أفادت تقارير عدة عن إجراء رئيس النظام السوري يوم الاثنين تغييرات أمنية، شملت إنهاء تكليف اللواء علي مملوك في منصب رئيس مكتب الأمن الوطني وتعيينه كنائب للرئيس السوري للشؤون الأمنية.
وأعاد تعيينه تسليط الضوء على قضية الوزير اللبناني السابق ميشال سماحة الذي اتّهمه وأدانه القضاء اللبناني إلى جانب اللواء علي مملوك وعقيد في الجيش السوري يدعى عدنان (مجهول باقي الهوية)، بالقيام بـ"أعمال إرهابية" بواسطة عبوات ناسفة والتخطيط لقتل شخصيات دينية وسياسية في لبنان عام 2012.
وجاء في الادعاء أن مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، القاضي سامي صادر، ادعى على سماحة ومملوك، بجرم "القيام بأعمال إرهابية بواسطة عبوات ناسفة تولى سماحة نقلها وتخزينها بعد أن جهزت من مملوك وعدنان"، مشيراً إلى أن الثلاثة قاموا بـ"التخطيط لقتل شخصيات سياسية ودينية".
وتعليقا على هذا التعيين، ولدى سؤالنا ماذا حل بمذكرة الاستدعاء اللبنانية الصادرة بحق مملوك، قال وزير الداخلية السابق مروان شربل الذي كان في منصبه عندما اعتقل الوزير سماحة لـ"العربية.نت"، متسائلا: كيف يُمكن جلب اللواء مملوك للمثول أمام القضاء اللبناني في وقت أن هناك مطلوبين لبنانيين هربوا إلى سوريا لا يُمكننا إستعادتهم"؟
ورغم حكم المحكمة، فقد ظلت أطراف لبنانية على رأسها حزب الله تدافع عن النظام السوري، لا بل اجتاز شباب حزب الله حدود لبنان دفاعا عن هذا النظام المتهم بالتخطيط لنسف السلم الأهلي في لبنان وضرب الاستقرار.
واعتبر وزير الداخلية اللبناني السابق "أنه لو كان اللبنانيون متّفقين على أولوية بلدهم لما كانت أي قضية تحدث في سوريا أو أي بلد آخر تؤثّر علينا"، وأضاف "لو كانت العلاقات طبيعية بين لبنان وسوريا لكان من السهل جداً محاكمته أمام القضاء اللبناني، لكن في ظل الظروف الحالية القائمة وانقسام اللبنانيين حول مسألة العلاقة مع سوريا والنظام السوري، فمن رابع المستحيلات جلب اللواء مملوك أمام القضاء اللبناني".
وإلى جانب اللواء علي مملوك، ارتبط اسم بثينة شعبان المستشارة السياسية والغعلامية في رئاسة الجمهورية السورية بالتحقيقات كما سرّبت بعض وسائل الإعلام اللبنانية.
60 عبوة ناسفة
وكان قد جرى القبض على سماحة في الثامن من آب/ أغسطس عام 2012 بتهمة التآمر على أمن الدولة بنقل متفجرات (60 عبوة ناسفة) من دمشق إلى بيروت والتحضير لتفجيرات في مآدب إفطارات رمضانية في شمال لبنان، بهدف قتل نواب وسياسيين ورجال دين وشخصيات من المعارضة السورية ومواطنين لبنانيين، إلا أن الجرم لم يتحقق لأسباب خارجة عن إرادتهم، بعد أن كشف المخبر السري ميلاد كفوري المخطط وسلّم المتفجرات إلى الأجهزة الأمنية.
واعترف سماحة الذي كان من أبرز حلفاء النظام السوري في الوسط المسيحي اللبناني وشغل مناصب وزارية عدة حتى عام 2004، بنقله متفجرات بسيارته وأنه استُدرج ووقع ضحية مخطط أمني وضعته مخابرات داخلية لبنانية وخارجية.
وقال الوزير مروان شربل "إن المخبر السري ميلاد كفوري (كلّفه سماحة بتفجير العبوات في الشمال الا انه اصبح مخبراً لشعبة المعلومات في قوى الأمن) اعترف بإفادته ان اللواء مملوك متورّط بقضية نقل متفجّرات الى لبنان".
13 عاماً مع الاشغال الشاقة
وأصدر قاضي التحقيق العسكري في لبنان في 20 فبراير/ شباط 2013 قراره الاتهامي وطالب بالأشغال الشاقة لمدة 13 عاماً لسماحة. كما أصدر مذكرة تحرٍ دائم للتوصل إلى الهوية الكاملة لمساعد اللواء مملوك المعروف لدى المحققين باسم "العقيد عدنان" الذي سلمّ المتفجرات، بحسب القرار الاتهامي، إلى سماحة بموافقة مملوك.
وفي تشرين أول/ أكتوبر 2012 اغتيل اللواء وسام الحسن، رئيس شعبة المعلومات التابع للمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي في لبنان، وأرجع البعض اغتياله إلى دوره في كشف قضية سماحة.
170 ألف دولار داخل كيس!
وأثارت قضية سماحة الرأي العام اللبناني لا سيما لجهة التسريبات المتعلقة باعترافاته التي يؤكد فيها أن رئيس النظام السوري بشار الأسد ومدير مكتب الأمن القومي السوري علي مملوك وحدهما يعلمان بمخطط التفجيرات الذي كان يعتزم تنفيذه.
وخلال المحاكمة، اعترف سماحة بتسلم مبلغ 170 ألف دولار من سوريا داخل كيس في مكتب عدنان (مدير مكتب مملوك) ووضعها في صندوق سيارته مع المتفجرات.
وعقدت جلسات عدة في السابق لمحاكمة مملوك، لكنها تعطلت لتعذر إبلاغ مملوك وفق الأصول.
وفي مايو/ايار 2015، أصدرت المحكمة العسكرية في لبنان حكمها على سماحه بسجنه 4 سنوات ونصف السنة فقط مع تجريده من حقوقه المدنية، ما أثار حفيظة وزير العدل آنذاك اللواء اشرف ريفي وزعيم "تيار المستقبل" سعد الحريري الذي رأى أن الحكم يشرّع الاغتيال والتفجير، إضافة إلى سائر قيادات وقوى 14 آذار، معتبرين أن الحكم "فضيحة".
استدعاء ممملوك عدة مرات
وأوضح الوزير أشرف ريفي لـ"العربية.نت": "انه تم استدعاء المملوك أكثر من مرّة للمثول أمام القضاء اللبناني لكن دون جدوى"، ولفت إلى "أن الدولة تقاعست عن دورها في هذا المجال بعدم تكليف الإنتربول الدولي توقيفه وجلبه للمثول أمام المحكمة اللبنانية".
وأكد "أن على رغم "تقصير" الدولة اللبنانية في جلب اللواء مملوك، لكن لا بد للعدالة أن تتحقق في النهاية".
وقرر القضاء اللبناني فصل قضية محاكمة سماحة عن محاكمة اللواء علي مملوك بسبب عدم تمكن القضاء من إبلاغ الأخير مواعيد محاكمته.
واعتبر اللواء ريفي المعروف بمناهضته للنظام السوري وحزب الله "أن فصل قضية اللواء مملوك عن الوزير ميشال سماحه سمح بعدم صدور قرار اتّهامي نهائي بحقّ المملوك". وأسف "لأن المحكمة العسكرية في لبنان حاكمت ميشال سماحه وأضاعت الشأن المتعلّق بقضية علي مملوك لاعتبارات سياسية".
