مرت أمس السبت، الذكري السابعة والعشرين لاغتيال المفكر المصري، فرج فودة، وهو المفكر الذي كان سابقاً لعصره، ومتوقعاً ما سيحدث في المنطقة حالياً من ثورات الربيع العربي، وصعود الإخوان للحكم، ثم عودة العسكريين للسلطة مرة أخرى في مصر والسودان وغيرهما من الدول.
وتنبأ فودة ببروز وإنشاء ما يسمى "داعش"، وتوقع كل ما يحدث من إيران بعد وقوعها تحت حكم الملالي.
في 8 يونيو من العام 1992، وقبل أيام من عيد الأضحى، انتظر شابان من الجماعة الإسلامية، هما أشرف سعيد إبراهيم، وعبدالشافي أحمد رمضان، على دراجة بخارية أمام مكتب المفكر المصري الراحل بشارع أسماء فهمي بمصر الجديدة، وفور خروجه في تمام الساعة السادسة والنصف مساء بصحبة ابنه أحمد وصديق له يدعى وحيد رأفت، وتوجههم جميعاً كي يستقلوا سيارة فرج فودة، انطلق أشرف إبراهيم بالدراجة البخارية، وأطلق عبد الشافي رمضان الرصاص من سلاح آلي كان بحوزته، فأصاب فودة بإصابات بالغة في الكبد والأمعاء، بينما أصاب صديقه وابنه إصابات طفيفة، وفر المتهمان هاربين.
وفي المستشفى لفظ فرج فودة أنفاسه الأخيرة ،وفِي اعترافاتهما أمام النيابة المصرية قال المتهمان إنهما خططا لحرقه حياً عن طريق سكب البنزين عليه وإشعال النيران فيه.
فتوى عمر عبدالرحمن
وكشفت التحقيقات عن أن اغتيال فودة كان بناء على فتوى من مفتي تنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية الدكتور عمر عبد الرحمن، وبتكليف مباشر وصريح من الدكتور صفوت عبد الغني أحد المتهمين في واقعة اغتيال الدكتور رفعت المحجوب، رئيس مجلس الشعب الأسبق، وأحد قادة الجماعة الإسلامية التي شاركت في اغتيال الرئيس المصري الأسبق أنور السادات.
وقال المتهم الأول في القضية عبدالشافي أحمد في اعترافاته إنه قرر تنفيذ فتوى عمر عبد الرحمن بقتل فرج فودة، خاصة أن جبهة علماء الأزهر أباحت دمه أيضا، وأفتت بتكفيره، وصدر تكليف القتل من الدكتور صفوت عبد الغني عبر محامي يدعى منصور كان يزوره في السجن باستمرار وينقل التكليفات، مؤكداً أن المحامي أبلغهم برسالة صفوت بالبحث عن شخص مناسب من أعضاء الجماعة لقتل الدكتور فرج فودة.
لكن عمرو فاروق الباحث في شؤون الحركات الإرهابية، وجماعات الإسلام السياسي يكشف عن أن المحرضين على القتل والذين كانوا في خلفية الصورة هم قيادات في جماعة الإخوان، وأن من تصدر مشهد التحريض والقتل هم عمر عبد الرحمن مفتي الجماعة الإسلامية، وقيادات الجماعة.
مناظرة معرض الكتاب
يقول عمرو فاروق لـ"العربية.نت": "قبل الحادث بأيام تجمع ما يقرب من 30 ألفاً من الشباب في مناظرة مع فرج فودة استمرت 3 ساعات متواصلة بمعرض "الكتاب الدولي بالقاهرة"، تحت عنوان "مصر بين الدولة الإسلامية والدولة المدنية"، وانقسم فيها المُحاضرون لفريقين، الأول ضم"أنصار الدولة الدينية"، وهم الشيخ محمد الغزالي، العضو السابق في الإخوان، ومأمون الهضيبي، نائب مرشد الإخوان، والمتحدث باسم الجماعة حينها، والدكتور محمد عمارة، بينما ضم الفريق الثاني "أنصار الدولة المدنية"، وهم الدكتور محمد خلف الله من قيادات حزب التجمع اليساري والدكتور فرج فودة.
وبدأت المناظرة بكلمة للشيخ الغزالي ذكر فيها أهمية الحفاظ على الهوية الإسلامية ثم تبعه الهضيبي، الذي ركز على أهمية أن يكون الجدال والنقاش بين "الدولة الإسلامية" و"الدولة اللا إسلامية"، مؤكدا أن الإسلام دين ودولة وليس دينا فقط، ورد فودة بالإشارة إلى دولة الخلافة وما بعد الخلافة الراشدة، مستشهدا بكلام الغزالي نفسه من أن الإسلاميين منشغلون بتغيير الحكم والوصول إلى الحكم دون أن يعدوا أنفسهم لذلك.
فند فودة في المناظرة السجل الإجرامي لبعض الجماعات المحسوبة على الاتجاه المؤيد للدولة الدينية، وما صدر عنها من أعمال عنف وسفك للدماء، كما استشهد بتجارب لدول دينية مجاورة على رأسها إيران قائلا: "إذا كانت هذه هي البدايات، فبئس الخواتيم، ثم قال للجميع الفضل للدولة المدنية أنها سمحت لكم أن تناظرونا هنا ثم تخرجون ورؤوسكم فوق أعناقكم، لكن دولا دينية قطعت أعناق من يعارضونها في إشارة إلى إيران.
وألقى فودة بقنبلة في وجه الحاضرين حيث قال إذا كان التنظيم السري جزءاً من فصائلكم فلماذا لم تدينونه؟ وتساءل هل مقتل النقراشي والخازندار بدايات لحل إسلامي صحيح؟ وهل الإسلام دين السلام، ودين الرحمة، والدين الذي يرفض أن يُقتل مسلم ظلماً وزوراً وبهتاناً لمجرد خلاف يوافق على ما يسمى بالتنظيم السري المخصص للقتل وتصفية المعارضين والمخالفين، الأمر الذي دفع مأمون الهضيبي قيادي الإخوان للرد عليه والقول إنه لا يوجد لدى الإخوان برنامج تفصيلي، ولكن يوجد مبادئ عامة"، قائلاً: "إننا تقربنا إلى الله بأعمال التنظيم الخاص للإخوان".
ويقول فاروق: شعر حينها أنصار تيار "الإسلام السياسي" بأنهم عجزوا على مناظرة فودة، بشيء من المنطق، خاصة فيما يتعلق بقضية "دولة الإسلام"، ولذلك تحولت المناظرة لتحريض واضح وعلني لتكفيره، والطعن في أفكاره، وعقيدته، مضيفاً أن الشيخ محمد الغزالي المحسوب على جماعة الإخوان قال في برنامج تلفزيوني بعدها بأيام إن من يدعو للعلمانية مرتد يستوجب أن يطبق عليه حد الردة، ثم قال في ندوة بنادي هيئة التدريس بجامعة القاهرة قبل واقعة الاغتيال بأيام متحدثاً عن فرج فودة، "أنه يردد كلام أعداء الإسلام في الخارج، ربنا يهديه، وإن لم يهديه فليأخذه".
ويتابع فاروق ويقول: في 1 يونيو 1992، قبل تنفيذ الاغتيال بـ5 أيام فقط، نشرت جريدة "النور" الموالية للتيار الإسلامي، بيانا لـ"جبهة علماء الأزهر"، برئاسة الدكتور عبدالغفار عزيز، ونائبه الدكتور محمود مزروعة، يكفر فرج فودة تكفيرا صريحا، بدعوة أنه مرتد، ومن ثم يستوجب القتل.
في نفس يوم الحادث كما يقول فاروق نشرت الجماعة الإسلامية بيانا أعلنت فيه مسؤوليتها عن اغتياله، وأنها قتلته تطبيقا لفتوى علماء الأزهر، ثم رحبت جماعة الإخوان في اليوم التالي من خلال متحدثها الرسمي، مأمون الهضيبي، باغتيال فرج فودة.
