استجاب المجلس الدستوري، لأحد أهم مطالب الجزائريين، بإعلانه تأجيل الانتخابات التي كانت مقرّرة في الرابع من يوليو/تموز المقبل، إلا أن قراره التمديد في ولاية الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح، اصطدم بردّة فعل عكسية من أحزاب المعارضة، وقوى الحراك الشعبي التي ترفض إجراء أي انتخابات يشرف عليها رموز النظام السابق، وهو ما ينذر ببقاء الأزمة السياسية بالبلاد في مربّع الصفر، ويضع مصير بن صالح على المحك.
وكان المجلس الدستوري الجزائري، وهو "أعلى هيئة قانونية في البلاد"، قد أعلن، الأحد، استحالة إجراء الانتخابات الرئاسية في الموعد المقرر لها.
وأوعز للرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح بالاستمرار في منصبه إلى حين تنظيم انتخابات رئاسية، مستندا في ذلك إلى الفصلين 7 و8 من الدستور.
"شخصيات توافقية"
إلا أن هذا الخيار على ما يبدو سيزيد من حالة الانسداد السياسي، وسيساهم في إطالة عمر الأزمة في الجزائر، في ظل حالة الاستقطاب وانعدام الثقة بين الحراك الشعبي الذي يشترط رحيل رموز نظام الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، وخوض فترة انتقالية تقودها شخصيات توافقية تتوّج بانتخابات رئاسية، وبين السلطة الحالية، التي تصرّ على عدم الخروج عن السياق الدستوري، وتعارض فكرة الدخول في مرحلة انتقالية، كما خلّف هذا التوجّه جدلا قانونيا.
وفي هذا السياق، قال فوزي أوصديق الخبير الدستوري، إن بيان المجلس الدستوري فتح تساؤلات مشروعة أكثر أن يقدّم إجابات دستورية قطعية، مضيفا أن البلاد ستدخل بعد 4 يوليو/تموز في مرحلة غير منصوص عليها دستوريا، متسائلا إن كان التمديد لبن صالح سيخضع للمدة القانونية وهي 90 يوما، أم هو صك على بياض إلى حين انتخاب رئيس للجمهورية.
وأوضح أوصديق، في بيان مصوّر، أن رفض المجلس الدستوري للانتخابات بسبب عدم توفر صحة وشروط ملفات المترشحين، وتأجيلها لاستحالة إجرائها على الواقع بسبب رفض الحراك الشعبي، يؤكد" فشل حكومة تصريف الأعمال ورئيس الدولة في تنظيم الانتخابات"، متوقعا إسقاط الحكومة خلال الأيام القادمة وتغييرها، كتنازل من السلطة، تنفيذا لمطالب الحراك.
وأكد أوصديق أن بيان المجلس الدستوري، أعطى خريطة الطريق لرئيس الدولة المؤقتة، من خلال تهيئة الظروف الملائمة لإجراء الانتخابات وتحقيق تطلعات الشعب، هو "أمر يستدعي إعادة هيكلة النظام الانتخابي في الجزائر من خلال قانون انتخابات جديد"، متسائلا في هذا السياق، "إن كان هذا سيتم وفق المادتين 193 و194 من الدستور، أم سيقتضي ضرورة تغييرهما".
"رحيل الباءات الثلاثة"
وفي ظل هذا الجدل الدستوري، اعتبر القيادي في حزب العمال جلول جودي، قرار المجلس الدستوري بمواصلة بن صالح الذي تنتهي ولايته يوم 9 يوليو، لمهامه على رأس الدولة إلى حين انتخاب رئيس للجمهورية، "تجاوزا لصلاحياته وخروجا عن الدستور"، مضيفا أن هذا "بعيد عن مطالب الشعب الذي يطالب برحيل "الباءات الثلاثة"، ويرفض إشرافهم على أية انتخابات".
وأكد جودي لـ"العربية.نت"، أن "المرحلة القادمة تقتضي إقرار مجلس تأسيسي منتخب له كل القوة بتكريس مطلب الأغلبية، بعيدا عن الحلول الدستورية التي لم تساهم إلا في تعقيد الأزمة التي تعيش فيها البلاد منذ استقالة بوتفليقة قبل شهرين".
"تضييع وقت وإطالة لعمر الأزمة"
ويواجه عبد القادر بن صالح منذ توليه منصب الرئاسة بعد استقالة بوتفليقة، ضغوطا شعبية من الشارع الجزائري، الذي يطالبه كل جمعة، بضرورة التنّحي من منصبه، ومعه رئيس الحكومة نورالدين بدوي، على اعتبار أنهما محسوبان على النظام السابق.
واعتبرت حركة البناء أنّ كل الحلول المقدمّة من السلطة، هي تضييع للوقت وإطالة في عمر الأزمة، داعيا إلى ضرورة فتح حوار بين كل الأطراف لتجاوز هذه الحالة.
وعبّرت الحركة، في بيان عن أسفها "لمواصلة السلطة الاشتغال بنفس الأدوات البالية في تجاوز الطبقة السياسية، بحيث ترسّم في سياسة أمر واقع بالتحضير لتشريعات ونظم تمس عمق الاستحقاق المقبل بعيدا عن الطبقة السياسية، بل باستشارة من لا تعنيه العملية الانتخابية لا من قريب ولا من بعيد".
واقترحت "انتداب شخصيات توافقية تعينها السلطة القائمة مهمتها إدارة حوار مع النخبة الوطنية المعنية بالانتخابات والشأن العام، كي تبحث في كيفية نقل وظيفة الانتخابات من الإدارة إلى سلطة تنفيذية مستقلة تشرف على كل العمليات الانتخابية وما يتعلق بها كليا بعيدا عن وزارة الداخلية والادارة المحلية والدبلوماسية، ولا تعيد بأي حال من الأحوال إنتاج نفس نظام مناشدي الرئيس السابق وداعمي العهدة الرابعة أو الخامسة".
ويتوقع أن يستمر الشارع الجزائري في الخروج، كل يوم جمعة، للتعبير عن رفضه التمديد في ولاية بن صالح، وإجراء انتخابات تحت وصاية رموز النظام السياسي السابق، وسط مخاوف من أن يلقى الموعد القادم للانتخابات الرئاسية، والذي لم يتحدّد بعد، نفس مصير انتخابات 4 يوليو.