نبض لبنان

هكذا ضحّى مهاجرون صينيون بأنفسهم لتسهيل مواصلات أميركا

خلال العام 1862، باشر الكونغرس الأميركي بتمرير أولى القرارات الهادفة لبناء سكّة حديد الباسيفيك (Pacific Railroad) والتي كانت عبارة عن أول خط سكة حديدية عبر القارة، امتدت لمسافة 3077 كلم من شرق البلاد لتبلغ المحيط الهادئ وتربط بين مدينتي أوماها بولاية نبراسكا وساكرامنتو بولاية كاليفورنيا. وقد أوكلت مهمة إنجاح هذا المشروع الكبير لمؤسستي Central Pacific Railroad وUnion Pacific Railroad الأميركيتين واللتين عملتا على مدار 7 سنوات لإتمام المهمة.

صورة لعدد من العمال الصينيين أثناء نقل الخشب لإنجاز سكة حديد الباسيفيك

في الأثناء، لعب المهاجرون، وعلى رأسهم الصينيون، دورا هاما في إنجاح مشروع سكة حديد الباسيفيك. فخلال سنوات بناء هذا الخط ما بين أوماها وساكرامنتو، عمل ما بين 15 ألفا و20 ألف مهاجر صيني على هذا المشروع ووفروا اليد العاملة اللازمة وفارق العديد منهم الحياة أثناء فترات العمل بسبب الأمراض والإنزلاقات الأرضية والحوادث.

صورة لليلاند ستانفورد

وخلال فترة حمى الذهب بكاليفورنيا ما بين عامي 1848 و1855، أقبل المهاجرون الصينيون نحو الولايات المتحدة الأميركية أملا في تحقيق الثروة والحصول على حياة أفضل. ومع تبدد أحلامهم، اتجه الصينيون للبحث عن وظائف أخرى وحصلوا على أجور ضئيلة مقارنة بالعمال الأميركيين ولهذا السبب أقبل أصحاب المصانع والمؤسسات على خدماتهم.

صورة لعمال صينيين يشتغلون على مشروع سكة حديد الباسيفيك

في غضون ذلك، رفض القائمون على أشغال بناء سكة حديد الباسيفيك انتداب العمال الصينيين عقب تذمّرهم حول البنية الجسدية الضعيفة لهؤلاء الآسيويين، وعدم قدرتهم على تحمّل مشاق هذا العمل المحفوف بالمخاطر. في الأثناء، أصيبت المؤسستان القائمتان على مشروع سكة حديد الباسيفيك بخيبة أمل كبيرة عقب تقدمهما بطلب لانتداب عمال حيث أقبل عدد ضئيل جدا من الأميركيين للعمل على هذا المشروع.

وأمام هذا الوضع، اقترح شارل كروكر مدير مؤسسة Central Pacific Railroad الحصول على خدمات المهاجرين الصينيين لإنجاز المشروع في أقرب وقت. واصطدمت هذه الفكرة بمعارضة شديدة من قبل العديد من المسؤولين الأميركيين الذين رفضوا التواجد الصيني عقب تنامي الشعور المعادي للصينيين خلال حمى الذهب بكاليفورنيا.

صورة لعمال صينيين أثناء فترة العمل على مشروع سكة حديد الباسيفيك

وبسبب عدم حصولها على عدد كاف من العمال، لجأت مؤسسة Central Pacific Railroad سنة 1864 لانتداب 21 عاملا صينيا، ومع تيقنها من كفاءة العمال الصينيين واصلت هذه المؤسسة انتداب العشرات منهم سنة 1865.

وفي عام 1865، خاطب ليلاند ستانفورد (Leland Stanford) مدير مؤسسة Central Pacific Railroad ومؤسس جامعة ستانفورد الكونغرس الأميركي ليحدثهم أن أغلب العاملين على سكة حديد الباسيفيك صينيون مؤكداً على استحالة إتمام هذا المشروع العملاق بدونهم.

صورة لمخيمات الصينيين قرب أماكن عملهم على سكة حديد الباسيفيك

وخلال فترة وجيزة، جذب هذا المشروع المزيد من الصينيين نحو ولاية كاليفورنيا وفي أقل من سنتين كان 90 بالمئة من العاملين على بناء سكة حديد الباسيفيك صينيين.

وقد انتدب هذا المشروع آلاف الصينيين من فاقدي الخبرة والحرفيين فعملوا جميعا لمدة 6 أيام أسبوعيا في ظروف قاسية وواجهوا خطر الموت مرات عديدة، بسبب اعتمادهم على المتفجرات لتهيئة المنطقة التي تمر منها السكة، كما تحدّث البعض عن تعرضهم للعنف الجسدي من قبل أرباب العمل.

صورة للإحتفال بنجاح مشروع سكة حديد الباسيفيك يوم 10 أيار مايو 1869

أيضا، حصل الصينيون أسبوعيا على راتب قدّر بنحو 26 دولاراً فقط، وهو ما يعادل نصف راتب العامل الأميركي، كما أجبروا على شراء غذائهم بأنفسهم. وخلال شهر حزيران/يونيو 1867، نظّم العمّال الصينيون بمشروع سكة حديد الباسيفيك إضرابا أدى لقطع إمدادات الطعام التي كانت ترسل نحو مخيماتهم وأسفر في النهاية عن تحسين ظروف عملهم.

بفضل دور العمّال الصينيين، حقق مشروع سكة حديد الباسيفيك نجاحا مذهلا وافتتح رسميا يوم 10 أيار/مايو 1869 ليسهّل عملية تنقل الأميركيين بين غرب وشرق البلاد.