من الصين حتى أميركا… أزمات تهدد الاقتصاد العالمي

من الصين حتى أميركا… أزمات تهدد الاقتصاد العالمي
من الصين حتى أميركا… أزمات تهدد الاقتصاد العالمي

يهدد التضخم الأميركي وأزمة الطاقة في أوروبا التي تسببت بها الحرب الروسية الأوكرانية، وتفشي أوميكرون في الصين الاقتصاد العالمي، بدخول نفق ركود مظلم، تعبيرية/ رويترز

قبل عام واحد فقط كان الاقتصاديون في العالم يحتفلون بالانتعاش السريع من الركود الذي تسببت به جائحة كورونا، وهم الآن قلقون من أن الانكماش القادم الذي يلوح في الأفق سكون أكثر شدة؛ حيث يهدد التضخم الأميركي -أكبر اقتصاد في العالم- وأزمة الطاقة في أوروبا التي تسببت بها الحرب الروسية الأوكرانية، وتفشي أوميكرون في الصين الاقتصاد العالمي، بدخول نفق ركود مظلم.

في أميركا، يستعد الاحتياطي الفيدرالي لخوض معركة مع التضخم المرتفع عن طريق رفع أسعار الفائدة وتقليص ميزانيته العمومية. وتعمل الطاقة الباهظة الثمن في أوروبا على تقليص قدرة المستهلكين على الإنفاق وتجعل تشغيل المصانع أكثر تكلفة. وفي الصين أيضاً، أدى تفشي متحور أوميكرون إلى قيام السلطات بفرض أقسى عمليات الإغلاق منذ بداية الوباء.

وتقول مجلة Economist البريطانية إن هذا “المزيج السام” قاتم للنمو العالمي، وتبدو الآفاق مظلمة مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية التي وجهت صدمة قوية للاقتصاد العالمي، إذ يمكن أن تعاني العديد من الاقتصادات من الركود، وإن كان ذلك في أوقات مختلفة اعتماداً على العقبات التي تواجهها.

أصبح الاقتصاد في الولايات المتحدة اليوم محموماً، إذ إن المعدل السنوي لتضخم أسعار المستهلكين هو 7.9٪ والأجور بالساعة أعلى بنسبة 5.6٪ عما كانت عليه قبل عام. ويوجد في أميركا ما يقرب من ضعف عدد فرص العمل المتاحة للعمال العاطلين عن العمل، وهي أعلى نسبة منذ 70 عاماً.

وفي عام 2021، كان محافظو البنوك المركزية يأملون في عودة الأميركيين الذين تركوا القوة العاملة بعد تفشي الوباء، مما يساعد على تهدئة سوق العمل. في الأشهر الستة الماضية، تحقق ذلك، لقد عاد أكثر من نصف العمال.

ومع ذلك، فقد ارتفع نمو الأجور على أي حال، ربما لأن العمال يتفاوضون بقوة وجد، بينما يؤدي ارتفاع الأسعار إلى تآكل مستويات المعيشة.

ويحتاج بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى نمو الأجور والأسعار حتى يهدأ إذا كان سيصل إلى هدف التضخم البالغ 2٪، كما تقول مجلة الإيكونومست. ومن المتوقع أن ترفع أسعار الفائدة قصيرة الأجل، التي بدأت العام 2022 دون 0.25٪، إلى أكثر من 2.5٪ بحلول ديسمبر/كانون الأول 2022، وأن تستمر في رفع أسعار الفائدة فوق 3٪ في عام 2023.

هذا الأسبوع، تبع البنك المركزي خطة لتقليص برنامجه للتحفيز النقدي، فيما قال بنك الاحتياطي الفيدرالي إنه سيخفض حيازاته الضخمة من السندات بمعدل أقصاه 95 مليار دولار شهرياً، مما يزيد من تقييد الائتمان عبر الاقتصاد؛ حيث يرفع البنك المركزي أسعار الفائدة لتهدئة التضخم أعلى مستوى في أربعة عقود.

وبحسب الإيكونومست، فإن الضغط على المكابح النقدية، رغم ضرورته، يعرض النمو للخطر. ويشير التاريخ إلى أن الاحتياطي الفيدرالي يجد صعوبة في تهدئة سوق العمل دون دفع الاقتصاد في النهاية إلى الركود.

وحقق الاقتصاد الأميركي “هبوطاً ناعماً” ثلاث مرات فقط منذ عام 1945. ولم يفعل ذلك أبداً في الوقت الذي تكافح فيه معدلات تضخم عالية. يراهن مستثمرو السندات على أنه في غضون عامين سيضطر بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض أسعار الفائدة مرة أخرى مع ضعف الاقتصاد. بالنظر إلى السجل، يبدو من المرجح حدوث ركود في العامين المقبلين.

تعاني أوروبا أيضاً من مشكلة تضخم، ولكن سببها حتى الآن هو ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية المستوردة أكثر من ارتفاع درجة الحرارة، حيث يهدد الغزو الروسي لأوكرانيا والعقوبات الغربية إمدادات الطاقة في القارة.

وأصبحت أسعار الغاز خلال الشتاء أعلى بخمس مرات في أوروبا مما هي عليه في أميركا، كما أن الإنفاق على الطاقة المنزلية يبلغ ضعف نصيبه من الناتج المحلي الإجمالي (ويرجع ذلك جزئياً إلى أن أوروبا أفقر). ومع ارتفاع أسعار الطاقة، تراجعت ثقة المستهلك، وأصبحت الشركات تكافح أيضاً بعد انخفاض الإنتاج الصناعي خلال الشهرين الماضيين في بعض الدول مثل فرنسا.

