في وقت يشتد طوق الأزمة المعيشية على رقاب اللبنانيين مع الانهيار المتواصل لليرة مقابل الدولار وما يجرّ معه من تلاشٍ في الرواتب وارتفاع جنوني بأسعار المواد الاستهلاكية، يمضي حزب الله في تعزيز دويلته على حساب الدولة اللبنانية عبر إيجاد وضعية اقتصادية مستقلة، يستفيد منها حصراً "أبناء جلده".
ففي ظل الانهيار المعيشي والاقتصادي الذي يضرب معظم اللبنانيين نتيجة فساد الطبقة السياسية وضياع جنى العمر لدى المصارف، "استنفر" حزب الله معيشياً لتحصين بيئته الحاضنة تحت شعار "لن نجوع" الذي سبق ورفعه أمينه العام حسن نصرالله، من أجل تخفيف منسوب النقمة عليه بعدما بدأت تخرج أصوات شيعية تُحمّله بطريقة مباشرة أو غير مباشرة مسؤولية تدهور الأوضاع الاقتصادية والمالية من خلال "حمايته" المنظومة الفاسدة منذ عقود.
تعاونيات وبطاقة السجّادفقد أطل حزب الله على أبناء بيئته مفتتحاً سلسلة "تعاونيات "كمراكز تسوّق خاصة لمن يحملون بطاقات "السجّاد" التموينية التي سبق ووزّعها على ناسه، خصوصاً الأكثر فقراً.
وبدا من خلال الصور التي انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة ببيئة حزب الله أن رفوفها امتلأت حديثاً بالمواد الغذائية مثل المعلّبات وأكياس المعكرونة ومساحيق التنظيف.
وتُتيح بطاقة "سجّاد" الممغنطة لصحابها شراء سلع ومواد غذائية من "تعاونيات سجّاد"، بأسعار أقل من أسعار البضاعة المدعومة التي توفّرها الحكومة اللبنانية.
وسقف بطاقة "سجّاد" 300 ألف ليرة (نحو 30 دولاراً وفق سعر صرف الدولار في السوق السوداء، حيث يتراوح سعر الدولار الواحد بين 12 و13 ألف ليرة).
بطاقة مجانيةوبحسب معلومات لـ"العربية.نت" فإن هذه البطاقة تُعطى مجاناً لصاحبها بعد التأكد من وضعه الاجتماعي.
فإذا كان يتقاضى راتباً تحت المليون ليرة يحصل على حسومات على البضائع بنسبة 40 بالمئة أما إذا كان راتبه يفوق المليون و400 ألف ليرة فإنه يحصل على حسومات تصل الى 20 بالمئة وعلى بضائع محددة.
ويتم تمويل "السجّاد" من حاملي بطاقة "نور" المُخصصة للعناصر العسكرية وموظفي "حزب الله" الذين يتقاضون رواتبهم بالدولار.
وأثارت خطوة حزب الله ضجّة لدى الرأي العام اللبناني، وطرحت تساؤلات حول هويتها وما إذا كانت من بضائع غير لبنانية أو المدعومة من مصرف لبنان التي يعاني اللبنانيون من "اختفائها" عن رفوف السوبر ماركت وهو ما أدّى إلى نشوب معارك "طاحنة" بينهم للحصول على سلع مدعومة مثل الزيت والحليب في حال تواجدها في المتاجر.
بضائع إيرانية-عراقية وسوريةوأفادت معلومات "العربية.نت" "أن النسبة الأكبر من البضائع الموجودة في سوبر ماركت "السجّاد" إيرانية والباقي سوري وعراقي، وتتضمّن بمعظمها سلعاً أساسية مثل الشاي وعلب الحمص ومعلّبات الذرة والتونا".
أما البضائع المدعومة فسيتم عرضها بعد شهر رمضان، وذلك لمنع التهافت على السوبر ماركت بشكل كبير ما قد يؤدي إلى حصول إشكالات كما حصل في الأيام السابقة.
فروع أخرىوبحسب المعلومات أيضاً، يتّجه حزب الله إلى افتتاح فروع أخرى لتعاونياته هذه في بيروت والجنوب والبقاع.
ومع أنه لطالما ارتبط تميّز لبنان باقتصاده الحر وأسواقه المفتوحة، غير أن السؤال الأساسي الذي طرحه العديد من اللبنانيين عقب إعلان حزب الله عن افتتاح "السجّاد"، كيف دخلت تلك البضائع السوق اللبنانية؟ وهل مرّت عبر القنوات الشرعية وخضعت إلى الضريبة الرسمية مثل سواها؟
لا علم لي بالسوبر ماركتلكن قبل محاولة الإجابة على هذه التساؤلات، كان لافتاً قول نقيب اصحاب السوبر ماركت في لبنان نبيل فهد لـ"العربية.نت" "ألا معلومات لديه عن سوبر ماركت السجّاد، وبأنه سمع عنها عبر الإعلام".
كما أوضح "ألا علم لديه عن نوعية البضائع التي تبيعها وما إذا كانت مدعومة أو مستوردة من إيران".
