نبض لبنان

كيف خططت أميركا لإلقاء 50 قنبلة نووية على الصين؟

سنة 1951 عاشت الولايات المتحدة الأميركية على وقع واحدة من أشهر المواجهات التي جمعت بين المدنيين في السلطة والعسكريين. فعلى إثر جملة من الأزمات والخلافات حول مسألة الحرب الكورية، أعفى الرئيس الأميركي هاري ترومان (Harry S. Truman) الجنرال دوغلاس ماكارثر (Douglas MacArthur)، المصنّف كواحد من أهم العسكريين الأميركيين بالحرب العالمية الثانية، من مهامه كقائد للقوات الأميركية بشبه الجزيرة الكورية، متسبباً بذلك في غضب الرأي العام. وقد جاءت عملية تسريح ماكارثر بعد قرار من الرئيس ترومان الذي فضّل إبقاء التدخل الأميركي بالحرب الكورية محدوداً وعدم توسيع النزاع لدول الجوار.

الرئيس الأميركي هاري ترومان

خلال الفترة الأولى من الحرب الكورية، لعب الجنرال الأميركي دوغلاس ماكارثر دوراً هاماً في إنقاذ كوريا الجنوبية من غزو جارتها الشمالية. فبفضل خبرته العسكرية واستراتيجيته، تمكن ماكارثر من إنجاح إنزال إنتشون خلال شهر أيلول/سبتمبر 1950 ليقصي بذلك قوات كوريا الشمالية من أراضي جارتها الجنوبية.

الجنرال ماكارثر خلال متابعته لقصف إنشون
جانب من الدبابات الأميركية خلال الحرب الكورية

ومع هذا النجاح العسكري الباهر الذي قادته الجيوش الأميركية وقوات الأمم المتحدة، اقترح الجنرال الأميركي المحنك على الرئيس هاري ترومان مواصلة الحرب إلى عمق أراضي كوريا الشمالية لتوجيه ضربة قاضية لنظام الرئيس كيم إل سونغ (Kim Il-sung) وحسم المعركة مع الشيوعيين بالمنطقة. وعلى الرغم من إعجابه الشديد بهذه الفكرة، تخوّف الرئيس الأميركي هاري ترومان من تدخل عسكري صيني محتمل بالنزاع خاصة مع النجاحات التي حققها الزعيم الصيني ماو تسي تونغ بالحرب الأهلية وإعلانه عن قيام جمهورية الصين الشعبية، ذات الحدود المشتركة مع كوريا الشمالية، سنة 1949.

خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر 1950، التقى الجنرال ماكارثر بالرئيس ترومان وأكد له أن حظوظ تدخل الصين بالنزاع الكوري ضئيلة ملوحا بعدم قدرة جمهورية الصين الشعبية حديثة النشأة على تحمل عبء حرب من هذا القبيل. لكن توقعات ماكارثر كانت خاطئة. فمع اقتراب القوات الأميركية والدولية من الحدود الكورية الصينية، تدخل الصينيون بالنزاع وأقحموا بشكل مفاجئ مئات الآلاف من جنودهم بالنزاع مجبرين الأميركيين على التراجع نحو جنوب شبه الجزيرة الكورية.

الزعيم الكوري كيم إل سونغ
كاريكاتير دعائي صيني حول التدخل الصيني بالحرب الكورية

وأمام فشل توقعاته وانهيار جيوشه ضد تدخل مئات آلاف الصينيين بالنزاع، طالب الجنرال الأميركي ماكارثر باستخدام السلاح النووي ضد الصين. وعلى حسب خطة الجنرال الأميركي، اقتضى الهجوم استخدام نحو 50 قنبلة نووية لقصف مدن إقليم منشوريا وخطوط الاتصال وثكنات الجيش الصيني عند الحدود الصينية الكورية وخلق حزام مشع يمتد ما بين بحر اليابان والنهر الأصفر والاعتماد على جيش القوميين الصينيين بتايوان لطرد قوات جمهورية الصين الشعبية من شبه الجزيرة الكورية.

الزعيم الصيني ماو تسي تونغ
جانب من المعارك بالعاصمة الكورية الجنوبية سيول

رفض الرئيس هاري ترومان مقترح الجنرال ماكارثر مؤكداً أن الاتحاد السوفيتي سيتدخل في حال استهداف أحد حلفائه بالسلاح النووي. وبناءً على ذلك، تصاعدت الخلافات بين الرجلين خاصة مع تقديم ماكارثر لخطابات مغايرة لتطلعات الرئيس.

لوحة تخيلية للقوات الأميركية بالحرب الكورية

وخلال شهر نيسان/أبريل 1951، أعفى الرئيس هاري ترومان الجنرال دوغلاس ماكارثر من مهامه كقائد للعمليات بشبه الجزيرة الكورية وعيّن الجنرال ماثيو ريدجواي (Matthew Ridgeway) بدلاً منه. ولتبرير موقفه، ألقى ترومان يوم 11 نيسان/أبريل 1951 خطاباً دافع من خلاله عن الحرب بشبه الجزيرة الكورية وشجب الاتحاد السوفيتي ودوره في معاداة الحرية، كما أكد على عدم رغبة الولايات المتحدة الأميركية في إشعال فتيل حرب عالمية ثالثة. وعن الجنرال ماكارثر، نوّه ترومان أن إعفاءه قد جاء لتوحيد كلمة السياسة الخارجية الأميركية.

الجنرال الأميركي دوغلاس ماكارثر

من جهتهم، استقبل الأميركيون الجنرال ماكارثر استقبال الأبطال واستنكروا قرار طرده من قبل الرئيس الديمقراطي ترومان الذي تراجعت شعبيته بشكل لافت للانتباه لتشهد انتخابات عام 1952 هزيمة قاسية للحزب الديمقراطي ونصرا سهلا للمرشح الجمهوري دوايت أيزنهاور (Dwight D. Eisenhower).

الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور