نبض لبنان

من هو الرجل الذي جرّم هجرة المكسيكيين لأميركا؟

مطلع القرن العشرين، كانت القوانين التي تجرّم دخول أراضي الولايات المتحدة الأميركية بدون ترخيص شبه غائبة، حيث اقتصرت الإجراءات الجزائية على إمكانية ترحيل وملاحقة المهاجرين الذين يجتازون الحدود دون المرور بنقاط دخول رسمية. لكن بحلول العام 1929، تغيّرت هذه الوضعية بشكل تام مع تمرير الكونغرس لقانون جديد موجه ضد المكسيكيين أساسا، جُرّمت من خلاله عمليةُ اجتياز الحدود الأميركية المكسيكية.

جانب من الجنود الأميركيين المشاركين بالحرب العالمية الثانية

مع بداية عشرينيات القرن الماضي، لم تكن الحدود الأميركية المكسيكية مصدر قلق للأميركيين حيث اقتصرت عمليات الهجرة خلال تلك الفترة أساسا على السفن القادمة من كل من أوروبا وآسيا. وبسبب ذلك، تركزت عمليات مراقبة وتنظيم الهجرة بالموانئ بدلا من الحدود البرية. فضلا عن ذلك، ظهرت الدوريات الأمنية على الحدود المكسيكية الأميركية بداية من العام 1924 لمراقبة عمليات تهريب الأسلحة والكحول، تزامنا مع انتشار الجريمة المنظمة بالولايات المتحدة وللتصدي لهجرة الصينيين عقب تمرير قوانين صارمة منعت دخولهم للأراضي الأميركية.

صورة لعدد من المهاجرين المكسيكيين أثناء تثبتهم من وثائقهم ضمن برنامج براسيرو

وكان الصينيون أول من تعرضوا للحرمان من الهجرة للأراضي الأميركية عقب قانون عام 1882 وبعد بضعة عقود فقط صدر قرار عام 1917 والذي منع هجرة الآسيويين للولايات المتحدة. فضلا عن ذلك، ساند العديد من المسؤولين بالكونغرس الأميركي فكرة تشجيع هجرة الأنجلوساكسونيين البروتستانت على حساب بقية المناطق الأوروبية.

صورة للسيناتو كولمان ليفنغستون بليز

وسجلّت أعداد المهاجرين من غرب وشمال أوروبا ارتفاعا ملحوظا مقارنة بأولئك القادمين من جنوبها وشرقها عام 1924. في غضون ذلك، استثنت كل قوانين تنظيم الهجرة المكسيكيين بسبب حاجة المناطق الفلاحية الأميركية لليد العاملة المكسيكية، خاصة مع تراجع الوافدين الصينيين.

صورة لعدد من المهاجرين المكسيكيين العاملين بمجال الفلاحة أثناء حصولهم على وجبة طعامهم

وفي سنة 1929، اقترح السيناتور الديمقراطي كولمان ليفنغستون بليز (Coleman Livingston Blease) صياغة قانون جديد لتحديد هجرة المكسيكيين، حسب حاجيات قطاع الفلاحة الأميركي والمصلحة الوطنية. وبموجب ذلك، عرض هذا السيناتور تمرير قانون يجرّم هجرة المكسيكيين، المقدر عددهم بنحو 1.5 مليون نسمة بجنوب الولايات المتحدة الأميركية حينها، الذين يعبرون الحدود دون المرور بنقاط دخول رسمية لدفع معلوم العبور والخضوع لجانب من الاختبارات.

السيناتور كولمان ليفنغستون بليز

ومع تمرير مقترح بليز ضمن البند 1325 من المادة 8 بالقانون الأميركي، برز مصطلح "مهاجر غير شرعي" وأصبحت عملية اجتياز الحدود الأميركية المكسيكية خلسة جريمة يعاقب عليها القانون الأميركي بالسجن والترحيل. وأجبر المكسيكيون على دفع معلوم باهظ، لم يكن في متناول الجميع، قبل الخضوع لجملة من الفحوصات الطبية عند مرورهم بنقاط العبور. وأمام عدم قدرتهم على توفير المبلغ المالي الكافي، واصل المكسيكيون عبور الحدود خلسة ليجدوا أنفسهم في مشاكل مع السلطات الأميركية.

وفي الأثناء، استغلت الولايات المتحدة الأميركية البند 1325 الجديد لتبدأ بعملية طرد المكسيكيين والتي عرفت أوجها خلال سنوات الكساد العظيم، حيث قدّر عدد المكسيكيين المطرودين بمئات الآلاف بعد اتهامهم بإلحاق الضرر بالاقتصاد وتقليص فرص عمل الأميركيين.

صورة لأحد المهاجرين المكسيكيين أثناء فترة عمله بإحدى المزارع الأميركية

وخلال فترة الحرب العالمية الثانية، فضّلت الولايات المتحدة الأميركية تخفيف القيود على هجرة المكسيكيين، تزامناً مع تراجع عدد العمال الأميركيين الذين أجبروا على الالتحاق بالجيش للقتال بأوروبا والمحيط الهادئ. كما عمدت السلطات الأميركية سنة 1942 لإقرار برنامج براسيرو (Bracero Program)، والذي اتجهت بموجبه لاستقطاب ما يزيد عن 300 ألف مكسيكي لمجابهة النقص الحاد في اليد العاملة.

وقد تواصل تطبيق هذا البرنامج لحدود العام 1964 واستمرت عملية تخفيف إجراءات الرقابة على المكسيكيين إلى حدود عهد الرئيس الأميركي جورج بوش الابن الذي اتجهت إدارته لتطبيق البند 1325 بشكل منظم. ومن بعده، واصلت إدارتا الرئيسين باراك أوباما ودونالد ترمب تطبيق هذا البند الذي أصبح مثيرا للجدل بسبب إقراره لعملية الفصل بين الآباء المهاجرين وأطفالهم عند الحدود.