خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، فتحت مدرسة غريبة أبوابها بمدينة نيويورك استعدادا لاستقبال تلاميذها وبدل تدريس الفيزياء والرياضيات والعلوم الإنسانية اتجهت هذه المدرسة لتقديم دروس فريدة من نوعها في الإجرام بهدف خلق مجرمين محترفين في شوارع نيويورك. وقد تحولت هذه المدرسة الغريبة لحقيقة بفضل مجهودات مديرتها فريدريكا ماندلبوم (Fredericka Mandelbaum) الملقبة بالأم ماندلبوم وملكة السلع المسروقة حيث ظهرت هذه المرأة منتصف القرن التاسع عشر لتساهم في زيادة نسبة الجريمة بشوارع نيويورك.
حلت فريدريكا ماندلبوم رفقة زوجها وولف ماندلبوم بالولايات المتحدة الأميركية سنة 1848 قادمة من ألمانيا لتستقر بمدينة نيويورك وتباشر بممارسة نشاطاتها. وللوهلة الأولى، عملت هذه المرأة رفقة زوجها كبائعة متجولة فعمدت لاقتناء البضائع والسلع والممتلكات المسروقة من السارقين والنشّالين بأرخص الأثمان وبيعها بأسعار مرتفعة. وبفضل هذه التجارة المربحة، حقق الزوجان ماندلبوم ثروة مكنتهما من افتتاح متجر صغير بنهج كلينتون للتغطية على عملهما الإجرامي. أيضا، مكّن العمل بالشوارع هذين الزوجين الألمانيين من التعرف على العديد من المنحرفين وقطاع الطرق والمتشردين. وتدريجيا، فضّل وولف الابتعاد عن مجال الإجرام بسبب معاناته المستمرة مع عدد من الأمراض كسوء الهضم ليكتفي بمشاهدة زوجته فريدريكا ماندلبوم خلال تأسيسها لإمبراطوريتها الإجرامية بنيويورك.
وحسب تقارير تلك الفترة، لجأ المجرمون لسرقة العديد من الممتلكات التي تراوحت بين التجهيزات المنزلية والمجوهرات قبل بيعها لهذه السيدة الألمانية وقد فضّلت فريدريكا ماندلبوم غالبا اقتناء الحرير والماس بسبب قدرتها على تحقيق أرباح هائلة عند إعادة بيعها. ومع تعاظم نفوذها، لم تتردد هذه المرأة التي قدر طولها بستة أقدام ووزنها بأكثر من 90 كلغ من تمويل المزيد من المشاريع الإجرامية التي بلغت حد السطو على البنوك والابتزاز ولجأت في المقابل لتقديم الرشاوى لرجال الأمن والقضاة والسياسيين بالمدينة للإفلات من القانون.
لم تتوقف غرائب فريدريكا ماندلبوم عند هذا الحد ففي حدود العام 1870 افتتحت الأخيرة مدرسة لتعليم السرقة والنشل ودعت الأطفال والشبان والنساء للالتحاق بها للحصول على تكوين جيد في هذا المجال وتحقيق الأرباح. وبناء على ذلك، سعت فريدريكا لخلق مجموعة من اللصوص والنشالين عن طريق تعليمهم الابتزاز ومضايقة المارة ونشل ما بجيوبهم بحرفية ودون إثارة أية شكوك، وفي مرحلة متقدمة لم تتردد هذا المرأة في تقديم دروس لتلاميذها حول كيفية السطو على البنوك بشكل سريع ومغادرة المكان على جناح السرعة لتجنب الوقوع في قبضة رجال الشرطة. وتزامنا مع افتتاح هذه المدرسة لأبوابها، أقبل العديد من الفقراء والمتشردين وأطفال الشوارع واليتامى عليها أملا في تحسين ظروفهم المعيشية.
وقد نشطت هذه المدرسة لمدة 6 سنوات فقط. فخلال العام 1876، فضّلت فريدريكا ماندلبوم إغلاقها بعد أن بلغت مسامعها معلومات عن وجود ابن أحد رجال الشرطة بمقاعدها الدراسية.
ومع تعاظم النشاط الإجرامي لهذه المرأة الألمانية الأصل، اتخذ المسؤولون بمدينة نيويورك إجراءات أمنية فحصلوا على خدمات مؤسسة بينكرتون (Pinkerton) للتحري والتي نصبت كمينا محكما عجّل بإنهاء مسيرة فريدريكا ماندلبوم خلال العام 1884 حيث فرّت الأخيرة نحو كندا حاملة معها مليون دولار واستقرت بمدينة هاميلتون التابعة لمقاطعة أنتاريو.
توفيت فريدريكا ماندلبوم سنة 1894 بالمنفى عن عمر يناهز 76 سنة فعادت جثة هامدة لتدفن بمقبرة نيويورك. وأثناء جنازتها، تعرّض العديد من الحاضرين للسرقة على يد تلاميذها الذين تخرجوا في وقت سابق من مدرستها.