تعيش الجبهة الشعبية، أكبر تكتل لليسار في تونس وأقوى طرف في المعارضة، حالة انشقاق وتفكّك بين مكوناتها، هي الأسوأ منذ تشكلّها عام 2012، في خطوة عجلّت بانتهاء هذه التجربة التي جمّعت بين مختلف الأحزاب اليسارية، وتكاد تعصف بمستقبلها في المشهد السياسي، قبل أشهر على موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
ومع بدء العد التنازلي لتقديم المرشحين للانتخابات البرلمانية في 22 يوليو المقبل، أعلن حزب "الطليعة العربي الديمقراطي" (أحد مكونات الجبهة الشعبية) في بيان، عن "انتهاء هذا التكتل اليساري بالصيغة التي تأسس بها، وبالتوازنات التي قام عليها، والآفاق التي رسمت له، وحتى بالمعاني التي انطوت عليها أرضيته السياسية".
وفشلت الجبهة الشعبية في الحفاظ على وحدة صفّها، بعد انقسام أبرز مكوناتها إلى شقين (حزب الوطنيين الديمقراطيين، ورابطة اليسار من جهة، وحزب العمّال بقيادة حمة الهمامي وحلفائه من جهة ثانية)، وانخراطهم في صراع قانوني حول الملكية القانونية لهذا التكتلّ وشعاره الانتخابي، وذلك عقب استقالة 9 من نواب البرلمان وإعلان نيتهم تشكيل ائتلاف انتخابي تحت اسم "الجبهة الشعبية".
في هذا السياق، اتهمت الجبهة الشعبية "شق حمة الهمامي" في بيان، حزب الوطنيين الديمقراطيين (الوطد) بـ"تفكيك الكتلة أوّلا ثم افتكاك الجبهة ورمزها الانتخابي"، وذلك من خلال إيداع ملف بشكل سري، لدى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات يحوّل الجبهة الشعبية من ائتلاف حزبي إلى ائتلاف انتخابي، يضمّ حزب الوطد الموحّد ومنسّق رابطة اليسار العمالي بمفردهما.
"فائدة شخصية"
في المقابل، اتهم حزب "الوطد"، في بيانه أمين عام حزب العمال حمة الهمامي بـ"رهن" الجبهة الشعبية لفائدة شخصه، وليس لـ"مناضليها ومناضلاتها" ومختلف مكوناتها، منذ سنة 2013، تاريخ إقدامه خلسة على طلب تسجيل شعار "الجبهة الشعبية" بالمعهد الوطني للمواصفات الملكية الصناعية كملكية فردية خاصة به، وليس بصفته مفوضاً قانونياً من قبل مختلف مكونات الجبهة الشعبية.
تأتي هذه التطورات المتسارعة، قبيل الانتخابات التشريعية التي ستجرى في 6 أكتوبر والرئاسية في 10 نوفمبر المقبلين، والتي رافقتها مخاوف من إمكانية حرمان الجبهة من المشاركة في هذا الاستحقاق الانتخابي، بعد أن هدّدت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، بإسقاط القوائم الانتخابية للأحزاب التي تشهد انقسامات وانشقاقات ونزاعاً على الشرعية القانونية.
وعمّا إذا كانت الأسباب التي أدت إلى تفكك الجبهة الشعبية، ترتبط بغياب التوافق حول قوائم المرشحين للانتخابات التشريعية ومرشح الرئاسيات، قال المحلل السياسي خالد عبيد إنه "لا يمكن اعتبار ذلك سبباً مباشراً في الانقسام الذي شهده تكتل اليسار في تونس"، موضحاً أن "الانتخابات عجلّت فقط بهذه الأزمة وعرّت الخلافات بين مكونات وقيادات الجبهة وأخرجتها إلى العلن".
وأضاف عبيد في تصريح لـ"العربية.نت" أن الخلاف داخل الجبهة الشعبية "شخصي" بين قيادة حزب العمال ممثلة في حمة الهمامي ورغبته في مواصلة تمثيل الجبهة الشعبية وتزعمها، وقيادات حزب الوطد الرافضين لاستمرار هيمنه هذا الحزب على الجبهة الشعبية، مقابل رغبتهم في التغيير وإقرار التناوب على المناصب، وكذلك "خلاف إيديولوجي" بين هذين الحزبين، الذين لم يكن بالإمكان أن يلتقيا في تكتل واحد، لولا الظروف المهيئة التي أعقبت اغتيال المعارضين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.
هل يعود اليسار مجدداً؟
واستبعد عبيد عودة تجربة تكتل الاحزاب اليسارية في جبهة واحدة أو تنظيم، كما كانت في السابق، مشيراً إلى أن تفكك الجبهة الشعبية وانقسامها إلى شقين "سيؤثر على حظوظها في الانتخابات المرتقبة".
وقال في هذا السياق إنه "من الصعب على الجبهة الشعبية في هذه الانتخابات أن تخترق الخارطة السياسية ويكون لها موطئ قدم داخل البرلمان، مثل انتخابات 2014، عندما تحصلت على عدد من المقاعد، مستفيدة من الزخم والتعاطف الشعبي، بعد اغتيال بلعيد والبراهمي".
وتفجرت الخلافات في الجبهة الشعبية، منذ مارس الماضي، عندما قررت اللجنة المركزية لحزب "الوطد" اقتراح القيادي منجي الرحوي، مرشحاً للانتخابات الرئاسية، في وقت كان فيه الاتجاه يسير نحو تجديد ترشيح حمة الهمامي، الذي جاء ثالثاً بعد الرئيس الحالي، الباجي قائد السبسي، والسابق منصف المرزوقي في انتخابات 2014، وهو قرار اعتبره بعض قياديي الجبهة الشعبية قراراً مفاجئاً ومخالفاً للتمشي العام داخل الجبهة الشعبية الذي يفرض طرح كافة الترشحات على المجلس المركزي، للبت فيها ومن ثمة الإعلان عن مرشحها للعموم بصفة رسمية.
وتتكون الجبهة الشعبية من 10 أحزاب يسارية التوجه، أبرزها حزب العمال، الذي يقوده حمة الهمامي، وحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد، الذي كان يرأسه شكري بلعيد، قبل اغتياله في 6 فبراير 2013.