من هو علي مملوك؟
يذكر أن مملوك من مواليد دمشق 1949 وينحدر من منطقة لواء اسكندرون، وشغل منصب رئيس فرع أمن الدولة، قبل تسلمه قيادة الأمن الوطني خلفًا لهشام بختيار، الذي قتل في تفجير دمشق عام 2012.
سجل حافل بالإجرام
مملوك الذي ينتمي لأسرة علوية، له تاريخ طويل في تأسيس أركان القمع والمؤسسات الأمنية في سوريا، حيث أوكلت إليه مهمة رئاسة فرع التحقيق في المخابرات الجوية، وتدرج في مناصبها حتى تسلّم إدارتها ما بين عامي 2003-2005، ويعتبر الصندوق الأسود لأسرار النظام.
وفي ثمانينات القرن الماضي، أوكلت إليه مهمة الإشراف على البرنامج الكيميائي للنظام، كما كان أحد الضباط المشرفين على تجارب الأسلحة الكيميائية خلال الفترة 1985-1995، وعلى استخدامها ضد معتقلين سياسيين في سجن تدمر في (الوحدة 417) التابعة للمخابرات الجوية والواقعة بالقرب من استراحة (الصفا) في منطقة أبو الشامات بالبادية السورية، حيث تم تجريب الأسلحة الكيمائية على المعتقلين، ومن ثم محو آثار الجريمة في المنطقة عبر قصفها بالطيران الحربي.
وفي عام 2005، تولى مملوك رئاسة جهاز المخابرات العامة أمن الدولة، وعمل على تطوير الإدارة وتزويدها بأساليب جديدة للمراقبة وقمع الحريات العامة في سوريا، وأصبح منذ ذلك الحين الواجهة المخابراتية للنظام، حيث أوكلت إليه مهمة التنسيق مع أجهزة الاستخبارات العالمية بما فيها الأميركية والأوربية والإيرانية، مما أتاح له مجال الإمساك بعدد كبير من ملفات النظام خلال الفترة 2011-2018.
وعلى إثر اندلاع الاحتجاجات السلمية في مارس/اذار 2011 كلّف بشار الأسد علي مملوك بمهمة قمع المظاهرات نظراً لما يملكه من باع طويل في تقنيات القمع، كما أنيطت إليه مسؤولية غرفة العمليات بإدارة المخابرات العامة.
عقوبات أوروبية
وبناء على هذا السجل الدموي، فقد تم إدراج اللواء علي مملوك في قوائم العقوبات البريطانية والأوروبية، والكندية والتي حملته المسؤولية المشتركة عن الجرائم التي تم ارتكابها بحق الشعب السوري.
يُمسك بالملف اللبناني:
وتتهم قوى سياسية مناهضة للنظام السوري علي مملوك بإمساكه بالملف اللبناني من خلال تدخّله في استحقاقات داخلية منها اخيراً ملف تشكيل الحكومة، حيث اتّهمه الزعيم الدرزي وليد جنبلاط بعرقلة تشكيلها وإطلاقه نعت "سنّة علي مملوك" على النواب السنّة الموالين لحزب الله وحلف الثامن من آذار.
كما اتّهمه جنبلاط بتوفير الحماية لأحد المتّهمين بقتل مناصر للحزب "التقدمي الاشتراكي" في حادثة الشويفات العام الماضي.
متّهم بتفجير مسجدين في طرابلس
وورد اسم اللواء مملوك في قضية تفجير مسجدي التقوى والسلام في طرابلس شمال لبنان في 23 اغسطس/اب 2013، مع اتّهام ضابطين في المخابرات السورية هما النقيب في فرع فلسطين محمد علي علي والمسؤول في فرع الأمن السياسي ناصر جوبان وتواصلهما بشكل مكثّف مع مكتب اللواء علي مملوك في سوريا.
وأوضح الوزير اللبناني أشرف ريفي "أن المجموعة الإرهابية التي خططت ونفّذت لعملية المسجدين مرتبطة باللواء علي مملوك وهذا مُثبت قضائياً".