من قتل فرج فودة؟
عقب عملية الاغتيال مباشرة، هرب رئيس "جبهة علماء الأزهر"، الدكتور عبدالغفار عزيز ، إلى خارج مصر وأصدر كتاباً ، تحت عنوان "من قتل فرج فودة؟"، أورد فيه 4 اتهامات تفيد بردة المفكر الراحل، أولها رفضه تطبيق الشريعة، ثم أنهى الكتاب بجملة تقول "فرج فودة هو من قتل فرج فودة"، وأن الدولة سهلت له عملية الانتحار.
ويضيف أن المحكمة استدعت نائبه الدكتور محمود مزروعة، رئيس قسم العقائد والأديان بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، والشاهد الرئيسي في القضية، فقال أمام المحكمة إن: "فرج فودة مرتد بإجماع المسلمين، ولا يحتاج الأمر إلى هيئة تحكم بارتداده، وهو مستوجب القتل.
وقال مزروعة إن اتصالا جاءه من شباب يدعون انتماءهم لإحدى الجماعات الإسلامية، ويريدون استشارته في أمر عاجل، فحدد لهم موعدا، والتقى بهم، فسألوه: "ما حكم المرتد" فأجاب: "قتله"، ثم سألوه: "وإذا لم يقتله الحاكم؟" فأجاب قاطعا: "يكون حكم قتله في رقاب عامة المسلمين".
تهمة غير القتل للقتلة
ويتابع فاروق ويقول إن الشيخ محمد الغزالي، المحسوب على جماعة الإخوان تطوع من تلقاء نفسه وذهب للشهادة في المحكمة، وقال في شهادته التي استمرت نصف ساعة: "إن فرج فودة بما قاله وفعله كان في حكم المرتد، والمرتد مهدور الدم، وولي الأمر هو المسؤول عن تطبيق الحد، وإن لم يفعل يكون ذلك من واجب آحاد الناس، وأن التهمة التي ينبغي أن يحاسب عليها الشباب الواقفون في القفص ليست هي القتل، وإنما هي الافتئات على السلطة في تطبيق الحد".
ويقول إن الشيخ محمد الغزالي، لم يكتفِ بذلك بل نشر بياناً مسانداً لمحمود مزروعة، وقع عليه وقتها عدد من مشايخ الأزهر المحسوبين على تيارات "الإسلام السياسي".
ويوضح فاروق أن كلاً من الدكتور عبدالغفار عزيز، مؤسس "ندوة علماء الأزهر وقتها" عام 1992، ونائبه الدكتور محمود مزروعة، من العناصر المحسوبة والمنتمية فعلياً لجماعة الإخوان، مضيفا أن الدكتور عبدالغفار عزيز، أحد المساهمين في تأسيس المركز الإسلامي في ميونخ، وهو أكبر معاقل الإخوان في أوروبا، وقد تم انتخابه على قائمة الإخوان في مجلس الشعب المصري عام 1984، كما كان ممثلاً لجامعة الأزهر عام 1986، في رثاء المرشد العام للإخوان عمر التلمساني.
وقال إن نائبه الدكتور محمود مزروعة، اعتقل في العام 1956، بتهمة الانتماء لتنظيم الإخوان، وتم الإفراج عنهم عقب إصابته في عينه أثناء وجوده في السجن الحربي، وفي أكتوبر 2103، صرح بأن انتخاب الدكتور محمد مرسي يعد بيعة مثل التي بويع بها أبو بكر الصديق كخليفة للمسلمين، وأنه لا يجوز الخروج عليه، وأنه الرئيس الشرعي للبلاد.
الخلاصة كما يقول فاروق ويختم أن الإخوان هم أول من حرضوا على قتل فرج فودة، وأول من أفتوا بقتله واعتباره مرتداً بعد أن فضح مخططاتهم، واستغلالهم للدين للقفز على السلطة والحكم، واستخدامهم للميليشيات المسلحة لردع وتصفية المخالفين والمعارضين لأفكارهم وخططهم، مؤكدا أن الجماعة الإسلامية وشبابها كانوا الأداة المنفذة لتحريض وفتوى الإخوان بقتل فرج فودة.