نبض لبنان

حرائق تركيا تحرج أردوغان.. والحكومة تخمد الانتقادات بالتهديد

تحوّلت أزمة الحرائق التي اندلعت أواخر الشهر الماضي في عدة ولايات تركية وتستمر في بعضها حتى الآن، إلى مناسبة جديدة للأتراك لانتقاد حكومة بلادهم على طريقة تعاملها مع النيران التي دمّرت أكثر من 100 ألف هكتار من الأراضي حتى الساعة، لكن السلطات قابلت تلك الانتقادات بدعاوى قضائية بذريعة إهانة الدولة ورئيسها رجب طيب أردوغان الذي يقود أيضاً حزب "العدالة والتنمية" الحاكم.

وتحرّك القضاء التركي مع النيابة العامة والأجهزة الأمنية لإسكات المدونين على مواقع التواصل الاجتماعي الذين اتُهِموا من قبل السلطات بـ"إثارة القلق والخوف والهلع بين السكان وإهانة الحكومة التركية"، وهي اتهامات سيبت بها المدعي العام في أنقرة والذي باشر تحقيقات حيال تغريدات نشرها الأتراك تحت هاشتاغ #ساعدوا_تركيا على موقع "تويتر مما أثار غضب أردوغان شخصياً.

الحرائق في ماركاريس

مادة اعلانية

وذكرت وسائل إعلام محلية أن ما أثار غضب أردوغان يكمن في تطرّق عدد من المغردين الأتراك لمسألة امتلاكه قصراً صيفياً مكوناً من 300 غرفة في بلدة مرماريس التي تضررت بشدة من الحرائق الأخيرة، وأسطول رئاسي مكوّن من 13 طائرة، في حين ليس لدى بلاده طائرة واحدة لإخماد النيران التي اندلعت في مساحات شاسعة من غاباتها في مناطق تطل على بحر إيجه وعلى البحر الأبيض المتوسط.

كما لم تتوقف محاولات الحكومة التركية لإسكات الأصوات الناقدة والمعارضة على مواقع التواصل الاجتماعي وحدها، فقد أصدر المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون التركي المعروف اختصاراً بـ RTÜK والذي ينظم عمل وسائل الإعلام المحلية، إنذاراً بتغريم المحطات التلفزيونية التي تواصل بث الصور الحية للحرائق ونشر أخبارٍ "تثير خوف السكان وتقلقهم".

وفي هذا السياق، قال سركيس قصارجيان، الباحث والمحلل السياسي المختص بالشؤون التركية، إن "إنذار المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون التركي وملاحقة المدونين من قبل القضاء، تمّ بعد تغريدةٍ لمسؤول التواصل في الرئاسة التركية والتي اعتبر فيها أن كل من يطالب بمساعدات أجنبية يخون بلاده، كما اتهمهم بتشجيع احتلالها".

الحرائق في بودروم

ولفت قصارجيان في حديث مع "العربية.نت" إلى أن "تلك التغريدة كشفت تناقض الخطاب التركي، فالحملات الانتخابية لأردوغان كانت تستند إلى شعارات من قبيل "طائراتنا الخاصة في أجوائنا" و"سنخترع مركبة فضائية"، لكن في الواقع ليس لدى أنقرة طائرة إطفاء واحدة، في حين لدى أردوغان 13 طائرة ولدى بلاده قواعد عسكرية في الخارج، وهذا يتناقض مع مكانة تركيا التي يتحدث عنها أردوغان".

وأضاف أن "عظمة تركيا التي يتباهى بها رئيسها لم تكن في النهاية سوى فقاعة، فالسلطة الحاكمة لم تخطط إلا للأمور العسكرية وعرض قوتها في الخارج بدلاً من تأمين معدات إطفاء تجنباً للحرائق، خاصة أن تركيا معروفة بكثافة غاباتها، وبالتالي الحرائق الأخيرة أحرجت الحزب الحاكم لا سيما أن المعارضة انتقدت بشدّة تعامل السلطات مع هذه الأزمة بعدما امتدت النيران للقرى وسقط نتيجتها عشرات الضحايا بين قتلى وجرحى".

وتابع: "كثيرون فرّوا من بيوتهم بسبب النيران التي اندلعت في أماكن قريبة منهم، وعوضاً عن تقديم الحلول، لجأت أنقرة لإسكات الأصوات الناقدة لطريقة مواجهتها للحرائق، فهي تؤثر على شعبية الحزب الحاكم. ولذلك طلبت من الهيئات القضائية ملاحقة وسائل الإعلام والعاملين فيها، وقد باشر القضاء بالفعل برفع دعاوى بحق أشخاص انتقدوا غياب وسائل إطفاء النيران. والرئيس التركي سافر الشهر الماضي برفقة سبع طائرات إلى قبرص في استعراض أمام اليونان، لكن لدى الأخيرة 17 طائرة لإخماد النيران، بينما لا تملك تركيا أي طائرة من هذا النوع".

الحرائق في إسبارتا

وتستمر الحرائق في عدد من غابات تركيا في مناطق تقع جنوب وجنوب غربي البلاد منذ 28 يوليو الماضي. واتهم أكبر حزبين معارضين لأردوغان، وهما "الشعب الجمهوري" و"الشعوب الديمقراطي"، الحكومة بـ "الفشل" في التعامل مع أزمة الحرائق التي أضرت بمناطقٍ زراعية وأخرى سياحية.

وتلقت تركيا المساعدة في إطفاء النيران من عدد من الدول بينها روسيا وإيران وأوكرانيا وإسبانيا وأذربيجان.

وتعد هذه الحرائق، الأضخم من نوعها التي يواجهها الحزب الحاكم منذ وصوله إلى السلطة في تركيا قبل 19 عاماً، وقد اتهم معارضيه بمحاولة "استغلالها" سياسياً.