أفادت وسائل الإعلام أن الشرطة العسكرية الروسية نفذت الأسبوع الماضي غارة ضد رجال الميليشيات المدعومين من إيران المتمركزين في مطار حلب الدولي في سوريا، بحسب موقع "صوت أميركا".
أسفرت مداهمة الشرطة العسكرية الروسية عن القبض على العديد من قادة الميليشيات الإيرانية، فيما يعتبر آخر حلقة من حلقات التوتر بين القوات الإيرانية والروسية في سوريا.
ومنذ بداية الحرب الأهلية في سوريا في عام 2011، عمدت روسيا وإيران إلى التواجد عسكرياً بشكل قوي في سوريا لدعم القوات الموالية لنظام الرئيس بشار الأسد.
ونشرت إيران منذ ذلك الحين الآلاف من أفراد الحرس الثوري الإسلامي والميليشيات الشيعية المتحالفة معها في سوريا، في حين أن روسيا دخلت رسمياً النزاع السوري في سبتمبر 2015 لمساعدة نظام الأسد.
ولكن مع تراجع المواجهات المسلحة واستعادة قوات النظام السوري معظم الأراضي، التي كانت تسيطر عليها قوات المعارضة المسلحة، يبدو أن روسيا وإيران تتنافسان على النفوذ في البلد الذي مزقته الحرب.
"قطعة من الكعكة"
ويقول المحللون إن الحرب المطولة في سوريا أحدثت صدعاً بسيطاً بين الحليفين.
وقال فيليب سميث، الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، الذي يتابع عن كثب الميليشيات التي تدعمها إيران في سوريا: "إن هناك توترات واضحة قائمة بين روسيا وإيران داخل سوريا".
وقال لـ"صوت أميركا": "عندما ترى أحداثا مثل (الغارة في حلب)، التي تحدث في مناطق بؤر التوتر، لأن هناك نشاطاً إجرامياً مستمراً. وتريد الميليشيات، التي تعمل بالوكالة لكل بلد، أن تقتسم جزءاً من الكعكة".
وقعت حوادث مماثلة في جميع أنحاء البلاد في العامين الماضيين. وبحسب تقارير محلية، انخرطت، في الآونة الأخيرة، فرقتان من الجيش السوري في اشتباكات مميتة في مناطق مختلفة من البلاد.
إن هذا الصراع على السلطة هو نتيجة للاختلافات بين القادة العسكريين السوريين، الذين هم موالون لروسيا أو إيران، كما يعتقد المراقبون.
ووفقاً لما صرح به المحلل السياسي سميث، فإنه يعتقد "أن الأمر يتعلق بمن يتحكم في شريحة الكعكة التي يملكونها جميعاً. لكنني لا أعتقد بالضرورة أن هذا سيؤدي إلى اندلاع حريق كبير بين القوات الإيرانية والروسية هناك".
الاختلافات التكتيكية
ويقول بعض الخبراء إن الشراكة الاستراتيجية بين روسيا وإيران في سوريا تتجاوز مثل هذه الخلافات، خاصة أن روسيا لا تزال تعتمد على القوات الإيرانية في السيطرة على الأراضي وتوفير القوى البشرية لقوات النظام السوري.
وقالت أنا بورتشيفسكايا، زميلة أبحاث في المؤسسة الأوروبية للديمقراطية، التي تولي اهتماماً لسياسة روسيا في الشرق الأوسط: "لا أعتقد أبداً أن روسيا ستنفصل عن إيران".
وقالت لـ"صوت أميركا" في مقابلة عبر الهاتف: "إن الخلافات التي يواجهونها هي أنهما يحاولان توزيع مناطق النفوذ في سوريا، وهذا شيء تفهمه روسيا جيداً". وأردفت موضحة "إن علاقتهما معقدة، بالتأكيد. لكن ما يربطهما هو معاداتهما لأميركا ورغبتهما في تقليص النفوذ الأميركي في المنطقة".
أضافت بورتشيفسكايا أنه "على المستوى التكتيكي، ستكون هناك خلافات بين روسيا وإيران في بعض الأحيان. لكنهما يتفقان على الصورة الكبيرة".
وانخرطت الولايات المتحدة في الحرب ضد مقاتلي "داعش" منذ عام 2014، عندما أعلنت الجماعة الإرهابية ما يسمى الخلافة في سوريا والعراق.
تسيطر القوات الديمقراطية السورية، المدعومة من الولايات المتحدة، والتي أعلنت النصر على "داعش" في شهر مارس، على أكثر من ثلث الأراضي السورية.
يوجد للولايات المتحدة حوالي 2000 جندي في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية بقيادة الأكراد. لكن الإدارة الأميركية قالت إنها ستحتفظ بحوالي 400 جندي فقط في تلك المناطق، بعد انتهاء الحرب ضد "داعش". عارضت روسيا وإيران الوجود العسكري للولايات المتحدة في سوريا باستمرار.
المنافسة الاقتصادية
يعتقد بعض المحللين أنه على خلاف تورطهما في الحرب السورية، تسيطر القوات الروسية والإيرانية الآن على مناطق أكبر، ويبحث كلا البلدين عن فرص اقتصادية في البلاد.
وقال جوان هيمو، الاقتصادي السوري الذي يتابع الأنماط الاقتصادية للحرب: "إن هناك حالياً نقاط خلاف بين البلدين أكثر من أي وقت مضى".
وأضاف في تصريح لـ"صوت أميركا": "لذلك بطبيعة الحال، سيظهر أنهما يتنافسان على الفوز بعقود مع النظام السوري، في قطاعي الطاقة والكهرباء ومجالات أخرى من الاستثمار".
في عام 2018، حصلت روسيا على حقوق حصرية لإنتاج النفط والغاز السوري. وقعت روسيا أيضاً عقداً لاستخدام ميناء طرطوس السوري لمدة 49 عاماً، بينما فازت إيران بعرض لاستخدام ميناء اللاذقية جزئياً.
قال الخبير الاقتصادي هيمو إن كلا البلدين يريد احتكار سوريا اقتصادياً على المدى الطويل، لأن كلاً منهما قدم قروضاً كبيرة للنظام السوري طوال فترة الحرب.
وأعرب هيمو عن اعتقاده بأن "هذا النوع من المنافسة سيستمر في سوريا، لكن الهيمنة الاقتصادية لروسيا ستنتصر في النهاية".