يصنّف المقذاف (trebuchet) كواحد من أهم أسلحة الحصار التي استخدمت خلال القرون الوسطى، حيث اعتمدت الجيوش حينها بشكل مكثف على هذا السلاح لإرسال المقذوفات نحو تحصينات وقلاع ومدن العدو لهدم جدرانها والدخول إليها.
جاء المقذاف ليعوض المنجنيق في أغلب ساحات المعارك بسبب قدرته على استهداف المدن من على بعد مئات الأمتار.
بفضل ذلك، امتلك المقذاف قدرة هائلة أثناء فترات الحصار ظل استخدامه متواصلا حتى القرن 15 على الرغم من اكتشاف البارود وبلوغه للقارة الأوروبية.
وتعتمد آلة المقذاف أساسا على رافعة وقوة الجاذبية لتدمير أهدافها، فمع سقوط الوزن المعادل بالجهة الأولى يطلق المقذاف من جهته الثانية مقذوفا، عادة ما يكون عبارة عن حجر كبير، بشكل سريع وقوة هائلة نحو أسوار المدن المحاصرة ليلحق بها أضرارا جسيمة.
من جهته، اضطر ملك انجلترا إدوارد الأول خلال العشرة سنوات الأخيرة من حكمه، لمقارعة حرب استقلال اسكتلندا. وعقب انتصاره بمعركة فالكيرك (Falkirk) ضد جيوش المحارب الإسكتلندي وليام والاس (William Wallace) خلال شهر تموز/يوليو 1298، واصل الملك إدوارد الأول تقدمه ليجد نفسه خلال شهر نيسان/أبريل 1304 أمام قلعة ستيرلنغ (Stirling) التي تحصّن بها جنود والاس.
في غضون ذلك، اعتبرت قلعة ستيرلنغ حينها أهم قلعة في اسكتلندا بسبب مساحتها الكبيرة وموقعها الاستراتيجي المحصن فوق هضبة أحاطت بها أجراف صخرية من جهاتها الثلاثة، كما تواجدت هذه القلعة قرب نهر فورث وهو ما جعلها ضرورية لبلوغ شمال اسكتلندا.
إلى ذلك، كانت عملية السيطرة على قلعة ستيرلنغ ضرورية لملك انجلترا إدوارد الأول لإنهاء حرب استقلال اسكتلندا وإلحاق الهزيمة بما تبقى من أتباع والاس.
وعلى مدار أشهر، فرض الانجليز حصارا على قلعة ستيرلنغ وأمطروها بالعديد من المقذوفات كالحجارة والنار الإغريقية وخليط من البارود.
وأمام مضي سنوات على معركة فالكيرك وطول مدة الحصار المفروض على المنطقة، أمر الملك إدوارد الأول بإنتاج سلاح غريب اعتبر كواحد من أسلحة الدمار الشامل بالعصور الوسطى.
وقد أوكل الملك إدوارد الأول للمهندس الفرنسي الأصل جيمس دي سانت جورج (James of Saint George) مهمة إنتاج هذا السلاح والذي كان عبارة عن مقذاف عملاق تراوح ارتفاعه بين 300 و400 قدم وقادر على إرسال مقذوفات يتجاوز وزنها 300 رطل بسرعة هائلة قدرتها مصادر معاصرة بنحو 120 ميل في الساعة نحو مناطق يصل بعدها لحوالي 200 ياردة. وقد تطلب بناء هذا المقذاف العملاق الملقّب بذئب الحرب (Warwolf) 5 من كبار النجّارين الإنجليز إضافة لعشرات من العمال الآخرين.
مع مشاهدتهم لهذا المقذاف العملاق، قرر الإسكتلنديون داخل قلعة ستيرلنغ الاستسلام خوفا من انهيار الجدران عليهم. لكن ملك انجلترا رفض ذلك، مفضّلا تجربة سلاحه الجديد أولا فأطلقت قواته مقذوفات دمّرت جانبا من أسوار القلعة.
يوم 24 تموز/يوليو 1304، سمح إدوارد الأول للإسكتلنديين بالاستسلام ومغادرة القلعة، فأسر كل من كان بداخلها، وأعدم المسؤول الإنجليزي السابق عنها.
كذلك أرسل القائد الإسكتلندي وليام أوليفانت (William Oliphant) نحو برج لندن.