سخرت الكاتبة في صحيفة "واشنطن بوست"، ليا كفاتوم، من الحفل الذي استضافته قطر في العاصمة واشنطن للاحتفاء بالصحافة الحرة، حيث شجبت الكاتبة هذا الحفل بسبب أن من تستضيفه هي دولة لا وجود لحرية الصحافة فيها، كما قالت الكاتبة.
وأكدت الكاتبة على ذلك من خلال نقلها لأقوال بعض من الحضور الذين كانوا يؤيدونها في أنه لا يمكن لدولة كهذه أن تُقيم حفلًا للصحافة الحرة.
وجاء في المقال الذي كتبته كفاتوم: كان الرواق المصنوع من الرخام ذو الثلاث طبقات في معهد الولايات المتحدة للسلام يضجُّ [بالحضور]. كانت الساعة تشيرُ إلى حوالي التاسعة مساء في الليلة التي سبقت عشاء مراسلي البيت الأبيض في شهر أبريل، وكنت في مناسبة لما قبل الحفلات والتي تقام في جميع أنحاء العاصمة. وكان هناك حوالي نصف دزينة من الطاولات التي تقدم مشروبات كحولية مجانية، وبعض طاولات البوفيه المليئة بالأطعمة التي تؤكل باليد. وكانت الموسيقى تعزف بمستويات تصمّ الأذن من قاعدة عالية يعتليها منسق أغانٍ (دي جي) في منتصف الأرضية وكان يعزف أغاني: برينس، وباكستريت بويز، ونسخة غير خاضعة للرقابة من أغنية "نو ليميتس" للفنان جي إيزي.
وقالت كفاتوم إنه "شارك في استضافة حفلة المدعوين فقط كل من صحيفة واشنطن ديبلومات، وهي صحيفة شهرية تخدم المجتمع الدبلوماسي. وشارك في الرعاية فريق دي سي يونايتد لكرة القدم، وشركة لونج آند فوستر العقارية. إلا أن مشاركا آخر في الاستضافة بدا كأنه غريبٌ للغاية ولا ينسجم [مع البقية]: ألا وهي حكومة قطر. وتم وصف المناسبة في بطاقة دعوة الحفلة بأنها وسيلة (للاحتفال بأهمية حرية وسائل الإعلام ونزاهتها، على الصعيدين الوطني والدولي). وتساءلت بدوري، كيف شعر الصحافيون وهم يحضرون حفلاً يحتفل بحرية الصحافة يشارك باستضافته بلدٌ لم يقترب سكانه عموماً والصحافة من الحرية؟"، على حد تعبير الكاتبة.
وأضافت الكاتبة: لهذا شرعتُ في البحث عن مراسلين للتحدث معهم. سألت شاباً يرتدي بدلة رمادية ويتكئ على طاولة: "هل أنت صحافي؟"، واتضح أنه لم يكن مراسلاً، إلا أنني سألته عن قطر وحرية الصحافة على أي حال، فرمقني بنظرة باهتة، وقال: "ليس لدي أي تعليق حول ذلك"، واستأذن قائلاً إنه بحاجة لتناول مشروب.
وأوضحت أنها ظلت تشاهد "تعابير وجوه الناس وهي تشتد. وحقيقةً فردود أفعالهم لم تكن مفاجئة. فلا أحد يحب أن يتم تحدي دوافعه. واقتربتُ من رجل آخر، أخبرني أنه سمسار عقاري. وقال إنه يحضر مثل هذه المناسبات بشكل متكرر، وقال مازحاً: "أنا أحب تبادل أطراف الحديث مع الأثرياء". ثم قال بعيدًا عن المزاح: "أنا لا أعتقد أنه ينبغي أن يكون الأمر على هذا النحو، وبالتأكيد أنا لا أريد أن يكون بلدي هكذا".
وقال شخصان، وفق ما سردت الكاتبة كفاتوم، عرَّفا عن نفسيهما بأنهما مراسلان في صحيفة واشنطن بوست، وقبل أن أتمكن من طرح سؤال قالا إنهما لا يستطيعان التحدث إليّ، ومن ثم قاما بجعلي أتحدث إلى صحافي تابع لمجلة بوليتيكو والذي قال بدوره: "أنا متأكد من أن هناك المزيد من الأشخاص هنا مؤهلين للإجابة عن ذلك"، قبل أن يهرب.
وعلى ما قالت كفاتوم، فقد بررت آنا جويل، وهي مديرة التحرير في صحيفة واشنطن ديبلومات، أن هذه الأنواع من الأحداث لا تؤثر على مهنية الصحيفة. وكتبت في رسالة بالبريد الإلكتروني: "نحن نفتخر حقًا بطريقة فصلنا الصارمة بين الدين والدولة على مدار الأعوام الخمسة والعشرين الماضية إن صح القول و[نفتخر بـ] استقلال ونزاهة المحتوى التحريري".
وأوضحت كفاتوم أن قطر لم تكن مشاركة في الاستضافة أساساً، ولكنها أصبحت كذلك بعد انسحاب المملكة المتحدة – المستضيفة المشاركة لنسخة 2018 –في اللحظة الأخيرة. وادعت جويل أن البريطانيين انسحبوا "لأسباب مختلفة، بما في ذلك خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والصعوبات اللوجستية". (ولم تستجب السفارة البريطانية لطلبات الحصول على تعليق). لذلك قامت الصحيفة بالتعاون مع قطر بدلاً من ذلك. وعندما سألت جويل عن قرار صحيفة ديبلومات بالقيام بذلك، أجابت أن الصحيفة تدرك وجود دلالات سياسية مرتبطة بالشراكة مع بعض البلدان. وتقول إن البعض يحاولون العمل مع أكبر عدد ممكن من السفارات، بالنظر إلى أن الصحيفة مخصصة للمجتمع الدبلوماسي.