وبحسب الإيكونومست من المحتمل أن يستمر اقتصاد منطقة اليورو في النمو في عام 2022 ككل، لكنه سيكون هشاً. وإذا توقفت أوروبا عن استيراد الغاز الروسي  سواء بسبب اختيارها أو بسبب قطع العرض فإن خطر حدوث ركود قاتم سوف يرتفع.

أما في الصين، فإن التهديد الذي يقف أمام النمو العالمي جراء تفشي أوميكرون في الصين هو الأسرع والأشد خطورة؛ حيث أبلغت الصين عن أكثر من 20.000 حالة إصابة جديدة بالفيروس في 6 أبريل/نيسان 2022. ونظراً لأن الحكومة ملتزمة بالقضاء على كوفيد -19 بإجراءات صارمة جداً، فإن سكان شنغهاي البالغ عددهم 26 مليوناً، وسكان العديد من المدن الكبرى الأخرى التي تفشى فيها المرض، يخضعون لإغلاق صارم. وأصبحت شنغهاي أحدث ميناء عالمي يمكن مشاهدة مئات السفن في انتظار التحميل أو التفريغ فيه.

وإذا استمرت العلاقة السابقة بين عمليات الإغلاق والناتج المحلي الإجمالي، فسيكون الإنتاج في الوقت الفعلي للصين أقل بنسبة 7.1٪ مما هو عليه في عالم بلا قيود، وفقاً لتقديرات “غولدمان ساكس”، حيث ستؤدي عمليات الإغلاق أيضاً إلى تعطيل التجارة العالمية، التي لا تزال تكافح من مخلفات ما كانت عليه في وقت سابق من الوباء.

وحث الرئيس الصيني شي جين بينغ المسؤولين على خفض تكاليف القيود. ولكن إذا تم فتحها في وقت مبكر جداً، فسوف يشهد البر الرئيسي للصين موجة من العدوى والوفيات مثل تلك التي ابتليت بها هونغ كونغ مؤخراً. هذا من شأنه أن يخيف المستهلكين ويصبح مصدر اضطراب اقتصادي عالمي في حد ذاته.

وإلى أن تقوم الصين بتلقيح كبار السن بأعداد كافية باستخدام طرق العلاج الأكثر فاعلية، فإن عمليات الإغلاق ستكون سمة دائمة لاقتصادها ومصدراً للتقلبات العالمية.

إلى جانب جميع هذه الأزمات، تثقل الحرب الروسية في أوكرانيا كاهل الاقتصاد العالمي وخصوصاً الأوروبي، كما تزيد معاناة الاقتصادات الهشة ذات الدخل المنخفض والمثقلة بالديون واقتصادات الأسواق الناشئة.

في الوقت نفسه، تترنح روسيا تحت وطأة عقوبات اقتصادية دراماتيكية، وعلى الرغم من استمرار تجارة الطاقة، فقد تم عزل روسيا فعلياً عن النظام المالي العالمي.

وقد يكون سعر صرف الروبل قد تعافى اسمياً إلى مستوى ما قبل الحرب، لكن القيمة السوقية الفعلية للعملة الروسية لا يخمنها أي شخص، إذ لم يعد هناك سوق حر بالروبل أو في الأصول المالية الروسية، كما تقول مجلة foreignpolicy الأمريكية. كما ضاعف انسحاب الشركات الغربية من روسيا الصدمة، وحتى إذا تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار مع أوكرانيا، فإن آفاق التطور وإصلاح الاقتصاد ستكون مظلمة وطويلة الأمد بالنسبة لروسيا.

وفي ظل استمرار الحرب، وإذا نجحت روسيا بفرض سيطرتها على أوكرانيا أو أجزاء منها، سيتعين على أوروبا استيعاب تدفق هائل من اللاجئين الأوكرانيين، وسيتعين على الاتحاد الأوروبي أيضاً التعامل مع حالة عدم اليقين الدراماتيكية فيما يتعلق بإمدادات الطاقة وأسعارها.

وتقول فورين بوليسي، إن ألمانيا بلد غني، حتى في حالة الركود الشديد، سيكون لديها الموارد اللازمة للتعامل مع ذلك، لكن سيكون جيرانها من أوروبا الشرقية في وضع أكثر صعوبة، حيث لديهم دخل منخفض، ويستوعبون اليوم غالبية اللاجئين وهم أكثر اعتماداً على روسيا في التجارة والطاقة.

سوف تبحث دول أوروبا الشرقية عن المساعدة من شركائهم الأكثر ثراءً في الاتحاد الأوروبي، وكان ماريو دراجي، رئيس وزراء إيطاليا، يضغط منذ بداية الحرب من أجل تقديم حزمة إنفاق جماعي لتخفيف الأزمة، وتسريع الاستثمارات في استقلال الطاقة، وتعزيز دفاعات أوروبا التي قد تصل إلى أكثر من 1.5 تريليون دولار. لكن حزمة من هذا القبيل ستكون قفزة عملاقة بالنسبة للاتحاد الأوروبي وستتطلب شهوراً طويلة من الدبلوماسية عالية المخاطر للتفاوض.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى