ناشد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي الجمعة الدول الغربية عدم إثارة الذعر بسبب الحشود العسكرية الروسية على الحدود مع بلاده، مطالباً في الوقت عينه الكرملين بخطوات تثبت أنّ هذه القوات لا تعتزم غزو بلده.
وأتت دعوة الرئيس الأوكراني في الوقت الذي اتفّق فيه نظيراه الروسي فلاديمير بوتين والفرنسي إيمانويل ماكرون على "ضرورة نزع فتيل التصعيد" ومواصلة "الحوار" لحلّ هذه الأزمة، في حين أكّد البنتاغون أنّ الحرب "ليست حتمية" لكن إن وقعت فستكون كلفتها البشرية "مروّعة".
مادة اعلانية
وقال زيلينسكي خلال مؤتمر صحافي مع وسائل إعلام أجنبية "لسنا بحاجة لهذا الذعر" ، مؤكّداً أنّ "احتمال الهجوم موجود ولم يتبدّد، ولكن لم يكن أقلّ خطورة في 2021 (...) لا نرى تصعيداً يتجاوز ما كان موجوداً" العام الماضي.
ماكرون
وأعرب الرئيس الأوكراني عن أسفه لأن متابعة وسائل الإعلام العالمية و"حتى قادة الدول المحترمين" تجعلنا نعتقد أنّنا "في خضمّ حرب" في كل البلاد، وأنّ "هناك جيوشاً تتقدّم على الطرقات، ولكنّ الوضع ليس كذلك".
وأتى تصريح الرئيس الأوكراني بعيد إعلان الإليزيه أنّ الرئيسين الفرنسي والروسي اتفقا خلال مكالمة هاتفية استغرقت أكثر من ساعة الجمعة على "ضرورة نزع فتيل التصعيد" ومواصلة "الحوار".
وقالت الرئاسة الفرنسية إنّ "الرئيس بوتين لم يبدِ أي نية عدوانية (...) لقد قال بوضوح إنه لا يسعى الى المواجهة".
ومساء جدّد ماكرون في مكالمة هاتفية مع زيلينسكي التعبير عن "تضامن فرنسا الكامل مع أوكرانيا"، مؤكّداً "تمسّكه بالحفاظ على سيادة هذا البلد ووحدة أراضيه"، وفقاً للإليزيه.
من جهته قال الكرملين إنّ بوتين شدّد على مسامع ماكرون على تجاهل الغرب للمطالب الروسية من أجل خفض التوتر في الأزمة حول أوكرانيا.
ورفضت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي رسميا الأربعاء مطالب تعتبرها روسيا حيوية لضمان أمنها، في مقدمها إنهاء سياسة التوسع التي ينتهجها الحلف الاطلسي وعودة الانتشار العسكري الغربي الى حدود 1997.
أمين عام الحلف الأطلسي، ينس ستولتنبرغ(أرشيفية- فرانس برس)
ونقل الكرملين عن بوتين قوله لماكرون إنّ "أجوبة الولايات المتحدة والحلف الأطلسي لم تأخذ بالاعتبار مخاوف روسيا الجوهرية (...) لقد تم تجاهل المسألة الأساسيّة، وهي كيف تعتزم الولايات المتحدة وحلفاؤها ... تطبيق المبدأ القائل إنه يجب ألّا يعزز أي طرف أمنه على حساب دول أخرى".
وذكر الكرملين أنّ روسيا "ستحدّد ردها المقبل" بعد أن تدرس بالتفصيل ردّ خصومها.
وإذا كانت واشنطن وحلف شمال الأطلسي قد رفضا المطالب الروسية الرئيسية، فقد عرضا العمل على فرض قيود مشتركة على نشر الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى في أوروبا، على ان يشمل ذلك أيضا المناورات العسكرية في مناطق مجاورة للمعسكر الخصم.
وأعلنت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في بيان مشترك الجمعة العمل على تأمين "كميات إضافية من الغاز الطبيعي" لأوروبا لمواجهة أي عواقب في حال هاجمت روسيا أوكرانيا.
من جهته، أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف صباح الجمعة ان بلاده "لا تريد الحرب" وتفضل "طريق الدبلوماسية"، لكنها مستعدة للدفاع عن مصالحها.
وأضاف "إذا تُرك الأمر لروسيا، لن تكون هناك حرب. نحن لا نريد الحرب. لكننا لن نسمح أيضًا بأن يُستخفّ بصلافة بمصالحنا، أو بتجاهلها".
وتوعّدت موسكو بردّ واسع النطاق إذا تم رفض مطالبها، ولكن من دون ان تحدد طبيعة هذا الرد.
واقترح نواب روس أن تعترف موسكو باستقلال المناطق الانفصالية الموالية لها في شرق أوكرانيا وأن تسلحها.
وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن
وفي واشنطن، أكّد وزير الدفاع ورئيس الأركان الأميركيان الجمعة أنّ اندلاع نزاع بين موسكو وكييف "ليس أمراً حتمياً"، ولكن إذا حصل فإنّ كلفته البشرية ستكون "مروّعة"، محذّرين من أنّ روسيا حشدت على حدودها مع أوكرانيا ما يكفي من القوات لاجتياح جارتها الموالية للغرب.
وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الدفاع لويد أوستن قال رئيس الأركان الجنرال مارك ميلي إنّه "بالنظر إلى نوع القوات المنتشرة: قوات برية، مدفعية، صواريخ بالستية، سلاح الجو... يمكنكم تخيّل ما قد يبدو عليه الوضع في مناطق حضرية مكتظة بالسكّان"، متوقّعاً سقوط "عدد كبير من الضحايا" في حال اجتاحت القوات الروسية أوكرانيا.
وينتشر أكثر من مئة ألف جندي روسي على الحدود الأوكرانية منذ نهاية 2021، الأمر الذي تعتبره واشنطن مؤشراً إلى اجتياح وشيك.
وشدّد رئيس الأركان الذي نادراً ما يعقد مؤتمرات صحافية على أنّ "الأمر سيكون مروّعاً، سيكون فظيعاً"، مؤكّداً أنّ حصول "هذا الأمر ليس ضرورياً. نحن نعتقد أنّ الحلّ دبلوماسي".
بدوره اعتبر وزير الدفاع أنّه لا يزال هناك وقت ومجال للدبلوماسية"، مشدّداً على أنّه ليس هناك "أيّ مبرّر" ليفضي هذا الوضع بالضرورة الى نزاع عسكري.
وقال أوستن "يستطيع السيد بوتين أيضاً أن يفعل ما ينبغي القيام به"، في إشارة الى الرئيس الروسي الذي ينفي أي نية لديه لاجتياح أوكرانيا، مع تأكيده أنّ بلاده مهدّدة بتوسّع محتمل لحلف شمال الأطلسي وبالدعم الغربي لكييف.
وأضاف "يمكنه اختيار وقف التصعيد. يمكنه أن يأمر قواته بالانسحاب".
من ناحيته، لفت الجنرال ميلي إلى أنّ السهول الأوكرانية الخصبة التي جعلت من هذا البلد "سلّة خبز" الاتحاد السوفياتي السابق، تتجمّد بسهولة بسبب انخفاض عمق منسوب المياه الجوفية.
وحذّر الجنرال الأعلى رتبة في الجيش الأميركي من أنّ "هذه ظروف مثالية" لتقدّم المدرّعات، مشدّداً على أنّ المراكز الحضرية الأوكرانية الرئيسية تصبح والحال هذه مهدّدة بشكل مباشر"، مؤكّداً أنّه "إذا اندلعت حرب على النطاق الممكن حالياً، فإنّ السكان المدنيّين سيعانون بشكل رهيب".
وأضالف "نحن نشجّع روسيا بقوّة على الانسحاب. القوة المسلّحة يجب أن تكون دائماً الملاذ الأخير".
من ناحيته توقّع وزير الدفاع أنّ الرئيس الروسي لم "يتخّذ بعد قرار استخدام هذه القوات ضدّ أوكرانيا"، محذّراً من أنّ سيّد الكرملين " لديه الآن إمكانية واضحة" لغزو أوكرانيا لأنّه حشد على حدود جارته الغربية ما يكفي من القوات لغزوها و"لديه خيارات عديدة، بما في ذلك الاستيلاء على مدن كبيرة وأراض شاسعة".
- "مروحة واسعة" من الخيارات -وفي بروكسل، اعتبر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ الجمعة أنّ لدى روسيا "مروحة واسعة" من الخيارات ضدّ أوكرانيا، مشدّداً في الوقت نفسه على أنّ إمكان إجراء مفاوضات ومحادثات سلام لا يزال متاحا.
وقال الأمين العام في مؤتمر نظّمه مركز "أتلانتيك كاونسيل" الأميركي للأبحاث إنّ "(الحرب) الإلكترونية هي أحدها، المحاولات الانقلابية للإطاحة بالحكومة في كييف، التخريب - لديهم عملاء استخبارات يعملون في أوكرانيا في هذا الوقت بالذات. لذلك علينا أن نكون مستعدّين لمروحة واسعة من الإجراءات العدوانية الروسية المختلفة ضدّ أوكرانيا".
وأضاف "من جانب الحلف الأطلسي، نحن مستعدّون للانخراط في حوار سياسي، لكنّنا مستعدّون أيضاً للردّ إذا ما اختارت روسيا نزاع مسلّحا ومواجهة. لذلك نحن مستعدّون لكلا الخيارين".
وتابع "نحن نعمل بجدّ لإيجاد أفضل حلّ سياسي سلمي، لكنّنا استعددنا أيضاً للأسوأ".
من جهتها أعلنت روسيا الجمعة أنّها منعت دخول العديد من المسؤولين الأوروبيين إلى أراضيها، مشيرة إلى أنّها اتّخذت هذه الخطوة ردّاً على انتهاج بروكسل سياسة فرض "قيود أحادية الجانب عبثية".
وسارع الاتحاد الأوروبي إلى إبداء "أسفه"، مؤكداً أنّ "هذا القرار يفتقر إلى مبرّرات قانونية وإلى الشفافية وسيلقى ردّاً ملائماً".