مع دخول الحرب العالمية الثانية مراحلها الأخيرة، جنّد الأميركيون والبريطانيون كل طاقاتهم لمطاردة العلماء الذين ساهموا في تقدّم ألمانيا وتزويدها بأحدث الأسلحة زمن الحرب.
وبناء على ذلك، أطلقت الولايات المتحدة الأميركية العنان لعملية مشبك الورق (Paperclip) والتي تمكنت، بفضل مجهودات فيلق مكافحة التجسس (CIC)، من الإمساك بنحو 1600 عالم ومهندس وتقني ألماني ممن عملوا في وقت سابق على إنجاح البرنامج التسلحي للقائد النازي أدولف هتلر.
وقد اتجه الأميركيون للتعجيل بعملية مشبك الورق أملا في وضع يدهم على أكبر عدد ممكن من الكفاءات العلمية الألمانية قبل الاتحاد السوفيتي بهدف استغلالهم أثناء الحرب الباردة وسباق الفضاء.
ومن ضمن أهم المهندسين الألمان الذين نقلوا نحو الولايات المتحدة الأميركية بعد الحرب يبرز اسم فيرنر فون براون (Wernher von Braun) والذي لعب دورا هاما في إنجاح برنامج الفضاء الأميركي وإنزال أول إنسان على سطح القمر. فخلال فترة الحرب، ساهمت أبحاث هذا المهندس الألماني الذي كان قادرا على عزف موسيقى بيتهوفن وباخ في إنتاج أول صاروخ باليستي قادر على بلوغ مدار الأرض عرف بفاو 2 (V-2).
وخلال السنوات الأخيرة للحرب العالمية الثانية، أطلق الألمان قرابة 3 آلاف من هذه الصواريخ نحو لندن وأنفير ولياج متسببين في مقتل ما لا يقل عن 5 آلاف شخص فضلا عن ذلك فارق نحو 20 ألفا من المعتقلين، الذين جيء بهم من مراكز الإبادة النازية، الحياة بسبب ظروف العمل القاسية أثناء فترة عملهم على تجميع صواريخ فاو 2.
وحسب العديد من المصادر، تعرض المهندس الألماني فيرنر فون براون للاعتقال عقب رفضه لمخططات قائد الأس أس هنريش هملر التي سعى من خلالها للهيمنة على مشاريع فاو 2، وقد تدخل أدولف هتلر شخصيا حينها لإطلاق سراح هذا العالم الألماني فضلا عن ذلك اتجهت القوات الألمانية لاستخدام صواريخ فاو 2 بشكل مكثف لقصف أهداف مدنية على الرغم من عدم حصولها على موافقة فيرنر فون براون.
سنة 1945، استسلم فيرنر فون براون رفقة شقيقه ماغنوس وكامل فريق أبحاثه للأميركيين وقدّم لهم العديد من قطع ومخططات صاروخ فاو 2 ووقع على عقد مع الجانب الأميركي نقل على إثره خلال أيلول/سبتمبر 1945 نحو الأراضي الأميركية ليحصل هنالك بحلول العام 1952 على منصب المدير الفني لبرنامج الصواريخ الموجهة التابع للجيش الأميركي بولاية ألاباما.
وعمل الأخير إلى جانب كل من الأميركيين وليام هنري بيكرينغ المختص في علم الفلك وعالم الفيزياء جيمس ألفرد فان ألن لإنجاح مشروع أول قمر صناعي أميركي سنة 1958 والذي حمل إسم إكسبلورر 1 (Explorer I) حيث قاد فيرنر فون براون فريق البحث العسكري بريدستون أرسنال ليتمكن في النهاية من تطوير الصاروخ الحامل جونو 1 (Juno I) الذي استخدم لوضع إكسبلورر 1 في مداره.
وقد واصل هذا العالم الألماني عمله على تطوير الصواريخ فترأس الأبحاث على صاروخ بيرشينغ وحصل سنة 1955 بشكل رسمي على الجنسية الأميركية.
وخلال ترأسه لمركز مارشال لبعثات الفضاء التابع للإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء ما بين عامي 1960 و1970، طوّر فيرنر فون براون صواريخ زحل ب1 (Saturn IB ) وزحل 1 (Saturn V ) وزحل 5 (Saturn V ) الذي استخدم لإنجاح برنامج أبولو التابع لناسا والذي أسفر عن إنزال أول إنسان على سطح القمر يوم 20 تموز/يوليو 1969.
وخلال السنوات التالية، حصل فيرنر فون براون على منصب نائب رئيس مؤسسة فيرتشايلد المختصة في تصميم وتصنيع الطائرات والمنتجات الفضائية ونال سنة 1975 قلادة العلوم الوطنية كما أسس المعهد الوطني للفضاء.
يوم 16 من شهر حزيران/يونيو 1977، فارق فيرنر فون براون الحياة عن عمر يناهز 65 سنة عقب صراع مرير مع سرطان البنكرياس ليدفن بمقبرة إيفي هيل بمدينة الإسكندرية بولاية فرجينيا الأميركية.