فهذا التصريح لنقيب أصحاب السوبر ماركت يؤكد أن المؤسسات التابعة لـ"حزب الله" "معزولة" عن الجهات الرسمية وتُكرّس منطق دويلته الخاصة.
اقتصاد موازٍأما بشأن "شرعية" البضائع، فقد أوضحت الصحافية المتخصصة بالشؤون الإقتصادية محاسن مُرسل لـ"العربية.نت" "أن ما قام به حزب الله استكمال لمشهدية نظامه الاقتصادي الخاص، وقد يكون أدخل هذه البضائع إما عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية التي يُسطير عليها من دون أن يدفع رسوما جمركية وإما أدخلها إلى لبنان عبر مؤسسات اجتماعية خاصة تابعة له مثل "مؤسسة الشهيد"، وهذه المؤسسات بحسب القانون اللبناني مُعفاة من الضرائب والرسوم الجمركية".
كما قالت "إن التقديمات الاجتماعية ليست جديدة على حزب الله إلا أننا التفتنا إليها في الفترة الأخيرة عندما تخلّت الدولة عن ناسها وبات التساؤل حول دور الأحزاب في هذه الأزمة"؟
وأشارت إلى "أن حزب الله بنى اقتصاده الموازي على حساب الاقتصاد الوطني، والتهريب عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية عزّز من اقتصاده".
الدويلة مكان الدولةبدوره، قال نائب رئيس تحرير الشبكة الدولية للأخبار الصحافي محمد عواد لـ"العربية.نت" "إن حزب الله يعزز اليوم فكرة الدويلة مكان الدولة من خلال افتتاحه لتعاونيّات خاصّة لحاملي بطاقة السجّاد التي سبق وأخذ بيانات وملأ استمارات مع كشف منزليّ على من يُريد الحصول عليها.
كما أضاف "داخل هذه التعاونيات لا يوجد سوى أصناف غذائية محدودة، لا نعرف طبعاً كيف دخلت وهل عبرت مراكز الجمارك اللبنانيّة، وهل وزارة الاقتصاد تعلم بنوعيّتها وهل هي تسمح بدخولها ضمن الاتفاقيات الاقتصاديّة بين الدول، تقي من الموت جوعاً، لا يوجد أيّ شيء من الكماليات والإضافات للطعام، لا يوجد من المعلّبات سوى الذرة، ومن المشروبات سوى الشاي، والحبوب الغذائية هي الأساس، لا يوجد حليب أطفال ولا يوجد حفاضات أوّ أيّ اللوازم الأساسيّة للأطفال".
رسالة حزب اللهإلى ذلك، اعتبر عواد "أن حزب الله بالإضافة إلى الرسالة التي أوصلها إلى بيئته، أوصل رسالة هُنا إلى اللبنانيين بأنّ العقوبات والحصار الاقتصادي سيطال بدرجة أكبر من يُريد الدولة لا من هو في حضن الدويلة.
ورأى أن "حزب الله لن يستطيع أنّ يكون الدولة ببعض الحبوب الإيرانيّة".
كيف دخلت؟!من جهته، أكد المحامي مجد حرب، الذي سبق وتقدّم بإخبار للنيابة العامة المالية ضد حزب الله بجرم التهرب الضريبي والجمركي وتبييض الأموال الذي حرم الدولة اللبنانية من مئات ملايين الدولارات، أن "هناك علامات استفهام كثيرة تُطرح دائماً حول كيفية إدخال حزب الله البضائع إلى لبنان وما إذا كانت تستوفي الشروط القانونية لجهة دفع الرسوم الجمركية".
ولفت في حديث لـ"العربية.نت" إلى "أنه إذا ثبت أن البضائع الموجودة في "تعاونيات السجّاد" مموّلة من أموال اللبنانيين أي من خلال سياسة الدعم، فهذا يؤكد أن اقتصاد حزب الله "الطفيلي" ينمو على حساب الاقتصاد الوطني". واعتبر "أن السياسة العدائية التي ينتهجها حزب الله تجاه أشقائنا العرب جعلتنا نشحذ "كرتونة" الإعاشة.
كذلك، قال الشيخ عباس الجوهري، رئيس المركزِ العربي للحوارِ والدراسات لـ"العربية.نت" "إن حزب الله يحاول معالجة "سرطان" الأزمة الاقتصادية بالمسكّنات وخطوته الغذائية الأخيرة لا تُسمن ولا تسدّ جوعاً".
وووصف بطاقة "السجّاد" بـ "بطاقة السجّان"، لأنها تسجن اللبنانيين بـ"كرتونة" إعاشة وتُمعن بالزبائنية".
كما أشار الجوهري المعروف بمواقفه ضد سياسة حزب الله، إلى "أن العراضات التي أقامها حزب الله عند افتتاح سوبر ماركت السجّاد إهانة للناس".
إلى ذلك، اعتبر "أن جزءاً من البضاعة الموجودة في سوبر ماركت السجّاد مدعوم من مصرف لبنان سبق وخزّنها حزب الله في مخازن خاصة به، وآلية الدعم التي أقرّتها حكومة حسّان دياب مموّلة من إحتياطي مصرف لبنان وتُقدّر بـ6 مليارات دولار".