نبض لبنان

خارطة من مجلة ناشيونال جيوغرافيك رسمت حدود الكوريتين

قبل قرون من تقسيمها عقب الحرب العالمية الثانية، عاش الكوريون بشبه الجزيرة الكورية ضمن دولة واحدة تداولت على حكمها العديد من السلالات، لكن مع نجاح إصلاحات ميجي باليابان وصعود الأخيرة كقوة إقليمية بالمنطقة، سعى اليابانيون لخلق إمبراطوريتهم والحصول على المزيد من الموارد عن طريق التوسع على حساب دول الجوار.

وبسبب ذلك، تحوّلت شبه الجزيرة الكورية لمصدر خلاف بين إمبراطورية اليابان والإمبراطورية الروسية التي رأت في التوسع الياباني بالمنطقة تهديدا لمصالحها.

القيصر الروسي نيقولا الثاني

خلال حضوره لمراسم تنصيب القيصر الروسي نيقولا الثاني يوم 26 أيار/مايو 1896، اقترح الوفد الياباني على الجانب الروسي فض الخلاف حول مصير شبه الجزيرة الكورية عن طريق تقسيمها بين الطرفين عند خط العرض 38 فتحصل روسيا بذلك على القسم الشمالي منها ويتحول النصف الجنوبي لمنطقة نفوذ يابانية.

رئيس الوزراء الياباني ياماغاتا أريتومو

في الأثناء، اصطدم المقترح الياباني برفض روسي حيث فضّل الروس بدلا من ذلك إبرام اتفاقية أخرى، عرفت باتفاقية ياماغاتا لوبانوف (Yamagata–Lobanov)، يوم 9 حزيران/يونيو 1896 بين رئيس الوزراء الياباني ياماغاتا أريتومو (Yamagata Aritomo) ووزير خارجيته ألكسي لوبانوف روستوفسكي (Alexei Lobanov-Rostovsky) قرر من خلالها الطرفان تحويل شبه الجزيرة الكورية لدويلة حاجزة لتجنب الصراع وحماية مصالحهما بالمنطقة.

لاحقا، فشلت هذه الاتفاقية والمفاهمات التي تلتها في الحفاظ على الهدوء بالمنطقة حيث تزايد التنافس بين الطرفين حول شبه الجزيرة الكورية خلال السنوات ليتسبب في اندلاع الحرب اليابانية الروسية سنة 1904 والتي انتهت بعد نحو عام ونصف بمقتل ما يزيد عن 100 ألف جندي من كلا الطرفين وانتصار اليابان وتوقيع اتفاقية بورتسموث.

لوحة تجسد التدخل الياباني بشبه الجزيرة الكورية عقب الحرب الروسية اليابانية

وعقب هذه الحرب، وقعت شبه الجزيرة الكورية سنة 1905 تحت نفوذ اليابان وتحولت بشكل رسمي بعد 5 سنوات لمستعمرة يابانية، وقد ظلت شبه الجزيرة الكورية مستعمرة يابانية لنحو 35 سنة.

القائد السوفيتي جوزيف ستالين

فعقب مؤتمر يالطا خلال شهر شباط/فبراير 1945، وافق القائد السوفيتي جوزيف ستالين على التدخل عسكريا ضد اليابان في غضون فترة لا تتعدى الثلاثة أشهر من تاريخ نهاية الحرب على الساحة الأوروبية وهزيمة ألمانيا.

يوم 8 آب/أغسطس 1945 وبعد يومين فقط من استهداف مدينة هيروشيما اليابانية بالقنبلة الذرية، أعلن الاتحاد السوفيتي الحرب على اليابان ليتدخل على إثر ذلك بكل من منشوريا وشبه الجزيرة الكورية، التي كانت مستعمرات يابانية حينها، ويحقق تقدما سريعا خلال أيام وجيزة.

رسم كاريكاتيري ساخر حول الحرب الروسية اليابانية

في غضون ذلك، أثار التقدم السوفيتي قلق المسؤولين الأميركيين الذين تخوفوا من إمكانية سيطرة السوفيت على كامل شبه الجزيرة الكورية أمام الانهيار الواضح الذي عانت منه الجيوش اليابانية بالمنطقة، ولهذا السبب، اتجه الأميركيون لرسم خطة لتقسيم شبه الجزيرة الكورية مع الجانب السوفيتي.

دين راسك

وقع اختيار الإدارة الأميركية على كل من دين راسك (Dean Rusk) وشارل بونستيل (Charles Bonesteel) لوضع خريطة تقسيم شبه الجزيرة الكورية.

ومن خلال قرار شبيه بذلك الذي اتخذه اليابانيون قبل نحو نصف قرن، وقع اختيار المسؤولين الأميركيين، بمحض الصدفة، بعد نصف ساعة من العمل على خط العرض 38 لتقسيم شبه الجزيرة الكورية لنصفين متساويين عقب اعتمادهما على خريطة من مجلة ناشيونال جيوغرافيك (National Geographic Magazine) وقد حصلت الولايات المتحدة الأميركية على النصف الجنوبي الذي يقطنه نحو 15 مليون نسمة، بينما حظي السوفيت بالنصف الشمالي الذي تواجد به 9 ملايين كوري.

ومن خلال قرار أذهل الجميع، وافق السوفيت على التقسيم الأميركي وباشروا باحتلال المدن الكورية الواقعة شمال خط العرض 38 بينما حلّت القوات الأميركية بمنطقة إنشون يوم 8 أيلول/سبتمبر 1945 لتبدأ باحتلال النصف الجنوبي من شبه الجزيرة الكورية.

وبينما اختير ري سنغ مان (Syngman Rhee)، ذي التوجهات المعادية للشيوعيين، رئيسا للنصف الجنوبي من شبه الجزيرة الكورية، نصّب السوفيت الشيوعي كيم إل سونغ (Kim Il-sung)، جد الزعيم الكوري الحالي، حاكما على الشطر الشمالي، كما اختير خط العرض 38 للفصل بين الكوريتين ذواتي الأيديولوجيات المختلفة.

قبل اندلاع الحرب بين الجارتين منتصف عام 1950، شهد خط العرض 38 مناوشات مسلحة عديدة بين الكوريتين أسفرت عن مقتل ما يزيد عن 10 آلاف شخص، وعقب الحرب الكورية التي استمرت لأكثر من ثلاث سنوات وأسفرت عن سقوط ما يزيد عن مليوني ضحية، وقع الاختيار مرة أخرى على خط العرض 38 للفصل بين الكوريتين.