في صحيفة التيلغراف البريطانية كتب رئيس وزراء بريطانيا الأسبق ويليام هيغ عن الهجوم المدبر إيرانيا على منشآت النفط السعودية.
في غضون دقائق من يوم السبت، تعرضت منشأتان نفطيتان كبيرتان في السعودية لأضرار جسيمة من الطائرات المسيرة، وربما صواريخ كروز أيضًا. ومع توقف تدفق 5% من نفط العالم على الفور، باتت أسعار النفط العالمية متذبذبة. وبينما يحسب الاقتصاديون التأثير على الاقتصاد العالمي، ويُثار الجدل حول من يتحمل المسؤولية، يجب التأكد من إدراكنا لما يخبرنا به هذا الاعتداء المتهور.
أولاً، إنه تذكير بأن طبيعة الحرب تتغير. حيث إن لدى السعودية قوات مسلحة قوية وقوات جوية متطورة ودفاعات عالية التقنية، مما يمكنها بسهولة من مقاومة أي هجوم واسع النطاق تشنه أي دولة في المنطقة. بيد أن الطائرات المسيرة صغيرة بما يكفي بحيث لا تكتشفها تلك الدفاعات، كما يمكنها أن تُصيب هدفًا بدقة كافية لإحداث أضرار جسيمة مع حمولة محدودة نسبيًا.
ولا يُمثل ذلك سوى بدايةٍ لما سيكون ممكنًا قريبًا. ففي العقود المقبلة، ستكون الأصول الوطنية القيّمة في أي بلد - بدءًا من البنية التحتية الاقتصادية المهمة وحتى شركات الطيران - أكثر عرضةً لسربٍ من الأجهزة الدقيقة الصغيرة بعيدة المدى، والمتسقة مع بعضها البعض باستخدام الذكاء الاصطناعي، بالمقارنة مع أي حملة قصفٍ تقليدية.
سوف يكون أمننا القومي مُعتمدًا على الإنفاق على الدفاع بقوة وبما فيه الكفاية في سبيل تحقيق التقدم على مثل هؤلاء الخصوم في المستقبل. وفي غضون ذلك، سيتيح انتشار تكنولوجيا الطائرات المسيرة الرخيصة شن هجمات مدمرة تشنها قوات بالوكالة، في حروب غير معلنة، وبأقل قدر من المخاطر على المهاجمين. حيث يمكن إرسال عشرات الطائرات - مقابل أقل من 15000 دولار لكل وحدة - في الهواء لتطير ما يقرب من ألف ميل مع حمولةٍ متفجرة كافية للتسبب في أضرار ذات قيمة أكبر بكثير.
وحتى إذا كان هناك الكثير من الدفاعات المضادة للطائرات، فقد تم تصميمها لإسقاط الطائرات وبالتالي فهي باهظة التكلفة وقليلة من حيث العدد لهزيمة أسراب الطائرات الصغيرة المسيرة. وبالتالي، يمكن الآن استخدام التكنولوجيا الحديثة المتاحة على نطاق واسع إلى جانب الاستراتيجية القديمة المتمثلة في استخدام قوات بالوكالة، وذلك لتصعيد الصراع مع إنكار المسؤولية.
ومع قيام إسرائيل وإيران وتركيا ببناء طائرات مسيرة خاصة بهم، وقيام الكثير من البلدان الأخرى في المنطقة باستيرادها، فإن منطقة الشرق الأوسط سرعان ما ستفيض بالأسلحة التي يمكن أن تهاجم بشكل مفاجئ ودون تحديد هوية من يقف وراءه أهدافٍ ذات قيمة عالية. وهي تُعد لعبة خطيرة تنطوي على شروع أي بلدٍ في هذا النوع من الهجمات، مع احتمال حدوث عمليات انتقامية وشن ضرباتٍ يطول امدها من باب الانتقام طوال الوقت.
وبالنسبة لإيران، فإن إغراء شن ضرباتٍ بهذه الطريقة الغامضة والمتفاوتة يظل قويًا للغاية، بينما ترزحُ تحت ضغطٍ شديدٍ من العقوبات الأمريكية، وتقيمُ تحالفاتٍ وثيقة مع مجموعة من القوات تبدأ من حزب الله في لبنان إلى نظام الأسد في سوريا وصولاً إلى الحوثيين في اليمن.
ومع وجود القيود الشديدة على تجارة النفط الخاصة بهم، يحاول القادة الإيرانيون إثبات أن تدفق النفط من الحلفاء الخليجيين للولايات المتحدة يمكن أن يتعرض للتهديد أيضًا – ومن هذا المنطلق أتت الهجمات الأخيرة على ناقلات النفط في البحر. حيث يمكن أن تتماشى الهجمات على السعودية بسهولة مع تلك الاستراتيجية، وكذلك مع الهجمات الأخرى بطائرات مسيرة وصواريخ تهدف جميعًا إلى رفع تكلفة التدخل المُستمر في اليمن.
