بعد الثالثة فجر أمس السبت بدقائق قليلة، نقلوا بارون المخدرات المكسيكي، خواكين غوسمان، الشهير بلقب El Chapo لقصر قامته البالغة 168 سنتميتراً، ووضعوه مكبلاً في هليكوبتر للشرطة، حملته من منهاتن بنيويورك إلى طائرة خاصة كانت تنتظره في مطار LaGuardia القريب في شمال المدينة 16 كيلومتراً، ومنه طاروا بالبالغ 62 سنة إلى سجن معروف بأحرف ADX اختصاراً لاسمه الطويل، ويقع في كوكتيل من متاهات برية وصحراوية خارج مدينة Florance بولاية كولورادو، وبعيد عن عاصمتها "دنفر" أكثر من 160 كيلومتراً.
في ذلك السجن الذي وصفه نزيل سابق فيه، بأنه "نموذج عن الجحيم على الأرض، والهروب منه مستحيل، إلا بالمنام" سيقضي زعيم عصابة Sinaloa التي أغرقت أميركا بأطنان من الهيروين والكوكايين في السنوات العشرين الماضية، بقية عمره في زنزانة أثاثها عجيب وإرهابي الطراز، والعيش فيها مذلة ومهانة بلا توقف، طبقاً لما استنتجته "العربية.نت" من سيرة ADX النزيل فيه 407 حالياً، منهم عرب عقوباتهم بالمؤبد أو لأمد طويل، عن إرهابيات متنوعة خططوا لها أو نفذوها، وهم الجيران الجدد لغوسمان الذي حكموا عليه الأربعاء الماضي بالمؤبد عن 10 تهم، مع عقوبة إضافية من 30 سنة وراء القضبان أيضاً، وغرامة قدرها 12 مليار و600 مليون دولار، ملزم بدفعها أو المتيسّر منها فيما لو وجدوا أرصدة باسمه أو ممتلكات هنا أو هناك.
بعض جيران Joaquin Guzmán الجدد في سجنه الجديد، هم أمنياً أخطر منه بكثير، وبعضهم وردت أسماؤهم في تقرير سابق نشرته "العربية.نت" الأسبوع الماضي، كزكريا موسوي، الفرنسي من أصل مغربي، لارتباطه بهجمات 11 سبتمبر 2001 بواشنطن ونيويورك، إضافة إلى رمزي يوسف، أحد المنفذين في 1993 لتفجير مركز التجارة العالمي بنيويورك، كما وأبو حمزة المصري، الذي سلمه القضاء البريطاني في 2004 إلى نظيره الأميركي، لمحاولته إقامة معسكر تدريب لإرهابيين بولاية أوريغون. ومن جيرانه في ADX أيضاً، الشيشاني جوهر تسارناييف الذي نفذ مع أخيه تامرلان تفجيرين متتاليين في منتصف أبريل 2013 بمدينة بوسطن الأميركية، إلى جانب ريتشارد ريد، المعروف بلقب "صاحب الحذاء الناسف" إشارة إلى انتعاله حذاءً مفخخاً حاول استخدامه لتفجير طائرة تابعة لشركة "أميركان إيرلاينز" كانت في ديسمبر 2001 متوجهة من باريس إلى ميامي.
لا شيء بالزنزانة إلا فراغ قاتل
أما زنزانته في السجن الذي افتتحوه في 1994 ولم يهرب خلالها أي سجين فيه حتى الآن، فمساحتها 8 أمتار مربعة، والعيش فيها قاهر يومي للوجدان إلى أقصى حد، وصعب ومذل بلا توقف، لأن ساكنها الذي لا يرى فيها شعاع الشمس ملزم بالبقاء وحده داخلها 23 ساعة في اليوم، كما لا شيء فيها إلا فراغ قاتل، جعل السجين السابق يقول "إن الموت أرحم لك من أن تبقى حياً داخلها" المصنوع أثاثه وما فيه من الإسمنت المسلح: الأرض والجدران والسرير والمقعد والحمام والطاولة المسنودة كرف إلى الجدار. أما النافذة التي تعلو الجدار، فلا يبدو شيء منها إلا السماء، فيما المرآة هي طلاء من ألومينيوم مسحوق يرشونه بحجمها على الجدار، لا من زجاج.
كل المعلومات عن السجن أعلاه، نجدها بعضها في الفيديو المرفق، كما في كثير من المواقع الإعلامية الأميركية والمعلوماتية بشكل خاص، منها Wikipedia المورد عن "السجن الأكثر حراسة بالعالم" في ما قرأته "العربية.نت" بموقعه، أنهم يسمونه "الكاتراز" المعروف أيضاً باسم الصخرة، تشبهاً بآخر أنتجوا عنه فيلما سينما وأقفلوه في 1963 لصعوبة الحياة فيه. أما ADX فيبدو صعباً مثله، مرصوداً بمئات الكاميرات، ولا يسمحون للسجين فيه بالخروج من زنزانته إلا 9 ساعات فقط بالأسبوع، فيتم وضعه داخل قفص بالفناء، يبقى فيه معزولاً عن سواه. كما يمكنه الاستماع إلى برامج محدودة من إذاعة السجن نفسه، أو مشاهدة برامج إرشادية من قناة تلفزيونية تابعة له أيضاً، كما وتلبية احتياجاته الدينية، وغيرها من البديهيات.
"لا ترى جبلاً ولا شجرة أو عشباً"
كما تنقل مواقع أخرى عن الأميركي Eric Rudolph المعروف بمفجر "الحديقة الأولمبية" في 1996 بأولمبياد ولاية أتلانتا الصيفي ذلك العام، ما كتبه في 2008 بأن الخروج من الزنزانة التي لا يرى السجين من فتحة بابها سجيناً آخر "يضيف القليل فقط عما فيها "لأنك حين تخرج منها، لا ترى جبلاً ولا شجرة أو عشباً، بل تجدها فرصة فقط لتتنفس الهواء النقي وتتمتع بأشعة الشمس" وأبدى اعتقاده بأن الهدف النهائي من ADX هو "هدم عقل الشخص وجسمه، من خلال الحرمان البيئي والمادي" كما قال.
ولأن "إل تشابو" تمكن من الهرب مرتين من سجنين في المكسيك سابقاً، الأولى في 2001 والثانية حين حفر ناشطون معه بتجارة المخدرات نفقاً ممتداً في 2015 إلى زنزانته، فعبره وفر على دراجة تركوها له عند فتحة بابه في الخارج، فقد وجد الأميركيون حين تسلموه في 2016 من المكسيك ليحاكموه، أن أفضل حل معه بعد الحكم عليه، هو ADX الذي لن يخرج منه الأب لعدد من الأبناء غير معروف تماماً، وهم من 4 زوجات طلقهن على مراحل، إلا جثة إلى مثواها الأخير في قبر مكسيكي تلبية لوصيته.