نبض لبنان

أزمة الإيرانيّات بسبب المقاطعة من مزيل الرائحة إلى المكياج

ظهر تأثير العقوبات الأميركية على إيران مؤخراً على منتجات العناية الشخصيّة، حسب ما أكدته كاتالينا غوميز، وهي صحفية مُقيمة في إيران تراسل صحيفة "لا بانغوارديا" الإسبانية.

وأشارت غوميز أن المتوفر من منتجات العناية الشخصية في السوق الإيرانية تضاعف سعره خمس مرات، بينما بعضها أصبح غير متوفر. وأخذت السوق السوداء بتلبية احتياجات الإيرانيين من خلال توفير مُنتجات رديئة لها آثار سيئة على الصّحة. من جهتها، فشلت محاولات الإنتاج المحلي للمنتجات البديلة لصعوبة توفير المواد الأوليّة وقطع غيار الآلات المنتجة.

وقالت غوميز: "علينا استيعاب التالي: عندما لا يكون هناك خيار آخر إلا أن تغطّي الفتاة جسدها بمعطف وحجاب، تُصبح اليدان والوجه هي الحلّ الوحيد لتُقدّم الفتاة نفسها للعالم، ولأن ترى نفسها جميلة، ولما لا؟ هذا ما يراه السواد الأعظم من الإيرانيات بأنه أمر في غاية الأهميّة. لذلك فإن من ضمن أولوياتهن أن يجتهدن للحصول على مظهر صحيّ، وأن يضعن مساحيق التجميل وأن تكون أظافرهن مرتّبة. حتى تلك النساء المحافظات وكذلك الثوريات المتدينات، رغم أنهن يرفضن أن يضعن على وجوههن المساحيق، إلا أنّهن حريصات على رعاية بشرتهن".

ازدهار السوق السوداء للسلع البديلة

وتحتل إيران المرتبة الثانية في الشرق الأوسط في كميّة استهلاك مُستحضرات التجميل. وفي هذا السياق كتبت غوميز: "حتّى تتضح الصورة، ليس عليك إلا أن تركب في المقطورة النسائية للقطار في أي يوم تشاء، حيث هناك عشرات النساء اللواتي يبعن العديد من الأغراض لكسب رزقهن، ونجد بأن أوفرهن حظاً هن اللواتي يبعن الكحل وأحمر الشفاه، وذلك رغم كل التحذيرات بعدم شراء هذا النّوع الرخيص من المنتجات ذات العلامات التجارية الغريبة والتي دخلت البلد عن طريق التهريب وتسبّبت بآثار سيئة على كثير من الإناث. وقد قامت الحكومة بشنّ حملة للتنبيه حول أخطار شراء هذه المنتجات التي لا تحمل ختم ضمانة وزارة الصحة. لكن إن كان من الصعب تطبيق القانون في السابق، فإن الأمر يزداد صعوبة الآن بعد أن غيّرت العقوبات الاقتصاديّة السلوكيات الاستهلاكيّة لمعظم المنتمين للطبقة الوسطى في إيران".

ولتبيان آثار العقوبات الأميركية على كافة منتجات العناية الشخصية في الأسواق الإيرانية، أعطت غوميز مثالاً هو سيدة إيرانية تدعى سارة، لا ترتدي "التشادور" ولا تُعد من المتدينات، إلا أنها غير "مدمنة على مستحضرات التجميل"، حيث إن حياتها التي كرستها لتعليم اليوغا لا تتّفق مع الماسكرا ومُحمرات الخَدّين التي تلقى رواجا بين النساء. لكن سارة روت لغوميز قائلةً: "ذهبت ذلك اليوم لشراء مزيل رائحة العرق الذي كنت أستخدمه لسنوات، ووجدت نفسي غير قادرة على شرائه، فسعره تضاعف خمس مرات، مما اضطّرني لشراء نوعٍ آخر ليس بذات الجودة".

وأكدت سارة أن هناك مجموعة كبيرة من المُنتجات لم تعد تستطيع الحصول عليها، إما بسبب أنها غير متوفرة في السوق أو بسبب ارتفاع سعرها.

وأضافت: "ما أضخم مستوى التوتر والكَرب، فالنساء يواجهن تغيّرات الحياة باستمرار". لكن سارة رأت بأنها من "المحظوظات" حيث ما زال بإمكانها أن تعيش وتدفع إيجار بيتها. وتساءلت هذه المرأة التي تبلغ من العمر 35 سنة: "لكن ماذا عن الآخرين؟ يزداد الأثرياء ثراء، بينما نرى كما لو أن بقيّة الشعب يجفّ من الداخل"، شارحةً كيف أن الوضع في إيران ساء شيئا فشيئا منذ أكثر من سنة.

أسباب تدهور السوق الإيرانية

وتتعدّد الأسباب وراء هذا التدهور، فرغم أن لها علاقة بالعقوبات التي فرضها إدارة دونالد ترمب حينما انسحب من الاتفاق النووي في مايو/أيار عام 2018، إلا أن المسؤولية كذلك تقع على السياسات التي اتّبعتها الحكومة للتعامل مع الأزمة الاقتصادية.

وفي هذا السياق، قالت مديرة في أحد أهم محلات التجميل في إيران طلبت عدم الإفصاح عن اسمها: "هناك محاولات لأن تقوم الكثير من الشركات، بما فيها شركات عالمية، بعملية الإنتاج في الداخل، إما بالتعاون من المصانع المحلية أو بإنشاء مصانعها الخاصة"، حيث أصبحت مُستحضرات التجميل من ضمن المنتجات الفخمة الممنوعة من الحكومة.

لكن مهما حاولت العديد من الشركات الإنتاج محليا، فإنها تعاني لجلب المواد الأولية لهذه المستحضرات وقطع غيار آلات تصنيعها.

وتضيف المديرة: "يكتب لنا الناس طوال الوقت على شبكات التواصل لسؤالنا عن بدائل للمنتجات التي يستخدمونها"، مؤكدةً أنه يمكن رصد يأس الناس في تفاصيل مثل انخفاض عدد ضغطات "زرّ الإعجاب" على إعلانات متجرها في برنامج "إنستغرام"، وهي المنصّة المفضلة للإيرانيين والتي تروج الشركات من خلالها لمنتجاتها.

وأضافت المديرة: "أصبح الناس الذين يشترون بحرية في السابق، يكتبون لنا الآن منتقدين بيعنا لهذه المنتجات بسعر عال، حيث لا يستطيع شراؤها إلا القِلّة".

بدورهم، يؤكد المستوردون بأن بيع المنتجات المستوردة التي يتمكنّون من إدخالها قد انخفض إلى النصف. وقال أحدهم: "ليس لدى الدولة القدرة على إنتاج كل ما تطلبه النساء"، لذا فهو قد بدأ بجلب مستحضرات التجميل ذات الجودة المتدنّية من السوق السوداء لتلبية احتياجات زبائنه.