نبض لبنان

قصة دبلوماسي تركي نجا من سجن أردوغان.. "حمل زوجته أنقذه"

بعد فشل الانقلاب في تركيا، قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بحملة تطهيرٍ عشوائي للمعارضين في جميع طبقات الدولة.

رمزي إر، هو السكرتير الثالث في السفارة التركية في إسبانيا، تلقى مكالمةً هاتفية من رئيسه في ليلة الخامس عشر من يوليو 2016، قرابة العاشرة ليلًا، كانت هناك محاولة انقلاب ضد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وتم استدعاء جميع الدبلوماسيين في إسبانيا لمتابعة الأحداث.

وبحسب تقرير نشرته صحيفة "إل دياريو" الإسبانية، وصلت أولى ضربات عملية التنظيف إلى السفارة في إسبانيا، بعد ذلك بخمسة أيام فقط، أي في الـ25 من يوليو. حيث أرسلت وزارة الخارجية التركية إخطاراً إلى البعثة الدبلوماسية في مدريد تأمر فيه بإعادة رمزي إلى تركيا، وكذلك سحب جواز سفره وجوازات أسرته الدبلوماسية واستبدالها بوثيقة سفر مؤقتة صالحة للعودة إلى البلاد فقط. كانوا يتهمونه بالإرهاب.

"زوجتي حامل"

يحكي رمزي: "في اليوم التالي دخلت إلى مكتب السفير عمر أونهون، الذي أخبرني أن عليَّ أخذ كل شيء والخروج من السفارة في غضون 15 دقيقة". كانت زوجة رمزي حاملًا بطفلها الثاني، وبسبب بعض المضاعفات أخبرها الطبيب أن وضعها لا يسمح لها بركوب الطائرة، "بسبب خطر الولادة المبكرة".

سلم الدبلوماسي التقرير الطبي للسفارة لتبرير إقامته في إسبانيا، لكن ذلك لم يكن كافياً. يقول: "أرسل السفير دبلوماسياً إلى المستشفى للتحقق من صحة الوثيقة".

التقرير الذي ينصح زوجة رمزي بعدم السفر

يقول: "كنا ننتظر الولادة لنعود بعدها، لكن خلال تلك الفترة رأينا ما كان يحدث في تركيا وقررنا البقاء". أعطته الرسالة مهلةً مدتها 15 يومًا للعودة إلى تركيا.

لا دخل ولا إثباتات

يضيف: "في تلك الأيام الـ15 اتصلوا بي أربع مرات من السفارة ليخبروني أنه إن لم أعد، فسيصبح الأمر أسوأ، لكن ما الذي قد يكون أسوأ من المخاطرة بصحة زوجتي الحامل؟ وقد سلمنا جوازات السفر ولوحة تسجيل السيارة وبقينا في إسبانيا بلا شيء، بلا دخل ولا حتى بطاقة إقامة".

في الأول من سبتمبر، نشرت الحكومة التركية المرسوم رقم 672، وفقد حوالي 42 ألف موظف حكومي عمله دون إمكانية استعادته بسبب علاقتهم المزعومة مع جماعاتٍ إرهابية، وكان الاسم رقم 139 هو لرمزي إر. ويوجد ما لا يقل عن 31 مرسومًا آخر مليئة بالأسماء والألقاب.

بعد يوم من إصدار المرسوم، نشرت إحدى وسائل الإعلام المقربة من أردوغان خبراً بعنوان "30 دبلوماسيا هاربا" ظهر فيه اسمه مرة أخرى.

وذكر المقال: "بعد محاولة الانقلاب، تم استدعاء 208 دبلوماسيين من ذوي الخبرة إلى المقر الرئيسي، 30 شخصًا منهم لم يفوا بواجبهم وهربوا إلى بلدان أخرى".

طلب اللجوء في إسبانيا

بعدها طلب رمزي اللجوء في إسبانيا وتسليمه المرسوم والخبر والتقرير الطبي -من بين أشياء أخرى - كأدلة على اضطهاد أردوغان، حيث قامت الحكومة الإسبانية في مارس 2018 بمنحه وأسرتِه صفة اللاجئ.

يعمل حالياً كأستاذٍ للرياضيات في أكاديميتين، كما يحضّران هو وزوجته درجة الماجستير في جامعة كومبلوتينسي بمدريد. هو في علم الاقتصاد، وهي في علم النفس التربوي.

حاول رمزي الحصول على محامٍ في تركيا ليمثله أمام المحاكم التركية. يقول: "لطلب محام من الخارج، ينبغي الذهاب إلى القنصلية للقيام بالمعاملات اللازمة، لكنهم رفضوا ذلك. كان الخيار الآخر هو كاتب عدلٍ إسباني، لكن مع عدم وجود مستندات كنّا بحاجة إلى شاهدَين إسبانيين. قبِل جيراني أن يساعدوني وذهبنا إلى كاتب العدل، وفي النهاية تمكنا من الحصول على محام في تركيا". إلا أنه يؤكد أنه لا يعرف شيئًا على الإطلاق عن قضيته. يقول بأسى: "لا أعرف أي شيء، ولا أعرف حتى لمَ يتهموني".

لقد ركزت حملة التطهير على أتباع حركة غولن، الذي يلومه أردوغان على تنظيم الانقلاب، لكن رمزي يقول إنه ليس جزءًا من الحركة: "كثير من الناس يقولون إننا أتباع غولن، لكن ليس لدينا أي ارتباط مع غولن".

تسليم الجنسية في الشارع

عندما ولدت ابنته، طلب الدبلوماسي السابق الجنسية التركية لها من القنصلية التركية. وفي ظل الصعوبات، قام أحد العاملين بإعداد الوثيقة وسلمها له خارج القنصلية، في الشارع.

حتى يومنا هذا، لا يزال يصادف أشخاصاً مرتبطين بالسفارة. ويؤكد: "تذهب ابنة موظفٍ بالسفارة إلى نفس المدرسة العامة التي يذهب إليها ابني، وأحيانًا أقابل زوجته ونتبادل التحية، إنهم يعلمون أني لست مذنباً".

وبحسب الصحيفة الإسبانية يعتبر هذا تطهيرا يؤثر على جميع طبقات المجتمع التركي. حيث تم إلقاء القبض على عشرات الآلاف من الأشخاص وفصل أكثر من 150 ألفاً من وظائفهم. حيث توجهت الأنظار إلى الدبلوماسيين في الأيام الأخيرة بسبب موجة جديدة من الاعتقالات. فقد أمرت الحكومة باحتجاز 249 عضواً من أعضاء وزارة الخارجية، كثيرٌ منهم دبلوماسيون، ونُشرت ادعاءات بالتعذيب الجنسي ضد بعض المحتجزين.

في السابق، كان رمزي لا يريد سرد قضيته أمام وسائل الإعلام، خوفاً من تعرض عائلته للانتقام في تركيا. يقول: "هذه هي المرة الأولى التي أتحدث فيها علناً لأن التعذيب كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. لقد عذبوا الكثير من الناس منذ الانقلاب وحتى يومنا، لكن الأمر وصل إلى زملائي وأصدقائي، لذا قررت التحدث".