تسيطر المبادرات والرؤى السياسية، التي تقدمها أحزاب سياسية ومؤسسات وطنية وشخصيات عامة، وتستهدف الخروج من الأزمة الراهنة التي تعيشها الجزائر، على المشهد العام بالبلاد، غير أنها لم تنجح إلى الآن في كسر الجمود وتجاوز حالة الركود، في ظل عدم تجاوب السلطة مع هذه المقترحات، وإصرار المؤسسة العسكرية على الذهاب نحو انتخابات رئاسية في أقرب وقت ممكن.
عشرات المبادرات للحل
وامتلأت الساحة السياسية بعشرات المبادرات والأفكار، التي عرضت حلولا وخططا تتجه كلها نحو إيجاد مخرج آمن ومدخل لانتقال ديمقراطي سلس وسليم ، آخرها مبادرة وقعتها أكثر من 71 نقابة وجمعية ومنظمة وطنية، دعت فيها إلى "تنصيب شخصية وطنية أو هيئة رئاسية توافقية، تشرف على مرحلة انتقالية للعودة إلى المسار الانتخابي"، إلى جانب "تشكيل حكومة كفاءات وطنية لتسيير الأعمال، وتنصيب هيئة مستقلة للإشراف وتنظيم والإعلان عن نتائج الانتخابات".
وسبقت هذه المبادرة، مبادرات أخرى، طرحت أغلبها حلولا وآليات، تجمع بين المخرج الدستوري والسياسي لحل الأزمة وتدعو إلى الحوار، تقدمت بها شخصيات عامة، على غرار وزير الخارجية الأسبق طالب أحمد الابراهيمي ورئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور، وهما من أهم الأسماء التي يطرحها الحراك الشعبي للإشراف على المرحلة الانتقالية، وكذلك طرحتها أحزاب سياسية.
ولكن بالرغم من تعدّدها وتنوّعها، لم تنتقل هذه المبادرات إلى مرحلة النقاش والتفاوض ولم ترتق إلى مستوى الحل التوافقي، وبقيت في حدود الطرح، إذ لم يتبناها لا الحراك الشعبي المتمسك بمطالب رحيل ببقايا ورموز النظام السابق والدخول في مرحلة انتقالية تنتهي بإجراء انتخابات رئاسية، ولا قيادة الجيش، التي تصرّ على تطبيق الأحكام الدستورية والقانونية، والتعجيل في إجراء الانتخابات الرئاسية، كسبيل وحيد لحل الأزمة السياسية.
تفعيل المادة 7 و8 من الدستور ورفض الجيش
وفي هذا السياق، يرى الناشط السياسي المعارض سمير بلعربي، أن مختلف المبادرات السياسية، التي تم اقتراحها، للخروج من حالة الانسداد السياسي، أجمعت أن الحل السياسي يكمن في إطار تفعيل المادة 7 و8 من الدستور، وهو ما جعلها تصطدم برفض المؤسسة العسكرية، التي لا ترضى بأيّ مقترح خارج المادة 102 من الدستور، وتتمسك بعبد القادر بن صالح رئيسا، رغم الملايين التي تنزل أسبوعيا للشارع، وتطالب برحيله وتنحي الباءات الثلاثة.
ومع اقتراب انتهاء الآجال الدستورية لرئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح يوم 9 يوليو و تحضير المعارضة للندوة الوطنية المزمع عقدها بداية الشهر المقبل، يؤكد بلعربي في تصريح للعربية.نت، أنّ" الحل لا يكمن في كثرة المبادرات أو تنوعها، بقدر ما يفرض على الطرفين، أيّ الحراك الشعبي والسلطة الإنتقالية ضرورة التنازل للخروج من الأزمة".
بقاء بن صالح
وفي هذا الإطار، أفاد بلعربي وهو من أبرز وجوه الحراك، أن "المعارضة تقدّمت خطوة مهمة، وبدأت تتقبّل فكرة بقاء بن صالح على رأس الدولة، مع استقالة رئيس الحكومة نورالدين بدوي وتعويضه بشخصية توافقية، تحظى بكامل صلاحيات، تتولى إجراء الحوار مع كل الأطراف وتشكيل الحكومة وهيئة المستقلة لتنظيم الانتخابات الرئاسية.
"لا مبادرات جادة والمعارضة تتعنت"
من جهته، رأى المحلل السياسي جلال مناد في تصريح للعربية.نت، أن الأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية، "لم تطرح إلى حد الآن مبادرات سياسية واعية وجادة للخروج من الأزمة"، مضيفا أن ما يتم ترديده، هي "مجرّد مواقف يتأرجح أصحابها بين الحل الدستوري وتعطيل العمل بالقانون".
وأشار مناد إلى أن الجهة المتعنتة في كل ما يحدث، ليست المؤسسة العسكرية، التي تخوض معركة قضائية ضدّ رموز نظام بوتفليقة بتهم فساد، وطرحت التدابير القانونية التي تسبق إجراء الانتخابات الرئاسية، بقدر ماهي الأحزاب والنشطاء، معتبرا أنهما "الطرف الذي يجب أن يتقدم إلى الأمام، بعيدا عن عقلية التظاهر بالشارع، ويعترف علنا بمكاسب تحققت من جهة الجيش، ثم يدعو إلى حوار جاد حول الانتخابات، كآلية لبلوغ التغيير السياسي المنشود، ويتعهدّ بتوفير الجوّ السياسي المناسب، لتنظيم هذا الموعد الإنتخابي الرئاسي".
أما الكاتب الصحفي والمحلل السياسي عزالدين بن سويح، فرأى أنّ مضامين كل المبادرات السياسية التي طرحت إلى حد اليوم، "لم تتنازل عن الفكرة التي يرفضها الجيش وهي الدخول في مرحلة انتقالية"، لذلك "لم ترتق إلى مرحلة النقاش ولم تتحول إلى خارطة طريق قادرة على تغيير المشهد ، مشيرا إلى أن الجيش يرغب في الذهاب مباشرة إلى انتخابات رئاسية في أقرب وقت ممكن، من أجل طوي صفحة " الثورة" نهائيا.
ومع استمرار الحراك الشعبي في مسيراته وتمسكه بمطالبه، قال بن سويح للعربية.نت إنه "على السلطة التضحية بحكومة نورالدين بدوي وتغييرها، مع الإبقاء على بن صالح رئيسا إلى حين إجراء انتخابات"، مؤكدا أن "هذا الأمر سيحدث انفراجا كبيرا في المشهد السياسي الجزائري ويضع حدّا لهذا المناخ المتوّتر".