يوم 28 تموز/يوليو 1914، كان العالم على موعد مع بداية الحرب العالمية الأولى والتي اندلعت على إثر حادثة اغتيال ولي عهد النمسا فرانز فرديناند وزوجته صوفي قبل شهر بمدينة سراييفو البوسنية. وبسبب ذلك، عاشت البشرية على وقع نزاع دموي استمر لما يزيد عن 4 سنوات وأسفر عن مقتل ما يزيد عن 15 مليون شخص.
مع توقيعهم على هدنة يوم 11 تشرين الثاني/نوفمبر 1918، المعروفة أيضا بهدنة كومبين الأولى، تفاءلت الأطراف المتحاربة، بناء على ما جاء بنقاط الرئيس الأميركي ولسن، بمستقبل مشرق خالٍ من الحروب والنزاعات. لكن بمجرد جلوسهم إلى طاولة المفاوضات بمؤتمر السلام مطلع العام 1919، تفاجأ الحلفاء المنتصرون بحجم الخلاف الذي عجّل بوضع حد للرؤية المثالية للرئيس ولسن.
أثناء مؤتمر السلام، هيمنت كل من فرنسا والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وإيطاليا على المفاوضات، حيث تم تقزيم دور بقية الدول الأخرى المنتصرة في الحرب والتي حصلت بدورها على وعود بامتيازات وحقوق إضافية مع نهاية النزاع العالمي. وإضافة لمعاهدة فرساي الشهيرة الموقعة خلال شهر حزيران/يونيو 1919 مع الألمان، أجبر المنتصرون بقية الدول المهزومة كبلغاريا والنمسا المجر والأتراك على توقيع اتفاقيات مماثلة ذات شروط مذلة.
ومنذ بداية مؤتمر السلام بباريس سنة 1919 تعرض الألمان لأولى الإهانات حيث انطلقت مفاوضات السلام يوم 18 يناير/كانون الثاني 1919 وهو اليوم الذي يصادف يوم إعلان الوحدة الألمانية سنة 1871 بفرساي عقب النصر البروسي على الفرنسيين وأسر الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث، وإلى ذلك كان جليا للعالم سعي فرنسا لاستعادة إقليم الألزاس لورين الذي خسرته لصالح الألمان عقب الحرب البروسية الفرنسية.
ومن خلال معاهدة فرساي (Treaty of Versailles)، أجبر الألمان على التخلي عن أجزاء كبيرة من أراضيهم لصالح كل من بلجيكا وفرنسا وتشيكوسلوفاكيا وبولندا وجرّدوا من مستعمراتهم بكل من الصين والمحيط الهادئ وإفريقيا، كما تم تحديد قدراتهم العسكرية حسب شروط المنتصرين وأجبروا على تقديم تعويضات مالية كبيرة قدرت سنة 1921 بنحو 132 مليار مارك بناء على البند 231 الذي حمّل ألمانيا مسؤولية اندلاع الحرب العالمية الأولى.
وأمام هذه البنود، انهارت الرؤية المثالية للرئيس الأميركي ولسن حيث فشل الأخير في الحد من التسلح العالمي واقتصرت شروط تحديد قدرات الجيوش على الدول المهزومة فقط. فضلا عن ذلك، تشاءمت بقية الدول المنتصرة وتساءلت حول مدى قدرة منظمة عصبة الأمم، التي طالب ولسن بإنشائها، على فض النزاعات وإنهاء الحروب. أيضا، طالبت فرنسا بضرورة إجبار ألمانيا على تقديم تعويضات، كما نظرت بريطانيا بعين الريبة لمقترحات ولسن واعتبرتها تهديدا أميركيا لدورها ونفوذها بأوروبا.
من جانب آخر، شكك العديد من المؤرخين في قدرة ألمانيا على دفع مثل هذه التعويضات الكبيرة وتأثير ذلك على الاقتصاد الألماني والأوروبي. فبسبب تبعات معاهدة فرساي، عرفت ألمانيا سنة 1921 تضخما ماليا هائلا زاد في بؤس وفقر الشعب الألماني، خاصة مع بلوغ نسبة البطالة لأرقام قياسية وانهيار العملة. فضلا عن ذلك، ذهب الرئيس الأميركي هيربرت هوفر (Herbert Hoover) لأبعد بكثير عن طريق الربط بين معاهدة فرساي وأزمة الكساد العظيم التي عصفت بالاقتصاد العالمي.
إلى ذلك، لم تساهم بنود معاهدة فرساي الموقعة يوم 28 حزيران/يونيو 1919 في حماية السلام العالمي. وعقب إطلاعه على بنودها، أصيب المارشال الفرنسي فرديناند فوش (Ferdinand Foch) بخيبة أمل وقال مقولته الشهيرة: "هذه ليست معاهدة سلام، هذه هدنة بعشرين عاما".
لم تكن توقعات المارشال الفرنسي فرديناند فوش خاطئة، حيث انطوت معاهدة فرساي على بذور الحرب العالمية الثانية، فساهمت في صعود الحزب النازي وقائده أدولف هتلر الذي ضرب بمعاهدة فرساي عرض الحائط ليباشر بسياسة عدائية انتهت باندلاع نزاع عالمي آخر سنة 1939، بعد مضي نحو 20 عاما و65 يوما على توقيع معاهدة فرساي، أسفر عن سقوط ما يزيد عن 60 مليون قتيل.