وقال جاسم بن منصور آل ثاني، الملحق الإعلامي لسفارة قطر، إن هذا أول حفل عشاء للمراسلين تستضيفه البلاد. وقال في رسالة بالبريد الإلكتروني: "وفي جميع الحالات، تعتمد مشاركتنا في الاستضافة على الغاية". وفيما يتعلق بما إذا كانت الغاية من هذه القضية لا تتماشى مع معاملة الحكومة للصحافة في الداخل، قال آل ثاني: "تعامل قطر وسائل الإعلام في قطر وحول العالم باحترام" و"تؤمن إيمانا راسخا في الصحافة القوية والعادلة والمستقلة". وأشار إلى أن البلاد هي البلد المستضيف لقناة الجزيرة، التي تشتهر بتقاريرها العدائية، على ما ذكرت كفاتوم.
إلا أنه وفي داخل قطر، قالت الكاتبة في الصحيفة الأميركية: "لا توفّر قناة الجزيرة وغيرها من وسائل الإعلام المحلية إلا كمية (محدودة للغاية) من التقارير الناقدة، كما تقول سابرينا بنوي، من مكتب (مراسلون بلا حدود) في الشرق الأوسط. وكانت (دوحة نيوز)، وهي صحيفة إلكترونية، تعمل بدون حرية لمدة سبع سنوات، وتناولت قضايا في قطر بلهجة ناقدة. لكن في عام 2016، حظرت الحكومة الموقع داخل البلاد. وتم إغلاق مركز الدوحة لحرية الإعلام، الذي أسسه أمير قطر منذ أكثر من عقد، بشكل مفاجئ في 16 أبريل، وفقًا لـ"مراسلون بلا حدود"، تتمتع الدولة (بنظام رقابة صارم)".
وزعم جاسم آل ثاني أنه "تم إيقاف عمل موقع الدوحة نيوز مؤقتًا لفشله في الامتثال لمتطلبات تسجيل الأعمال التجارية المحلية"، والآن يزاول الموقع أعماله مُجددًا. وأضاف جاسم قائلًا إنه على الرغم من إغلاق مركز الدوحة، إلا أن قطر تواصل "الاستثمار بشكلٍ كبير في المبادرات الرامية إلى حماية الصحافيين وتعزيز حرية الإعلام"، أضافت الكاتبة في مقالها.
وأشارت الكاتبة في "واشنطن بوست" إلى أنه "اعتُقلَ صحافيون في قطر، بمن فيهم مراسلٌ لموقع (بي بي سي) البريطاني الذي كان قد احتُجزَ لفترة وجيزة في عام 2015 أثناء عمله على تقديم تقارير عن وضع العمال المهاجرين".
وقال جاسم آل ثاني إن مُراسل موقع "بي بي سي" كان قد أجرى زيارات ميدانية من تلقاء نفسه وتم احتجازه بتهمة التعدي على ممتلكات خاصة.
ونقلت الكاتبة كفاتوم عن سارة ريبوتشي، وهي أحد كبار مديري قسم الأبحاث والتحليلات لدى منظمة فريدوم هاوس التي تعمل كمجموعة مراقبة مستقلة ومؤيدة للديمقراطية، قولها إن قطر "قمعية للغاية، ولا ينبغي الاستخفاف بذلك". وبشكلٍ عام، تُصنف المجموعة قطر باعتبارها دولة "لا حرية فيها للصحافة".
وجاء في المقال: كان غالبية الأشخاص الذين تواصلت معهم في الحفل يجهلون معاملة قطر لوسائل الإعلام. ومع مرور الليل، تحدثت إلى رجلٍ قال إنه كان يعملُ كخبير اقتصادي لدى البنك الدولي. لم يكن ذلك الرجل يكترثُ لتواجده في حدثٍ يُحتفلُ فيه بحرية الصحافة على يد بلد يُقيدُها. ولكن رفيقتهُ قالت إنها وجدت أنه لمن المُضجر أن يتسنى لدولٍ استبداديةٍ كقطر إقامةُ حفلاتٍ تحتفي بالصحافة في أماكن مثل الولايات المتحدة. إذ قالت: "إنهم يشترون السمعة. وهذا أمر غير جائز". ومن ثم طلبت هذه الفتاة مني عدم الإفصاح عن اسمها لأنها روسية وتخشى أن تتم معاقبتها إذا ما اكتشفت الحكومة [الروسية] أنها تحدثت بهذه الطريقة.
وختمت كفاتوم مقالتها أنه "وفي حوالي الساعة الواحدة صباحًا، كان الحفل على وشك الانقضاء. ولم تتجسد الإطلالة الموعودة لليزا فاندربامب – بطلة مسلسل "ذا ريل هاوس وايفز أوف بيفرلي هيلز"، والذي يُعرض على شبكة برافو التلفزيونية – على أرض الواقع أثناء الحفل، على الرغم من أن بطلتين من أبطال المسلسل، لنسختي "عرض بوتوماك وعرض نيويورك"، قد حضرتا إلى الحفل. والآن، يستعدُ السُقاة للرحيل. والموسيقى ما زالت تصدح في الأرجاء. وواصل عدد قليل من الضيوف الرقص، غافلين عن رجل يناور بممسحته على الأرض.