ولربما كان هدف المتشددين في طهران داخل الحرس الثوري أو المقربين إلى المرشد الأعلى خلف الهجمات يكمُن في تقويض إمكانية عقد اجتماعٍ غير مسبوق بين رئيسهم روحاني والرئيس ترمب. ويتضح أن رحيل جون بولتون، وهو من الصقور الرئيسية، عن منصب مستشار الأمن القومي الأمريكي، كان بسبب الخلاف مع استراتيجية ترمب بشأن إيران.
إن مشهد اشتعال المنشآت النفطية التي تُعد حيويةً على الصعيد العالمي يجعل إقامة لقاءٍ كهذا في المُستقبل القريب أكثر صعوبة. فمن أذن بشن هذه الهجمات كان يهدف إلى خلق مُعضلاتٍ عسيرة لأمريكا ولبقية الغرب والدول العربية الخليجية من حيث كيفية الرد.
ويجب أن تكون الاستجابة الأولية بعيدة عن الانتقام السريع والتركيز على نسب الفعل إلى مرتكبيه. وذلك في الواقع هو ما ركزت عليه واشنطن من خلال أدلةٍ تربط التفجيرات بالإيرانيين وليس حلفائُهم الحوثيين. وعلى المدى الطويل، يتم ردع مثل هذا النوع من الأعمال غير المسؤولة إلى حد بعيد بأفضل صورة من خلال إظهار أن المصدر الحقيقي لها يُمكن تحديده في كثير من الأحيان أو في نهاية المطاف.
ولكن الأهم من ذلك، يكمن في أن هذه الأحداث تُشكل فرصةً لإعادة الغرب نحو انتهاج استراتيجيةٍ مُتماسكة وقابلة للاستدامة تجاه إيران. فمنذ سنوات خلّت، اعتقدنا أننا نملك مثل تلك الاستراتيجية حينما كُنا نتفاوض بشأن الاتفاقية لتتخلى إيران عن مُضيها خلف امتلاك قدرة الأسلحة النووية على مدى عقد من الزمان.
ومع ذلك، وبينما تتمسك بتلك الاتفاقية، تستمر إيران في زعزعة استقرار باقي أنحاء الشرق الأوسط وكان تخلي الولايات المتحدة عن تلك الاتفاقية في عهد ترمب قد أدى إلى انقسام العالم الغربي بشدة. ونتج عن ذلك الانقسام تخلي الولايات المتحدة عن الاتفاقية التي وقعت عليه بصورة جدية، بينما كانت الدول الأوروبية، بما فيهم بريطانيا، يبحثون في كيفية إبطال سياسة أعظمُ حلفائِنا.
وباعتبار وقوف الخليج على حافة تصعيد النزاعات وحالة عدم استقرار مُتفاقمة، فإن الوقت قد حان لتستجمع العواصم الغربية قواها. وذلك إذ كان الرئيس ماكرون قد لعب دروًا قويًا في قمة مجموعة السبع الأخيرة من خلال المساعدة في إقناع ترمب لإدراك احتمالية تقارب أوسع نطاقًا مع إيران. وفي حين أن ذلك قد يكون مُستحيلًا من حيث تحقيقه بالمُجمل، إلا أنه بالنسبة للبيت الأبيض يُعد التفكير مليًا في اتخاذ نهجِ كهذا أمرًا صائبًا، أما بالنسبة لبريطانيا وغيرها من الحلفاء، فسيكون من الصواب دعم ذلك النهج.
ومع ذلك، فإن لم يتم إحراز أيُ تقدمٍ خلال الأشهر المُقبلة، واستمرت إيران في سلك مسار المزيد من الأعمال الاستفزازية والمتهورة، فإن دعم اتخاذ الولايات المتحدة لنهجِ أكثر صرامة من جانب كلًا من فرنسا وألمانيا وبريطانيا- جميعهم اضطلعوا بدورٍ فعال في الاتفاقية النووية- سيكون لهُ ما يُبرره. وذلك يعني أن فرض العقوبات من قبل المزيد من دول العالم ستؤدي إلى تكثيف وتعزيز الأثار المترتبة على الاقتصاد الإيراني.
سوف تكون مسألة توحد الحكومات الغربية ضدهم بمثابة عقوبةً قاسية على إلى إيران. وهي الدولة التي تُمثل بدروها واحدة من أهم الحضارات العظمية تاريخيًا، ويستحق شعبُها فرصةً للانضمام إلى ركب الرخاء العالمي والسلام الإقليمي. كما ينبغي الاستمرار في التلويح بآفاق ذلك أمامهم.
ولكن إذا كانت الاستجابة الوحيدة لذلك تتمثل في رعاية العنف ومهاجمة الدول المجاورة ونشر الأسلحة الجديدة والمؤذية في عصرٍ أكثر خطورة، حينها يجب على بقية العالم أن يستعد للرد بصورة موحدة وحازمة.