسة، من بينهم الجنرال المتقاعد، حسين بن حديد، الذي أكد أن شقيق بوتفليقة الأصغر، هو المسؤول الرئيسي عن كل القرارات التي تصدر باسم رئيس البلاد، وهو من يقود "الأوليغارشية" المتمثلة في شبكات مالية تهيمن على القرار، وتسيطر على مجمل الصفقات والمشاريع.